نتائج استبيان عن محاولات استبعاد قسد عن جهود محاربة تنظيم داعش
كما هو معلوم، يمتاز تنظيم داعش منذ تأسيسه بمرونة كبيرة في تسلق الأزمات للوصول إلى أهدافه التي تؤدي في نهاية المطاف إلى تفاقم تلك الأزمات أو بروز أزمات جديدة. وفي خضم التطورات التي تشهدها البيئة الأمنية في سوريا والعراق عقب سقوط النظام البعثي وتداعيات الحروب الإقليمية الحالية عليهما، يعمل التنظيم على إعادة تنظيم فلوله واستغلال كلاً من: الثغرات الأمنية وتصاعد التوتر الطائفي في المنطقة وتهميش العدالة الانتقالية في سوريا، في تدعيم عمليات التجنيد والتمويل وتنفيذ الهجمات. وتشير معظم المعطيات الميدانية إلى أن عجز سلطة دمشق في بناء منظومة أمنية موثوقة على المستوى الوطني يشكل فرصة للتنظيم لتجاوز مشكلاته وريادة نشاطاته التعبوية ودعايته العقائدية والعمل على إعادة هيمنته في بعض المناطق التي تحررت من قبضته. وما يعزز هذه الفرصة محاولات تركيا والعراق والأردن وسلطة دمشق بناء تحالف أمني لمواجهة التنظيم في سوريا والعراق وتهميش دور قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية في الحرب على التنظيم، والسيطرة على ملف إدارة مراكز الاحتجاز والمخيمات التي تأوي عناصر التنظيم. هذه الخطوة أثارت شكوكاً في الأهداف الكامنة ورائها، واعتبرت دراسة أمنية نشرها ” The Washington Institute for Near East Policy” ([1]) إنَّ “تركيا ليست على مستوى المهمة بشكل كامل” على الرغم من اطلاقها منصة إقليمية لمكافحة داعش مع الأردن والدول المجاورة لها وأكدت أن دور هذه المنصة في القتال الفعلي للجماعة لا يزال غير واضح. ويشدد الخبراء الغربيون على أن قوات سوريا الديمقراطية أثبتت أنها الشريك الأكثر موثوقية ضد داعش في سوريا.
تثبت المعطيات الميدانية الخاصة بنشاطات التنظيم وعمليات مواجهته على الأرض، على أن التنظيم يستفيد من السياسة غير الودية التي تنتهجها كل من أنظمة الحكم في تركيا والعراق ودمشق تجاه قسد، ويُلاحظ أن العراق والأردن يتجنبان بناء علاقات رسمية مع قسد والإدارة الذاتية استجابة للضغوط الإيرانية والتركية والقومويين العرب. ويبدو أن قيادة التحالف الدولي تعمل على جسر هذه الهوة من خلال “غرفة عمليات العزم الصلب”، الأمر الذي يعني أنه من غير المجدي استبعاد قسد من أي توافقات إقليمية في محاربة التنظيم. وبغرض الاطلاع على رأي المهتمين بالشأن السياسي والعسكري بخصوص هذه القضية، ولفهم إذا ما كان الرأي العام لا يزال يرى في قسد الحامي الأساسي من خطر داعش أم أن هناك بدائل أخرى يثقون بها؛ تم اعداد استبيان (الكتروني – يوتيوب) مكوّن من سؤال واحد مغلق، وتم نشره بتاريخ 2025.06.01 وإنهاءه بتاريخ 2025.06.17، وذلك بالشكل التالي:
السؤال: برأيك هل سينجح أي تعاون إقليمي في محاربة تنظيم داعش بدون مشاركة قسد؟
نعم لا ربما
وكانت نسب الإجابات بالشكل التالي:
ترى النسبة الأكبر من العينة (92%) المشاركة في الاستبيان إن أي تعاون إقليمي في محاربة تنظيم داعش “لا يمكن أن ينجح بدون مشاركة قسد”؛ ويعكس هذا الرأي الثقة بقدرة هذه القوات في محاربة التنظيم على الأرض استناداً إلى تجربتها في المعارك التي خاضتها ضد التنظيم منذ عام 2014م وتحرير مناطق شاسعة من قبضته بدعم مباشر من قوات التحالف الدولي. وما يعزز هذا الاعتقاد احتفاظ التحالف بشراكته مع قسد رغم الضغوط التركية لفك هذه الشراكة. من ناحية أخرى تظهر هذه النسبة ضعف الثقة بالجهود التي تبذلها بعض الدول الإقليمية، تركيا والعراق والأردن لبناء تكتل خاص بها لمحاربة التنظيم وبإشراك سلطة دمشق فيها في محاولة لدمجها في المجتمع الدولي، خاصة أن السياسة العدوانية التركية تجاه قسد وإحجام الدول المجاورة عن إقامة علاقات رسمية علنية معها تخدم نشاط خلايا التنظيم في المنطقة. من ناحية أخرى يبدو أن عامل فقدان الثقة بين هذه الدول لا يساعد في نجاح هذه المحاولة خاصة أن لكل منها مواقف متباينة اتجاه قسد ولا تتماهى مع الموقف العدائي التركي.
بخصوص نسبة الـ 5% فيمكن تفسيرها في اتجاهين، الاتجاه الأول يتعلق باعتقاد العينة أن هذه الدول في حاجة إلى إظهار الشفافية والمصداقية في جهود مكافحة التنظيم وتبديد الشكوك حول جديتها في محاربته، وبناء تكتل لمواجهته يضعها تحت الأمر الواقع للتعاون في نهاية المطاف مع قسد. أما الاتجاه الثاني فيتعلق بإمكانية تأسيس أي تحالف أو تكتل لمواجهة التنظيم بغض النظر عن هوية أية جهة تشارك بشكل مباشر فيها، خاصة أن التنظيم بات يشكل تهديداً أكبر للدول المجاورة لسوريا بعد فشله في تحقيق مكاسب ميدانية في إقليم شمال وشرق سوريا، إلى جانب محاولة التنظيم استغلال البيئة الأمنية الهشّة في مناطق سيطرة سلطة دمشق استناداً إلى إجراء التنظيم تحولات في عقيدته الأمنية والعسكرية بعد سقوط النظام البعثي وخضوع دمشق لسيطرة “حلفاء الأمس وأعداء اليوم” (جبهة النصرة). وتعكس نسبة (3%) المترددة هذه الإشكالية.
تشير معظم التفاعلات مع الاستبيان إلى تصدر قوات سوريا الديمقراطية مشهد عمليات مواجهة نشاطات تنظيم داعش، كما أن طابعها العلماني وانتماء معظم مقاتليها إلى كافة مكونات سوريا يرشحها كقوة عسكرية موازنة للقوى المتطرفة التي انضمت إلى وزارة دفاع سلطة دمشق، وهذا ما قد يفسر إصرار الكثير من الدول الفاعلة في الملف السوري على ضرورة دمج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري الجديد.
[1] Ido Levy; Reducing the U.S. Presence in Syria Too Quickly Could Help the Islamic State; The Washington Institute for Near East Policy; 4 Jun 2025; Link:
https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/reducing-us-presence-syria-too-quickly-could-help-islamic-state