مصير المنطقة بين الازدهار أو الانهيار

إن المتتبع للأحداث الأخيرة في الأزمة السورية، وما يحدث في شمال وشرق سوريا يتبادر إلى ذهنه التساؤلات التالية:
• لماذا تقف بعض الأطراف العربية ضد المشروع الديمقراطي في شمال وشرق سوريا؟
• لماذا لا تقدم بعض الدول والأطراف العربية الدعم الكافي للكرد والعرب والسريان في مقاومتهم ضد العدوان التركي على شمال سوريا، مع العلم أن الأتراك العثمانيين الجدد هم أعداء العرب في المنطقة وأصبحت أغلب الدول العربية محاصرة بين فكي الإمبراطورية الفارسية والسلطنة العثمانية؟
• ما هو الحل الأمثل لردع المشروع التركي في الشرق الأوسط؟
تدخلت دول الخليج وقطر وغيرها من الدول في الأزمة السورية وقدمت الدعم المادي والعسكري لفصائل المعارضة أملاً منها بإسقاط النظام السوري، والنتيجة كانت بقاء النظام وتحول أغلب تلك الفصائل إلى مرتزقة بيد الأتراك وتوجيه تلك المرتزقة لتنفيذ الأجندة التركية في المنطقة والنتيجة كانت مقتل المئات والآلاف منهم مقابل مقتل بضعة عشرات من الجنود الأتراك سواء في عفرين أو سري كانيه أو كري سبي وغيرها من المناطق.
أدركت هذه الدول جيداً أن المعارضة الوطنية الحقيقية هي التي تحافظ على أمن منطقة شمال وشرق سوريا ضد التهديدات الإرهابية والمحافظة على وحدة الأراضي السورية، على عكس التنظيمات الأخرى التي أصبحت امتداداً لداعش الإرهابية وأداةً بيد تركيا لاحتلال سوريا وتقسيمها بهدف تحقيق الميثاق المِلّي. وأصبحت خاضعة لمنظومة الإخوان المسلمين (دولة قطر وحزب العدالة التنمية) المعادية للسعودية والإمارات ومصر والكثير من الدول العربية الأخرى. هذا ما دفع هذه الدول إلى عقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية في القاهرة للتنديد بالهجوم التركي على شمال سوريا العضوة في جامعة الدول العربية، كان هذا الاجتماع مهماً وعبرت من خلاله جميع الدول العربية (باستثناء قطر والصومال) عن شجبها لهذا العدوان السافر واعتباره احتلالاً للشمال السوري ومحاولةً لإجراء تغيير ديمغرافي للمنطقة.
قطر بهذا الموقف أثبتت أكثر بأنها باتت تغرد خارج السرب العربي وأصبحت أداةً لنشر الفكر الإخواني لزعزعة استقرار المنطقة ولتنفيذ أجندتها. لكن تنظيم الإخوان المسلمين بات بيد حزب العدالة والتنمية الذي يستخدمه لجذب المتشددين من أرجاء العالم لاحتلال المنطقة وزعزعتها ومن ثم تتريكها، وليس “لتطبيق مبادئ الإسلام” وفق عقيدة الإخوان المسلمين كما تدعي. وبهذا أصبحت قطر دولة عميلة وممولة لتركيا وتعمل لخدمة القومية التركية فقط وكل ذلك كان على حساب القومية العربية ودماء المكون العربي والكردي والسرياني في شمال وشرق سوريا. وكذلك الأمر بالنسبة لحكومة الوفاق الليبية التي تتلقى دعمها من أردوغان وحزبه لتقسيم ليبيا وإنشاء كيان إخواني تحت إشراف تركيا العثمانية في شمال إفريقيا ونشر الفكر الإخواني في تلك المنطقة ونهب ثرواتها الطبيعية بعد فشلها في مصر. أما مصر والتي ذاقت الأمرين من إرهاب تنظيم الإخوان المدعوم من تركيا، تلعب دوراً إيجابياً في الأزمة السورية ولكن موقفها وموقف الجامعة العربية لم يتعدى الضغط السياسي، إلا أن تركيا لن توقف هجماتها وسياستها الاحتلالية في المنطقة بهكذا مواقف إلا عن طريق القيام بقطع الدول العربية الكبيرة لعلاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية معها، بالإضافة إلى تقديم الدعم العسكري لقوات سوريا الديمقراطية والإنساني لشعوب شمال وشرق سوريا باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من سوريا وباعتبار الشمال السوري هو خط الدفاع الأول أمام التمدد العثماني الجديد الذي يهدد الأمن القومي العربي برمته. والهدنة التي توسطت أمريكا لتحقيقها بين تركيا وقسد هي الفرصة الأنسب لتحرك عربي جدي باتجاه انقاذ المنطقة والتوسط بين مسد والنظام السوري من أجل إنجاح مذكرة التفاهم بينهما والتي قد تؤدي إلى تشكيل جبهة قوية ضد مطامع تركيا ومرتزقتها، كما ويعتبر واجب على الدول العربية حماية حدود سورية ضد هذا الخطر المحدق بها وذلك بإرسال قوة عربية لحفظ السلام وهذا ما يساعد في حل القضية الكردية في سوريا بشكل سلمي ووضع دستور جديد لسوريا ديمقراطية وإبعاد مرتزقة تركيا (الائتلاف السوري) عن لعب أي دور في سوريا الجديدة وهذا يفتح المجال أمام استقرار المنطقة ككل وعودة سوريا إلى الحاضنة العربية وملء مقعدها في الجامعة العربية كما عبرت جميع الدول العربية عن رغبتهم بذلك.
كما أن الدول العربية تستطيع الضغط على الولايات المتحدة أكثر للقيام بالتزاماتها تجاه القوة التي أنقذت العالم من الإرهاب والحفاظ على وحدة سوريا وهذا بدوره يضمن قيام أمريكا بالتزاماتها أمام الدول الخليجية في مواجهة التمدد الإيراني أيضاً، وتستطيع الولايات المتحدة الأمريكية إعادة اعتبارها في الشرق الأوسط والمحافظة على حلفاءها في المنطقة.
الاتحاد الأوروبي أيضاً في مواجهة اختبار حاسم للمحافظة على مصالحها وموقفه أمام التهديدات التركية وتحركاتها شرق المتوسط وشمال قبرص وابتزاز الدول الأوروبية باستخدام ورقة المهجرين ضدها. فإذا ما تحركت الدول الأوروبية بالجدية المطلوبة سيتم وضع حد للدولة التي تثير الفوضى وتحاول الوصول إلى المنطقة وإحياء داعش وتهديد أوروبا بالإرهاب من جديد، والعمل بجدية لمنع تركيا من تجاوز حدودها باتجاه أوروبا ونشر الإسلام المتطرف فيها أيضاً وقد يكون الخيار الأمثل لها هو إرسال قوات أوروبية لحفظ السلام إضافة إلى القوى العربية التي تتحمل مسؤولية الحفاظ على حدود سوريا الشمالية.
أمام كل هذه الحقائق والتهديدات والأخطار والابتزازات التي تتعرض لها المنطقة والقادم أعظم، نستطيع القول بأن هذه المنطقة برمتها تمر بمرحلة مصيرية وتعيش في خطر داهم ولا يمكن الحفاظ عليها إلا من خلال تكاتف الجهود الدولية وخاصة الدول العربية والاتحاد الأوروبي المهددة من قبل تركيا بالإضافة إلى ضرورة قيام أمريكا بواجبها الأخلاقي فهي التي تملك مفاتيح الحل السياسي والتي على الأقل تستطيع لجم تركيا ومنع طائراتها من قصف المدنيين ومن ناحية أخرى التنسيق مع النظام لإرسال قواته إلى المناطق الحدودية مع تركيا، لمنعها من اجتياح المنطقة والمحافظة على وحدة سوريا وانتهاء هذه الأزمة بشكل نهائي والتي ستكون بداية انتهاء بقية أزمات الشرق الأوسط. أي أن الحقيقة المرة تكمن في أن هذه المرحلة قد تحدد مصير المنطقة لمئة سنة مقبلة، إما الازدهار أو الدمار.

 

زر الذهاب إلى الأعلى