مستقبل العلاقات الروسية التركية في سوريا

مرّت العلاقات الروسية التركية اثناء الأزمة السورية بعدة مراحل بين شدٍّ وجذبٍ فقبل عام 2015لم تكن العلاقة بين الطرفين جيدة بل ازدادت حدة التوتر بينهما بعد قيام الجيش التركي بإسقاط الطائرة الروسية سو24 فردت روسيا بقطع علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع تركيا، وهذا ما أجبر أردوغان في 27/حزيران /2016 على تقديم الاعتذار لبوتين. وفي 15/تموز/2016 بعد فشل محاولة الانقلاب المزعومة في تركيا تغيرت البوصلة التركية باتجاه روسية بعد اتهام أردوغان الدول الغربية بتدبير الانقلاب، وتطورت العلاقة بين الطرفين سواء الاقتصادية أو العسكرية والتي أثمرت بتوقيع مشروع السيل التركي لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عن طريق الأراضي التركية وشراء تركيا منظومة اس400 الروسية التي عارضتها حلف الناتو والولايات المتحدة بشدة. فروسيا من خلال استراتيجيتها الواضحة في سوريا والقوة الرئيسية في الأزمة السورية جعلت النظام السوري يتحول من مرحلة التراجع والهزيمة إلى مرحلة التقدم والانتصار، فقد استطاع النظام وبدعم جوي وعسكري روسي في بسط سيطرته على 90% من الأراضي السورية بحسب الرواية الروسية فروسيا لا ترى في مناطق الإدارة الذاتية خطراً يهددها أو يهدد النظام كون الإدارة الذاتية لا تهدف للانفصال عن سوريا بل ترى أنها جزء من سوريا ضمن خصوصية معينة تضمن حقوق مكونات المنطقة، بعد ما قدمت قوات سوريا الديمقراطية من تضحيات كبيرة في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي ومنع مرتزقة الأتراك من التقدم في مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا. ولكن مقابل ذلك احتل أردوغان عفرين ومنطقة كري سبي وسري كانية وقام بإفراغ تلك المناطق من مكوناتها وإحداث تغييرات ديمغرافية فيها نتيجة استغلالها تضارب الأهداف الروسية الأمريكية في سوريا لصالحها. ومع اختلاف المصالح بين دول المشاركة في الأزمة السورية، ظهرت بوادر أزمة جديدة بين روسيا وتركيا في إدلب، فقد شنت قوات النظام وبغطاء جوي روسي عملية عسكرية واسعة على إدلب، تقدمت فيها قوات النظام على مساحات كبيرة تمكنت فيها من تحرير كامل محافظة حلب وعلى مواقع استراتيجية واقعة على طريق M5 كمعرة النعمان وسراقب ومحاصرة نقاط تركية دون أي تحرك تركي يذكر، إلا أن الصمت التركي في البداية مؤشر على وجود تفاهم روسي تركي محدود على ما يحدث في إدلب ورغبتها في توسيع مناطق احتلالها في شمال وشرق سوريا تحت مسمى المناطق الآمنة، إلا أن تقدم قوات النظام بشكل سريع في الريف الشرقي والجنوبي لإدلب وضعت تركيا في موقف حرج، ولتفادي خروج الوضع عن السيطرة قام أردوغان بإرسال أرتال عسكرية كبيرة إلى إدلب حيث وصل عدد القوات التركية في محافظة إدلب إلى أكثر من 8000 جندي وآلاف المدرعات والدبابات، فتمكن من استعادة بلدة النيرب ومن ثم مدينة سراقب ومع قيام تركيا باستقدام هذا العدد الضخم من قوتها العسكرية إلى إدلب وتأزيم الوضع فيها، محاولة إجبار حلف الناتو للتدخل واحتلال إدلب عسكرياً وضمها إلى تركيا في المستقبل على غرار لواء إسكندرون وإجبار قوات النظام بالتراجع إلى ما بعد النقاط المراقبة التركية. ولكن بسبب الأهمية الاستراتيجية لطريقي M5 و M4 لروسيا في تنشيط الحركة التجارية والتمدد اقتصادياً في الشرق الأوسط تمكنت من استعادة مدينة سراقب الاستراتيجية من جديد ونشر شرطتها العسكرية في المدينة لإيقاف تركيا ومرتزقتها من التقدم نحو مدينة سراقب وبهذا الشكل أصبحت سراقب خارج سيطرة التنظيمات الإرهابية وأوقفت التقدم التركي. وأمام ازدياد خسائر الجيش التركي في إدلب ورغبة روسية في منع الدول الغربية من استغلال الأزمة لصالحها وإحداث شرخ في العلاقات الروسية التركية ولمنع عقد اجتماع رباعي “ألماني فرنسي روسي تركي”, عقد بوتين اجتماعاً مع أردوغان في موسكو 5/3/2020 للوصول إلى صيغة جديدة من التفاهمات، حيث تم الاتفاق على وقف إطلاق النار وتأمين طريق M4  أي أن بوتين خرج منتصراً على أردوغان فلم تتراجع قوات النظام إلى ما بعد نقاط المراقبة التركية ولم يسمح بعقد الاجتماع الرباعي وبالمقابل لم ينجح أردوغان في جر حلف الناتو إلى إدلب ولم تنفع ورقة اللاجئين في الضغط على الاتحاد الأوروبي، مما يعني أن تركيا لم تعد قادرة على فرض شروطها أو الخروج من فلك روسيا، وعلى الرغم من استمرار خسائر تركيا في إدلب ما يزال أردوغان يستغل ورقة اللاجئين لتحقيق هدفه الرئيسي في احتلال الشمال السوري بحجة إقامة مناطق آمنة والقضاء على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بحجة أن تركيا لم تعد بمقدورها استيعاب اعداد كبيرة من المهاجرين نتيجة العمليات العسكرية في إدلب، لذا فإن المناطق الواقعة غرب مدينة قامشلو حتى مناطق درع الفرات واقعة ضمن دائرة الأطماع التركية، ومن ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية نحو شرق مدينة قامشلو حتى الحدود العراقية وبذلك تكون تركيا قد حققت جزءاً من حلمها “الميثاق المِلّي” في السيطرة على الشمال السوري. لذا فإن العلاقات الروسية التركية في سوريا قائمة على مصالح وأهداف ستنتهي عند نجاح الغرب والولايات المتحدة باستغلال الخلافات الروسية التركية وتعميق تلك الخلافات، فبعد الانسحاب الأمريكي من الشمال السوري بعد الاجتياح التركي لمناطق كري سبي وسري كانيه بدأ يظهر بوادر صراع تركي روسي في إدلب وقد يزداد عند نجاح أردوغان بالضغط على حلف الناتو والاتحاد الأوروبي في الحصول على الضوء الأخضر لإنشاء ما يسمى بمناطق آمنة جديدة في شمال وشرق سوريا، خاصة أن وزير الخارجية التركي صرح بأن اتفاق الهجرة مع الاتحاد الأوروبي في عام 2016 بحاجة إلى تعديل ويجب أن يؤخذ في الاعتبار التطورات في سوريا ومطالبة أردوغان بضرورة إظهار الحلفاء “تضامنهم مع تركيا دون تمييز ووضع شروط سياسية مسبقة”.

لذا فإن العلاقات الروسية التركية في سوريا ستبدأ بالانحسار بشكل تدريجي وقد تنتهي بحرب بين الجيش التركي وقوات النظام المدعومة روسياً، وقد تزداد في حال قدمت دول حلف الناتو الدعم العسكري لتركيا خاصة بعد إعلان الأمين العام لحلف “الناتو” ينس ستولتنبرغ، استعداد الحلف لتقديم الدعم العسـكري لتركيا في خضم توتر الأوضاع شمال غربي سوريا وفي حال تم سقوط قتلى من القوات الروسية أو إسقاط طائرات حربية روسية قد تتسع دائرة الحرب في سوريا.

زر الذهاب إلى الأعلى