وُجْهةُ نظَرٍ في اللّقاء المُرتقَب بين أردوغان والأسد

تترقّب المنطقة محاولات روسيا عقد لقاء بين أردوغان والأسد؛ فروسيا تسعى جاهدة لعقد هذا اللقاء من خلال عقد لقاء مبدئيّ بين الطرفين  على مستوى الخارجية والدفاع، ينتهي بها المطاف للقاء بين رئيس دولة الاحتلال التركي ورئيس النظام السوري بشار الأسد. فهل ستنجح روسيا في مسعاها؟ وما تأثيرات هذا اللقاء على الأزمة السورية بشكل عام وعلى مناطق الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا على وجه الخصوص؛ في فترة تشهد المنطقة والعالم تغييرات وأحداث “الحرب الأوكرانية، وحرب غزة وتأثيراتها على لبنان وسوريا – وقد تم الحديث عنها في تحليل سابق -، والخطر الحوثي في البحر الأحمر، إلى جانب الصراع غير المباشر بين القوى العظمى على النظام العالمي”.

لا يخفى على أحد أنّ روسيا هي التي بدأت عمليتها الخاصة ضدّ أوكرانيا – هي شنّت حرباً ولم تشنّ عملية خاصة كما تدّعي – إلّا أنّها لا تمتلك القدرة على إنهائها إلّا في حالة واحدة؛ وهي الرضوخ للمطالب الغربية والانسحاب من الأراضي الأوكرانية التي احتلّتها، وهو أمر مُستبعَد في المنظور القريب وحتى المتوسط، لذا؛ قد تتحوّل أوكرانيا إلى مستنقَع لاستنزاف القدرات العسكرية والاقتصادية لروسيا، وبالتالي؛ تقديم تنازلات للدول الصديقة لها “الصين والهند وغيرها”، وهو ما لا يخدم الأهداف الروسية ومكانتها العالمية، خاصة مع حدوث تغيّرات جوهرية في هذه الحرب مع قيام الجيش الأوكراني باحتلال أراضي روسيا ورغبة الغرب بتسليم الجيش الأوكراني أسلحة نوعية؛ وهو ما يعني زيادة الضغوط على روسيا. كما أنّ الأخيرة لم تنهِ الأزمة السورية على الرغم من إعادة مساحات كبيرة من الأراضي السورية المحتلّة إلى النظام من يد الجماعات الإرهابية المدعومة من دولة الاحتلال التركي. لذا؛ تسعى روسيا إلى كسب الطرف التركي إلى جانبها – حتى وإن كان على حساب وحدة الأراضي السورية – وذلك لمنع تركيا من العودة إلى الحاضنة الغربية وتنفيذ السياسة الغربية تجاهها، من هنا تحاول روسيا جاهدة عقد هذا اللقاء لضمان بقاء تركيا في فلكها.

دولة الاحتلال التركي:

لتركيا مطامع في سوريا والمنطقة “الميثاق الملّي” وتعمل على تثبيت وجودها في الشمال السوري المُحتلّ؛ من خلال عمليات التغيير الديمغرافي التي تجريها في المناطق المحتلّة لضمان بقاء تلك المناطق تحت سيطرتها. فبعد فشلها في إسقاط النظام، وبعد انتصارات قوات سوريا الديمقراطية على تنظيمها الإرهابي داعش، بدأت تركيا – بحجّة محاربة الإرهاب – باحتلال الشمال السوري وجعله بؤرة للمرتزقة والجماعات الإرهابية لدعم مخطّطاتها الخارجية، إلّا أنّ دعم التحالف الدولي لقوات سوريا الديمقراطية والشراكة بين الطرفَين في محاربة الإرهاب، والانفتاح الدولي على الإدارة الذاتية، وفشلها (تركيا) في إنهاء هذه الشراكة، وعدم منحها الضوء الأخضر لشنّ اجتياح بربري ضدّ مناطق الإدارة الذاتية؛ كل ذلك دفعها لإعادة التطبيع مع النظام السوري، وذلك – حسب ادّعائها – مقابل:

  • تطهير سوريا من العناصر الإرهابية حفاظاً على سلامة أراضيها ووحدتها.
  • تحقيق مصالحة وطنية حقيقية شاملة.
  • إنجاز العملية السياسية ودستور جديد في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 على أساس المطالب والتوقّعات المشروعة للشعب السوري.
  • تهيئة الظروف اللازمة لعودة آمنة وكريمة للاجئين، مع ضمان استمرار وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين دون انقطاع.

فالعناصر الإرهابية من وجهة نظرها هي “قوات سوريا الديمقراطية” التي هي في الأساس القوة الرئيسة ضمن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب وفي الحفاظ على وحدة الأراضي السورية. أمّا المصالحة الوطنية التي ترغب بها تركيا فهي بين مرتزقتها والنظام فقط، أمّا بالنسبة للعملية السياسية والدستور الجديد فالهدف هو الحفاظ على مرتزقتها السياسيين “الائتلاف السوري المعارض” في الحكومة السورية المستقبلية والحفاظ على النظام المركزي لدمشق لمواجهة مشروع “الأمة الديمقراطية” في سوريا، وأخيراً بالنسبة لعودة اللاجئين فالهدف هو التخلّص منهم؛ كونهم ورقة ضغط بيد المعارضة التركية ولأنّهم باتوا يشكّلون عبئاً عليها. لذا؛ فقد يعتبر أردوغان هذه الخطوة كخطوة أخيرة لإنهاء الإدارة الذاتية ووأد مشروعها “مشروع الأمة الديمقراطية” قبل حدوث اعتراف دولي بالإدارة الذاتية.

وبالتالي؛ فإنّ هدف أردوغان من هذا اللقاء هو إضفاء الشرعية على وجوده العسكري في المناطق المحتلة، ووضع يده مع النظام السوري لمحاربة الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا، وتنشيط حركة التجارة بين تركيا ودول الخليج عبر سوريا، إلى جانب استغلال الوضع الاقتصادي المتدهور في سوريا وجعلها سوقًا لتصريف المنتجات التركية؛ ما سينعكس إيجاباً على الوضع الاقتصادي لتركيا.

النظام السوري:

النظام السوري بات أحوج إلى التطبيع مع دولة الاحتلال التركي؛ بسبب التدهور الاقتصادي وانهيار عملته خاصة مع وجود ضغوط روسية عليه، ووجود رغبة من الدول العربية للتطبيع معها مقابل إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا. قد لا يرى النظام السوري في الإدارة الذاتية قوة تهدّد وجوده، مع وجود بعض التحفّظات على مطالب الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية للجلوس إلى طاولة المفاوضات، إلّا أنّه وفي سبيل عودة العلاقة مع دولة الاحتلال التركي والحفاظ على نظامه السياسي قد تتغيّر رؤية النظام تجاه الإدارة الذاتية؛ خاصة أنّ العلاقات الاستخباراتية بين الطرفين لم تنقطع، ولهما (دولة الاحتلال التركي والنظام السوري) اليد الطولى فيما يجري في ريف دير الزور من اشتباكات عسكرية وخلق فتنة في المنطقة.

كما أنّ هناك تغيّرًا في تصريحات النظام تجاه عقد لقاء مع رئيس دولة الاحتلال التركي بعد إعلان الأسد أمام مجلس الشعب السوري أنّ دمشق لم تضع انسحاب القوات التركية شرطاً للمحادثات، وأنّ المفاوضات التي جرت من قبل لم تحقّق أية نتائج، وتأكيد الأسد استعداده للاستمرار في المفاوضات، شريطة الالتزام بالمتطلّبات السورية، وفي مقدّمتها الحفاظ على سيادة البلاد، ومكافحة الإرهاب، والنظر في عودة اللاجئين؛ وهو ما يعني أنّ النظام السوري يرغب في التطبيع مع دولة الاحتلال التركي، لإنهاء ما تسمّى بالمعارضة السورية السياسية والعسكرية، وعودته إلى الشمال السوري. وبذلك يكون النظام قد أنهى أكبر عائق أمامه في الأزمة السورية؛ هذا في حال نفّذت تركيا مطالب النظام السوري، ولم تقم – كعادتها – باستغلال الفرص للحصول على مكاسب ومن ثم التنصّل من العهود والمواثيق.

لكن ما يخشاه النظام السوري هو أنّ عقد لقاء مع أدروغان يأتي بمثابة “إضفاء شرعية” على الوجود العسكري التركي في الشمال السوري، أي؛ أنّه مجرّد الجلوس على طاولة المفاوضات فإنّ ذلك يعني أنّه يجب على كل طرف الاعتراف بمجموعة من مطالب الطرف الآخر، وهذا الاعتراف من شأنه أن يضفي الشرعية على الطرف الآخر، وهو أمر في غاية الحساسية بالنسبة للنظام السوري؛ فهو في أضعف حالاته، ولا يمكنه مواجهة تركيا عسكرياً، وهو على يقين بأنّ روسيا لن تخاطر في فتح جبهة عسكرية مع تركيا، لذا؛ فإنّ النظام السوري يخشى من تنصّل تركيا من المعاهدات والمواثيق التي قد يتم التوقيع عليها خلال هذا اللقاء بعد وصول دولة الاحتلال التركي إلى غاياتها المرجوّة. وبالتالي؛ فإنّ النظام السوري بحاجة إلى ضمانات روسية، في المقام الأول، للملفات التي يمكن للنظام التركي تسليمها له ونقاط الخلاف التي يمكن حلّها أثناء عقد اللقاء؛ فاللقاء الأول بين وزراء الخارجية سيكون خارطة طريق إمّا لعقد اللقاء المرتقَب أو إلغائه.

عقد اللقاء أو فشله وما قد يترتّب عليه:

إنّ عَقْد هكذا لقاء أو حصره بين طرفَين فقط من الأزمة السورية التي تشترك فيها أطراف عديدة ذات أهداف ومطامع في سوريا، لن تقبل به الأطراف الأخرى، ولن تقبل أن يكون هذا اللقاء على حساب استراتيجيتها ومكاسبها من الأزمة السورية؛ فروسيا هي مجرّد طرف في الأزمة السورية وإن كان لها ثقلها السياسي والعسكري، إلّا أنّ الولايات المتحدة وإيران أيضًا لهما ثقل سياسي وعسكري، فإيران لن تقبل أن يكون هذا اللقاء وما قد ينتج عنه من اتفاقيات ضدّ مشروعها في سوريا، ومشروعها مناقض للمشروع العثماني، لذا؛ فإنّ أي تقويض لمشروعها هو انتصار للمشروع العثماني، والعكس صحيح، خاصة أنّ تركيا تشترك مع سوريا بحدود طويلة، والبعد الجغرافي سيكون لصالح المشروع العثماني على حساب المشروع الإيراني، لذا؛ قد يصعب حدوث تفاهمات بين إيران وتركيا.

      أمّا بالنسبة للولايات المتحدة – وإن كانت ظاهريًا في حالة سكون ولا تبدي أي ردّ تجاه اللقاء المُرتقَب – إلّا أنّها تبدو واثقة من أنّ إجراء هذا اللقاء أو عدمه لن يؤثّر على استراتيجيتها في المنطقة؛ فالولايات المتحدة لديها من القوة ما يكفيها لوضع حدّ لأي طرف يفكّر في التأثير على وجودها العسكري في شرقي الفرات وعلى سياستها في مكافحة الإرهاب، فهناك خطوط حمراء لا يمكن لأي طرف تجاوزها ” كقيام تركيا باجتياح عسكري دون موافقتها، أو قيام روسيا والنظام بالتقدّم تجاه مناطق النفوذ الأمريكي (إن جاز التعبير)، أمّا بالنسبة لقيام الميليشيات الإيرانية باستهداف القواعد الأمريكية فذلك مرتبط بحسابات أخرى”. إلّا أنّ ما تخشاه الولايات المتحدة هو الهدف الروسي في جعل تركيا تدور في فلكها بخصوص حربها في أوكرانيا؛ وهو ما قد يؤثّر على العلاقة الأمريكية – التركية ويزيد الفجوة بين الطرفَين.

أمّا في حال حدوث اللقاء بين الطرفَين والاتفاق على ملفات معينة، فإنّ الشمال السوري المحتلّ بجماعاته المسلّحة والإرهابية وكذلك شعوب تلك المناطق ستكون في دائرة الخطر؛ فالتطبيع قد يعني تسليم ملفات تلك الجماعات للنظام السوري تحت بند “المصالحة”، وقد تقوم دولة الاحتلال التركي بوضع يدها على استثمارات تلك الجماعات في تركيا، وكذلك يعني عودة النظام – وبالتنسيق مع روسيا وتركيا- إلى الشمال السوري مقابل حفاظ تركيا على قواعدها العسكرية في الشمال السوري وإجراء تعديلات على اتفاقية أضنة بما يخدم الأجندة العثمانية في الشمال السوري، وهو ما يشبه وجودها العسكري في باشور كردستان؛ أمّا الضرر الأكبر فسيقع على الجماعات الرافضة للتطبيع التركي مع النظام، وعلى شعوب المنطقة التي عانت من ممارسات النظام سابقاً وستعاني مرة أخرى من عودة النظام إلى مناطقها. أمّا فيما يتعلّق بمناطق الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا فلا يمكن لتركيا تنفيذ تهديداتها باجتياح بربري للمنطقة، حتى وإن حصلت على ضوء أخضر روسي ودعم من النظام، إلّا أنّ الخطر الكبير يكمن في التنسيق الكبير، استخباراتياً، بين هذه الأطراف لاستهداف قادة قوات سوريا الديمقراطية، وخلق الفتن وبشكل أكبر من خلال دعم ما يسمّى بـ”جيش العشائر”، وفرض حصار اقتصادي على المنطقة.

   في هذا السياق؛ هناك أطراف عدة في الأزمة السورية ولها استراتيجيتها وأطماعها في المنطقة، وتختلف عن بعضها بعضًا، ولا يمكن توحيد الرؤى بين هذه الأطراف لحل الأزمة السورية، وخاصة روسيا والولايات المتحدة، إلّا في حال إخراج القوى الإقليمية من المعادلة السورية، وحدوث اللقاء بين أردوغان وبشار الأسد لن يؤثّر على مناطق الإدارة الذاتية بالمستوى الذي يتصوّره الجميع، بل الفاتورة الكبيرة سيدفعها الشمال السوري المحتل؛ فالإدارة الذاتية وقواتها العسكرية قادرة على الوقوف في وجه المخطّطات الرامية لإنهائها ووأد مشروعها الديمقراطي، كما أنّ الدعم الأمريكي قد يلعب دوره في وضع حدّ لكلّ مَن تسوّل له نفسه المساس بتواجدها العسكري في المنطقة، وهذا التواجد مرتبط بقوات سوريا الديمقراطية وشراكتها معها في محاربة الإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى