قراءة في الانتخابات التركية المحلية الأخيرة… النتائج والتداعيات

الانتخابات المحلية التركية التي جرت في 31 آذار 2024 كانت استفتاءً شعبيا على حكم أردوغان، ورغم أنّ أردوغان نفسه قد قاد الحملات الانتخابية وسخّر لها جميع إمكانات الحكومة التركية فإنّه لم يفز ولم يكن أردوغان وحزبه وحليفه حزب الحركة القومية يتوقّعون أن يتذوّقوا طعم هذه الهزيمة.

والحقيقة أنّ هزيمة هؤلاء في الانتخابات الأخيرة  تضع علامات استفهام كبيرة، ففي انتخابات 2019 فاز حزب العدالة والتمية بنسبة 44% من أصوات الناخبين، وألحق الهزيمة بالائتلاف المعارض المكوّن من ستة أحزاب، رغم أنّ الظروف الاقتصادية كانت صعبة بالإضافة الى التداعيات السلبية للزلزال نتيجة تباطؤ الحكومة في التحرّك لمواجهة نتائج الزلزال، وكانت غالبية التوقّعات تلتقي حول احتمالية هزيمة أردوغان، لكنّه خرج منها منتصرًا، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على سوء اختيار أحزاب المعارضة مرشّحها الرئاسي وضعف تحالفاتها، وليس بسبب  قوة وشعبية أردوغان.

ويعتقد بعض المراقبين  أنّ هزيمة أردوغان  وإخراجه من المعادلة السياسية  ليست مسألة سهلة؛ لأنّه براغماتي يعرف المداخل والمخارج السياسية ويستطيع التحرّك من خلالها بسهولة، صحيح أنّه قد خسر  المعركة  لكنّه لم يخسر الحرب  بعد، ويستطيع إعادة بناء نفسه وأنّه سياسي مخضرم يصنع التحالفات بمهارة  للبقاء في السلطة، وليست لديه أي خطط لترك السلطة والاستسلام.

واعترف أردوغان بالهزيمة أمام أنصار حزبه في أنقرة، وقال:

” إنّ انتخابات  31 مارس تشكّل منعطفًا  ولم نتمكّن  من الحصول على  النتائج  التي توقّعناها”.

وأكّد أردوغان:

” أنّهم سيدرسون أسباب الفشل  ويتّخذون الإجراءات  والتدابير اللازمة لمواجهة تبعاته المستقبلية “.

وكان من المتوقّع  أن يبقى أردوغان رئيسًا لتركيا لدورة رئاسية أخرى لو نجح حزب العدالة والتنمية  في الانتخابات الأخيرة، وذلك عبر تعديل نصوص الدستور ( حتى يستطيع الترشّح  مجدّدًا للانتخابات الرئاسية  عام 2028 ) ليبقى رئيسًا لتركيا مدى الحياة، على غرار التعديلات الدستورية  التي أجراها بوتين في روسيا.

ولكن؛ ما هي الخيارات والسيناريوهات  أمام أردوغان  لتجاوز أسباب  فشله في الانتخابات الأخيرة ومن ثم الانطلاق نحو قصر الرئاسة مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

يبدو أنّ الخيارات أمام أردوغان محدودة، وهما خياران لا ثالث لهما:

الخيار الأول :

 وهو اللجوء إلى المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني مرة أخرى، وكسب أصوات الكرد الذين يشكّلون “بيضة القبّان” في الانتخابات التركية.

الخيار الثاني:

وهو تقديم تنازلات كبيرة لحزب الرفاه الجديد الذي حصل على 6,2% من أصوات الناخبين والتحالف معه.

ويرى مؤيّدو وأنصار أردوغان أنّ نتائج الانتخابات المحلية كانت كبوة يمكن تجاوزها، وهي لن تؤثّر على الحياة السياسية في تركيا بشكل كبير.

ولكن ما هي خيارات المعارضة تجاه سياسات أردوغان:

من المؤكّد أنّ الشعب التركي يرغب في التغيير، ولهذا رفع البطاقة الحمراء في وجه  حزب العدالة والتنمية، وأعطى الحظ  والفرصة لأحزاب المعارضة في الانتخابات المحلية الأخيرة د، فهل تستطيع المعارضة  فعلًا تحويل هذا الفوز الى نصر في الانتخابات الرئاسية القادمة؟

لاشكّ أنّ الخيارات أمام المعارضة أيضًا  محدودة؛ فهي تحتاج إستراتيجية  مقابل استراتيجية حزب العدالة والتنمية، وتحتاج إلى معادلة سياسية بين الشرق والغرب،  وعليها أن تختار المسؤولين من الوجوه الجديدة  الذين يتمتّعون بعقلية وثقافة الدولة المعاصرة، بعيدًا عن الإيديولوجيا والفكر الشمولي،  ويكون لهؤلاء  خبرة سياسية واقتصادية وتكون ثقافتهم وطنية وليست قومية عنصرية.

والسؤال الأهم هو:

 ما هو الدور الكردي المطلوب  في الانتخابات القادمة:

لاشكّ أنّ التساؤلات تتزايد حول الدور الكردي في ظلّ التحوّلات السياسية المتسارعة في تركيا وفي  تحديد مسار السياسة التركية  القادمة، خاصة فيما يتعلّق بدورهم في بناء التحالفات، فقد أثبتت نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة أهمية فوزهم  وأهمية دعمهم  (على أرض الواقع )  للسيد أكرم أوغلو في مدينة اسطنبول، وأمام الواقع السياسي التركي المتقلّب ينبغي على الكرد  تقييم تحالفاتهم السياسية وفق مصالح شعبهم بصورة جيدة ومتقنة.

وفي الختام فإنّ نتائج الانتخابات الأخيرة سوف تفرض نفسها بقوة على المشهد السياسي التركي الحالي، وسوف تسهم في تشكيل خريطة التحالفات  وصولًا إلى الانتخابات الرئاسية في عام 2028م.

زر الذهاب إلى الأعلى