تشتت المعارضة في سوريا ومرحلة إعادة الفرز

وليد الشيخ

منذ بداية الأزمة السورية 2011 كانت المعارضة السورية تفتقد إلى التنظيم وغير مستعدة لحمل مهام المرحلة ، بل ذهبت لأبعد من ذلك حيث شهدت سوريا تدفق آلاف المرتزقة والمتشددين مذهبيا ودينيا، بالتالي تشكلت ميليشيات وفصائل بمسميات تعبر عن الأيديولوجية الذهنية لتكوينها، ولا يمكن نكران أن معظم هذه التشكيلات ذات ارتباطات خارجية وتبعية تامة، ومن هذا المنطق دخلت الأزمة السورية في بوتقة الصراعات الإقليمية والدولية وصراع المصالح بين الدول التي كانت تبحث عن شأن لها على المستوى الدولي، في البداية كانت السعودية وقطر إلى جانب تركيا وإيران إلا أن الاستمرارية في تعقد الأزمة بقيت تركيا وإيران فضلاً عن تواجد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بحكم صراعهما الأزلي على قيادة العالم.

بالعودة إلى تطورات موقف المعارضة السورية وانطلاق الأزمة السورية التي ما لبثت أن تحولت إلى مسلحة، ومن ثم تغلغلت فيها فصائل وتنظيمات ذات ارتباطات إرهابية كما استغلت أجهزة الاستخبارات المتربصة بالمنطقة لتزيد من دس السم في الثورة السورية وبالتالي فقدت ما يسمى بالثورة السورية جوهرها وخرجت من إطار المطالبة بالحقوق التي لم تمنح من قبل الازمة إلى المطالبة بإعادة الحقوق التي تم سلبها خلال الأزمة.

تركيا وإيران أكثر دولتين عبثتا بنسيج المجتمع السوري المتآلف وجميع الأساليب المتبعة تشير لهدف واضح ينضح تاريخ الدولتين به ألا وهي سياسة التغيير الديمغرافي وحجج الأمن القومي على حساب الإبادة الجماعية سواء أكان سكناً أو ثقافة أو هوية ومحو الوجود الجغرافي في الأماكن المستهدفة، إلا أن إيران تعمل في هذا الشأن بالاعتماد على القوة الناعمة ومن ثم استغلال الحاجة المادية، عكس الدولة التركية التي سلكت شكلا أكثر عنفا وذلك باحتلال الأرض وارتكاب جميع أشكال الانتهاكات بحق الأرض والبشر والشجر وسط صمت دولي.

تم حل التشكيل المسلح للمعارضة عام 2015 الذي كان يسمى الجيش الحر وأطلق على التشكيل الجديد الجيش الوطني ولكن التشكيلات الجديدة وكأنها وقعت على نظام داخلي جديد وهو الولاء التام لتركيا والعمل بالفعل كمرتزقة تحت الطلب لدى الاستخبارات التركية حيث شارك العديد من عناصر هذه الفصائل في حروب خارج الحدود السورية بعيدة كل البعد عن الأزمة السورية، فمنهم من ذهب الى أفغانستان وأذربيجان وليبيا عدا هذا في مناطق سيطرة هذه الفصائل تم تصفية العديد من الشخصيات الخطيرة الموضوعة على لوائح الإرهاب وتغلل عناصر” داعش” الهاربين داخل هذه الفصائل وبعلم الاستخبارات التركية، هذا التميع الممنهج للثورة السورية وعلى حساب الشعب السوري، بينما كانت تركيا في كل مرة تثبت أنها ليست وفية للقضية أنما هي فاعلة في هذه الحرب لإشباع رغبتها بالإبادة لتضرب الشعب السوري فيما بينهم والنتيجة الآن مهجرو حمص ودمشق وريفها وحماة ودرعا يقطنون منازل مهجري عفرين سرى كانييه/راس العين وتل أبيض/كريسبي، وقد بات واضحا للعيان أن تركيا همها الوحيد إجهاض أي تجمع كردي سياسي أو عسكري وذلك بسحق الهوية والثقافة الكردية وهذا ما يفسر وقوف هيئة تحرير  الشام(جبهة النصرة) حين إتمام السيطرة على عفرين لمحو ما تبقى من المعالم الكردية في المنطقة، وعلى مرأى العالم.

السؤال المطروح الآن ما هو مصير فصائل المرتزقة في ظل نية تركيا التطبيع مع حكومة دمشق؟  وما هو موقف الولايات المتحدة الأمريكية من هذا التطبيع إن حصل؟ ثم هل هناك بالفعل توجه دولي لإنهاء الأزمة السورية؟

في البحث والتحليل عن مصير المرتزقة من الفصائل يتوجب العودة إلى الطريقة التي كانت تتعامل بها تركيا معهم وربط مصيرهم بقرارات حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، حيث عملت تركيا على تغيير شكل الدعم المقدم من الخارج والخليج للمعارضة المسلحة حيث حولت الدعم الخليجي الى بناء المستوطنات وإضفاء شكل المساعدة الإنسانية على الجرائم المرتكبة ديمغرافياً لتشارك أموال كويتية وقطرية وإماراتية وسعودية في بناء عدة مستوطنات حيث يتم التصرف بهذه الأموال من قبل الاستخبارات التركية، وقامت أيضا بِحبك الخطط والالتفاف على نتائج المؤتمرات التي اجتمعت تحت مسمى أصدقاء سوريا وبالعمل من خلال مختلف الأشكال على رأسها منظمات تعمل شكلياً للمجتمع المدني وسرا بتوجيه استخباراتي والحصول بالتالي على مئات الملايين من الدولارات بحجة أعباء اللاجئين إلا أنها تذهب جميعها في سبيل طمس الهوية الكردية في المنطقة ووضع أساسات كيان سني طائفي بحت تاركين تلك المناطق التي هجر منها السوريون في الداخل السوري لتتحول بدورها إلى كيان شيعي يدعم المشروع الإيراني في بناء الهلال الشيعي.

الآن وبعد عجز تركيا بأخذ الموافقة لتكرار عملياتها العسكرية واحتلال أجزاء أخرى من الشمال السوري، توجهت الى إيقاف أي شكل من أشكال الحل السوري والذي قد يحدث نتيجة حوار سوري- سوري، خاصة بعد لقاءات عدة بين الإدارة الذاتية وحكومة دمشق، ووضع خطوط عريضة لحل الازمة وبشكل مفاجئ الخارجية التركية تعلن نيتها التقارب مع النظام في دمشق وانهاء الخلاف لتتفاجأ هي الأخرى بالسخط الشعبي والغضب في كل شوارع المدن التي هي تحت السيطرة التركية حيث تم حرق الأعلام التركية في مشهد سبب الإحراج لحزب العدالة والتنمية والتي أوضحت ان الأهداف التركية أصبحت واضحة للشعب السوري ولإنهاء هذا الشكل من العصيان والرفض لما قررته المصلحة التركية في إتمام مشروع إجهاض الإدارة الذاتية كان لابد من إيجاد ما يهدد وجود الفصائل المرتزقة وهنا تم الاستعانة بهيئة تحرير الشام(جبهة النصرة) الموضوعة على لوائح الإرهاب الدولية، والتي أيضا تعمل بتوجيه تركي، فما كان من تركيا إلا البحث عن إعادة تشكيلات صفوف المرتزقة بحيث يتم ابعاد الفصائل والقادة غير المتقبلين لفكرة التقارب مع النظام السوري وبالطبع الذين قبلوا كانوا قد وقعوا في قبضة هيئة تحرير الشام، وبالتالي على ما يبدو أن الاستخبارات التركية تعمل الآن على تصفية وغربلة عناصر الفصائل لتصبح ملائمة أكثر للمرحلة الجديدة، التي تراها بأنها السبيل لترتيب صفوف الداخل التركي في مواجهة الأحزاب المنافسة في الانتخابات التركية حزيران 2023.

 يبدو أن تركيا ماضية في خطواتها في تجميع الفصائل وإعادة ترتيب أهدافها لتتلاءم مع المصالح التركية وبالتالي شكل الشمال السوري بات يُرسم وفق نظم جديدة كما السابق وفق تطورات المرحلة والآن تركيا في صراع داخلي قد ينفجر.

في الجنوب السوري تدخل المصالح الإسرائيلية على الخط ومن خلال ما يحدث بين الحين والآخر من أشكال الرفض للوضع الراهن للأزمة السورية، الملفت للانتباه خطوة الولايات المتحدة الأمريكية في دفع الفصيل المتواجدة في قاعدة التنف لتغيير اسمها من مغاوير الثورة الى اسم جديد “جيش سوريا الحرة” وهذا ما يوضح دخول الولايات المتحدة في مرحلة جديدة ضمن استراتيجية جديدة لإعادة فرز المعارضة، وقد تدخل دول عربية خلال الفترة القادمة في ترتيبات الجنوب السوري والتي قد تكون لمواجهة التمدد الإيراني بالدرجة الأولى ثم حماية إسرائيل من تواجد الميليشيات الشيعية في الجنوب.

الموقف الأمريكي يكتنفه الضبابية وفق السياسة الأمريكية غير الواضحة حيال الأزمة السورية وخاصة في مواجهة الاستراتيجية التركية الذاهبة بكل الأصعدة للتغير الديمغرافي والمتاجرة بقضية اللاجئين السوريين.

باتت الأزمة السورية تثقل كاهل جميع الأطراف الدولية الفاعلة فيها وخاصة بدخول كل منها في أزمة أخرى، وبذلك أصبحت ضرورة ملحة بإنهائها بأقل الخسائر، أما روسيا الاتحادية فهي تخوض حرباً شرسة مع الغرب في أوكرانيا، وإيران تتصاعد فيها الاحتجاجات وتتطور، وتركيا بات الداخل فيها يغلي نتيجة سياسة حزب العدالة والتنمية في إدارة الدولة التركية، وبالتالي فالأيام القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت.

 

زر الذهاب إلى الأعلى