داعش وإقامة المحكمة الدولية

 

تعتبر المحكمة الجنائية الدولية التي تأسست في 1/تموز/2002 بموجب ميثاق روما لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب حاجة ضرورية لحفظ الأمن والسلم الدوليين والوقوف في وجه ممولي وداعمي التنظيمات الإرهابية وكل من له اليد الطُّولى بارتكاب الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، ومن أهم المحاكمات التي قامت بها محكمة الجنايات الدولية محاكمة سلوبودان ميلوسفيتش: بحسب الاحصائيات كان سبباً بمقتل 97000 بوسني بين عامي 1992/1995. جان كامباندا رئيس وزراء رواندا والمتهم بارتكاب إبادة جماعية بحق الشعب الرواندي عام1994 وحكم عليه بالسجن المؤبد لضلوعه في الإبادة الجماعية التي استمرت مائة يوم. وتشارلوز تايلور رئيس ليبيريا الأسبق من عام 1997/2003، أُدين بدعم وتشجيع الحرب الأهلية في سيراليون المجاورة لبلاده وراح ضحية الحرب الأهلية 120 ألف قتيل خلال أحد عشرعاماً من الحرب، وحكم عليه بالسجن 50 عاماً.

 وهذا ينطبق على عناصر داعش وداعميه، فبعد الانتهاء من تنظيم داعش الإرهابي عسكرياً ودحره على يد قوات سوريا الديمقراطية وبدعم من التحالف الدولي التي تقودها الولايات المتحدة وتحرير مدينة الرقة “عاصمة الخلافة الداعشية المزعومة”، وانتهاءً بتحرير آخر معاقل داعش في باغوز. أعلن مظلوم كوباني قائد قوات سوريا الديمقراطية في 23/3/2019 انهاء الخلافة المزعومة لتنظيم داعش الارهابي في سوريا. رغم قوة هذا التنظيم “فكرياً وعسكرياً ومالياً” إلا أن هذه القوة لم تأتِ من فراغ فلابد من وجود قوى خارجية تقدم الدعم اللوجستي والعسكري والمالي لهذا التنظيم الذي أُعتبر أقوى وأخطر تنظيم إرهابي في العالم. الكثير من دول الإقليمية والعالمية تتهم الدولة التركية والقطرية بتمويل ودعم تنظيم داعش الإرهابي الذي أودى بحياة آلاف المدنيين و آلاف الشهداء من العسكريين بالإضافة إلى الدمار الكبير الذي لحق بالكثير من مناطق سيطرة داعش الإرهابي وتدمير جيل كامل ونشر الفكر المتطرف في المنطقة وبالأخص في سوريا، وما نشرته المجلة الأمريكية ذي اتلانتيك الأمريكية26/3/2019 عن أن تنظيم داعش قد نقل الجزء الأكبر من أصوله التجارية إلى تركيا وكدس أموالاً طائلة وكميات كبيرة من الذهب في تركيا، التي وجهت لها اتهامات كثيرة بدعم تنظيم داعش الارهابي من خلال تسهيل مرور مقاتليه عبر أراضيها إلى سوريا، ودعم التنظيم مالياً عبر شراء النفط من مناطق شرق الفرات التي كانت تحت قبضته، فقد اعتادت الجماعة على جني ملايين الدولارات من خلال بيع النفط المهرب إلى مشترين أتراك, كما أن التنظيم قادر على توجيه هذه الأموال لدعم أعمال إرهابية داخل مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وفي الخارج باستخدام خدمات مثل شركات غير رسمية لتحويل الأموال. كما أن أنقرة غضت الطرف عن نشاط التنظيم الإرهابي على أراضيها. وبالعودة إلى تصريحات القيادي في داعش أبو منصور المغربي الذي كشف عن مدى تطور العلاقة بين التنظيم وتركيا، وحسبما أفادت “هوم لاند سيكيوريتي توداي” الأميركية، فقد أكد أبو منصور أنه كان يعمل سفيرا للمنظمة الإرهابية في تركيا حيث التقى بمسؤولين رفيعي المستوى في جميع الفروع الأمنية للحكومة التركية، حتى أنه كان على وشك لقاء الرئيس التركي أردوغان وذكر أيضا “في عام 2014، إن تركيا فتحت بعض بوابات العبور القانونية تحت أعين استخباراتها والتي استخدمها أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية للدخول والخروج من وإلى سوريا”. اما بالنسبة لدولة قطر فقد أكدت الدول الأربع (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) عن وجود ارتباط بين قطر وجماعات إرهابية متطرفة في سوريا، وقامت بجمع التبرعات المالية لشراء أسلحة للإرهابيين وتأمين رواتبهم، كما أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تصريح له في 9/ حزيران/ 2017 إنه قد حان الوقت لدعوة قطر من أجل وقف وإنهاء دعمها للإرهاب. وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس في واشنطن أنه يطلب من قطر والدول الأخرى في المنطقة بذل المزيد من الجهود لمكافحة الإرهاب، معتبرا أن “دولة قطر للأسف قامت تاريخياً بتمويل الإرهاب على أعلى المستويات”. وأضاف ترامب في المؤتمر الصحفي “لا يمكن لأي بلد متحضر أن يقبل بهذا العنف أو يسمح لهذا الفكر الخبيث أن ينتشر على شواطئه”.

فبعد أن خسرت الدولة التركية أهم أدواتها في المنطقة والمتمثلة بتنظيم داعش الإرهابي لكسر إرادة شعوب المنطقة واستمرار مخططاتها العدوانية تبحث الآن عن حجج و أساليب خبيثة أخرى لاحتلال المنطقة، فبعد طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فكرة المنطقة الأمنة، وفشل تنظيم داعش الإرهابي في السيطرة على شمال وشرق سوريا وإنهاء المشروع الديمقراطي في المنطقة، تحاول تركيا وضع يدها على المنطقة الأمنة وتنفيذ مخططها الاستعماري العنصري ما عجز عنه تنظيمه الإرهابي فيها، وتمنع من إقامة محكمة دولية في شمال وشرق سوريا “مناطق الإدارة الذاتية”، حيث تطالب الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بإقامة محكمة دولية على أراضيها لمحاكمة عناصر تنظيم داعش الإرهابي، وأن تتم محاكمة المحتجزين داخل  مناطق الادارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وذلك لاعتبارات أخلاقية وعملية فقد عانت سوريا وبالأخص في شمال وشرق سوريا من هجمات ذلك التنظيم الإرهابي، والذي انتهى عسكرياً وميدانياً على يد قوات سوريا الديمقراطية في 23/3/2018 بعد حرب دامت أكثر من خمس سنوات والتي ما تزال مستمرة ضد خلايا التنظيم في المنطقة والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين وأكثر من أحد عشر ألف شهيد من عناصر قوات سوريا الديمقراطية وأكثر من اثنين وعشرين ألف جريح. وبما أن تلك الجرائم ارتكبت في شمال وشرق سوريا ، والضحايا والشهود موجودون في تلك المنطقة، ومن السهل جمع الأدلة في مكان حدوث الجرائم، لذا من الضروري أن تقام المحكة في المنطقة في حال تم إنشاؤها.

أما بالنسبة لرفض الدولة التركية من إقامة محكمة دولية في شمال وشرق سوريا والتي تشكل تهديداً فعلياً لها فيأتي رفضها من أجل:

  • تقليص دور قوات سوريا ديمقراطية كقوة أساسية في محاربة الإرهاب بعد نجاحه في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي.
  • الوقوف في وجه شرعية الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا دولياً، حيث ستشكل المحكمة الدولية شرعية أممية للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
  • تخوف تركيا “أردوغان” من المحكمة الدولية في كشف دورها في تقديم الدعم اللوجستي والمالي والعسكري لتنظيم داعش في سوريا ودعمها للعمليات الارهابية للتنظيم في العالم وبالتالي محاسبتها. وبحسب صحيفة “حرييت” التركية، فقد عرض أردوغان على ترامب أن تتولى تركيا مسؤولية نقل 800 مسلح من تنظيم داعش لدى قوات سوريا الديمقراطية، إلى مناطق درع الفرات وغصن الزيتون “عفرين”، التي تسيطر عليها في شمال سوريا. حيث يهدف أردوغان من وراء ذلك إخفاء وطمس الأدلة التي تدينه في دعم تنظيم داعش الإرهابي، وإعادة تشكيلهم من جديد لتنفيذ أجندته الاستعمارية والعنصرية في المنطقة.

أما الولايات المتحدة ورغم تحالفها مع قوات سوريا ديمقراطية وكشريك مهم في محاربة الارهاب، تسعى إلى سحب أسرى تنظيم داعش لدى قوات سوريا الديمقراطية في سجون الإدارة الذاتية وإرسالهم إلى بلدانهم ومحاكمتهم، حيث هدد رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب دول الاتحاد الأوروبي في حديثه أمام الصحفيين 2/8/2019 بالأفراج عن عناصر داعش الأوروبيين المعتقلين لدا حليفها قوات سوريا الديمقراطية إن لم تقم تلك الدول بواجبها واسترجاعهم. ويأتي الموقف الأمريكي انطلاقاً من:

  • الضغوط التركية لمنع قيام محكمة دولية في شمال وشرق سوريا.
  • الخوف من قيام تركيا بعملية عسكرية على شرق الفرات وتمكن الجيش التركي بإطلاق سراح المعتقلين من تنظيم داعش في سجون الإدارة الذاتية الذين يتجاوز عددهم 10 آلاف إرهابي ومن ثم أعادة تشكيلهم من جديد والذي سيشكل تهديداً على تواجد قوات الأمريكية في المنطقة.

كما أن تخوف بعض الدول الغربية والاقليمية من نتائج المحكمة الدولية بعد الإنتهاء من محاكمة عناصر داعش وارتباطاتهم مع تلك الدول، وفرض تعويضات عليهم عن الدمار والقتل الذي مارسه التنظيم في المنطقة، على غرار القانون الأمريكي الذي يسمح لأهالي ضحايا احداث 11/أيلول برفع دعاوي تجاه الدول التي ينتمي إليها منفذو الهجوم والمطالبة بتعويضات من تلك الدول.

ومن خلال ذلك فإن هناك دولاً عظمى وأخرى إقليمية تقف في وجه إقامة محكمة دولية لمحاكمة عناصر تنظيم داعش الارهابي سواء في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أو حتى في العراق، لذا فإن إقامة محكمة دولية في المنطقة ستواجه عوائق كثيرة نظراً لتورط دول كثيرة في دعم وتمويل تنظيم داعش الإرهابي. إلا أنه وبالنظر إلى الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي بحق الكرد وبالأخص الكرد الإيزديين  والتي وصفت بأنها إبادة جماعية من قبل التنظيم في يوم 4 /آب/ 2014 وقتلوا عددا كبير من الإيزديين يصل لحوالي 5,000 شخص وقاموا بسبي العديد من النساء الإيزديات حيث تعرضت 1500 امرأة للاغتصاب الجماعي من قبل التنظيم وبيع أكثر من 1000 في أسواق عديدة كسبايا، وتشريد 400 ألف، ومجزرة كوباني راح ضحيتها مالا يقل عن 600 شخص سقط بين قتيل وجريح في مركز مدينة كوباني وقرى محيطة بها في 15/9/2014، وبحسب تقرير المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الانسان فإن ما أرتكبه تنظيم داعش يرقى إلى جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب.  أما بالنسبة للمكون العربي فقد إرتكب تنظيم داعش مجازر وحشية كان ضحيتها عشيرة الشعيطات في محافظة دير الزور، وهي إحدى أكبر العشائر السنية في البلاد وغيرها من العشائر العربية. حيث أصدر التنظيم عام 2015، حكماً بالقتل على كل من يتجاوز عمره 14 عاماً من أبناء العشيرة مع مصادرة أراضيهم وبيوتهم وسبي نسائهم. وغيرها من المجازر التي أرتكبها التنظيم بحق مكونات شمال وشرق سوريا أثناء اجتياحه للمنطقة ووقوف وحدات حماية الشعب في وجه هذا التنظيم وإلحاق أول هزيمة بالتنظيم في معركة تحرير كوباني 27/1/2015 حيث اعتبرت معركة كوباني نقطة التحول في الحرب ضد داعش.

وتندرج جرائم تنظيم داعش بحق مكونات شمال وشرق سوريا او في باشور كردستان ضمن جرائم الإبادة الجماعية بحسب ميثاق روما. والتي تتطلب إنشاء محكمة دولية لمحاكمة عناصر تنظيم داعش في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

                                                                                                                       

زر الذهاب إلى الأعلى