الائتلاف السوري وقشة الغريق

من المعروف أن أول جسم سياسي تم تشكيله ( بعيد التمرد الطائفي المسلح في سوريا ) كان ما سمي بالمجلس الوطني السوري، والذي مثل المعارضة في المنفى وفي أحضان الكيان التركي المصطنع، بشكل أساسي، وقد اختير المفكر السوري برهان غليون يومها رئيسا له، وقد ألقى خطابا موجها للشعب السوري قال في بدايته: ” أيها الشعب السوري العظيم ” مذكرا بانقلابات الخمسينيات في سوريا وبياناتهم الأولى، إلا أن  مجلس السيد غليون المفكر الديمقراطي والسلمي، تبنى ” عسكرة الانتفاضة” دون أن يكون له أو لمجلسه أي تأثير على المتمردين من العساكر والضباط الذين انشقوا عن الجيش السوري والتحق بهم العشرات من الرعاع وشذاذ الآفاق واللصوص والمجرمين، فأشعلوا حرباً غير متوازية مع الجيش السوري، ويوما بعد يوم صار هدفهم الرئيس سرقة البيوت وقطع الطرقات، وخطف النساء وفرض الأتاوات على المواطنين، وتهجيرهم من بيوتهم بحجج كثيرة ( طائفية على الأغلب وقومية كذلك، كما في حمص  مع الطائفة العلوية وشمال حلب مع الكرد ) وعلى الرغم من الاعتراف شبه الدولي بهذا الجسم كإطار جامع وديمقراطي للسوريين، إلا أن السيطرة الفعليه فيه كانت لجماعة الأخوان المسلمين، وتشكيلاتهم المسلحة الطائفية حيث جمعت العديد من التشكيلات العسكرية تحت مسمى ” هيئة دروع الثورة، وبعد ذلك تحالفت مع جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام وقامت بتشكيل الجبهة الوطنية للتحرير، التي قدَّر عدد أعضائها كما أشيع يومها بـ 300.000 مقاتل، وهكذا استطاعت الجماعة أن تسيطر على القرار السياسي والعسكري لحراك المعارضة السورية، والتي كانت مرتهنة تماما للتوجه الإخواني المتمثل بحزب أردوغان، وراحت تعمل وفق ما تخطط له الاستخبارات التركية، ولم يعد للمجلس أي تأثير على القرارات على الأرض، بل صارت الميليشيات هي التي تتحكم بمفاصل الأمور.

بعد فشل ما سمي بالمجلس الوطني السوري، وبروز عشرات ومئات الفصائل المسلحة، والتابعة للعديد من الجهات، ارتأى ” المعارضون ” تشكيل ما سمي : بـ ” الائتلاف الوطني  لقوى الثورة والمعارضة السورية ” والذي تعهد بالعمل على إسقاط نظام الأسد بشكل كامل، ورفض الحوار أو التفاوض معه، وتبنى هو الآخر العسكرة، ودعم الفصائل الطائفية المتمردة، دون أن يتمكن هو الآخر من توجيهها أو التحكم بتصرفاتها داخل سوريا، وسياسيا وعلى الرغم من الاعتراف الدولي لم يستطع الائتلاف أن يقوم حقيقةً بتمثيل المعارضة السياسية أو يقرّر استراتيجيتها على الأرض، أو يتّخذ قرارات مصيرية بشأن مسائل مهمة وخطيرة، كالحرب والسلم، وذلك لافتقاره إلى قاعدة شعبية وتنظيمية في الداخل السوري، وبدلا من أن يقود الحراك المسلح ” الكارثي بحق الشعب السوري ” صار تابعا لمجموعات من المرتزقة، وقطاع الطرق واللصوص، مثل مجموعات العمشات والحمزات وجند الشام واعتصموا بحبل الله وهيئة تحرير الشام، وغرباء الشام، بالإضافة الى المرتزقة التي تم تشكيلها من قبل الاستخبارات التركية، والتي غلب عليها الطابع التركماني كمجموعات أبو عمشة والسلطان مراد والسلطان سليمان شاه والى آخره من مسميات تكنوا بها وفاء لأجداد أردوغان .

ولم يستطع الائتلاف هذا من تحقيق أي تماسك أو تأثير على  تصرفات وهياكل جماعات التمرد الطائفي المسلح، بل العكس تماما أكتسب الإخوان المسلمون كامل شرعيتهم في صفوف هؤلاء المقاتلين والذين بدورهم صاروا يتحركون وفق خطط الدولة التركية، والتي شجعت على النهب والسرقة، لا سيما في حلب إذ تم تفكيك المعامل والمصانع وحتى خطوط السكك الحديدية وأسلاك كهرباء التوتر العالي ونقلها إلى تركيا، و وقف ما يسمى بالائتلاف مكتوف الأيدي، لا سيما بعد ان تخلت العديد من الأطراف الدولية عن دعمه، بعد أن صار مجرد جسم سياسي وعسكري منفذ للخطط التركية الاحتلالية، ولكي تسبغ تركيا ما تشبه المشروعية على مجموعات المرتزقة تلك، فقد أمرت بتشكيل جسم عسكري تحت مسمى : الجيش الوطني السوري،  وكانت أولى ” إنجازاته ” مع جيش الاحتلال التركي هو : احتلال عفرين الكردية وتشريد أهلها، ومن ثم سرى كانيى وكرى سبي ( تل أبيض ) وضمها للمشروع التركي المللي في احتلال الشمال السوري وصولا إلى الموصول وكركوك.

ومن هنا وبعد التمدد الإخواني في مفاصل الائتلاف وما يمسى بالجيش الوطني السوري، بدأت الجماعات المسلحة تتكاثر حيث الحصول على الدعم المادي وملايين الدولارات راحت تفتح شهية المئات من اللصوص وشذاذ الآفاق، ومن كل الجنسيات التي تواجدت على الأرض السورية، بما فيهم الكثير من مرتزقة تنظيم داعش الذين وجدوا ملاذهم الآمن في الحضن التركي والمناطق المحتلة من قبل تركيا كالباب وجرابلس وعفرين وكرى سبي وسرى كانيى، ومن هنا أيضا راحت الجماعات الإسلامية المتطرفة وجماعة الإخوان المسلمين ومن خلال أذرعها العسكرية تكتسب شرعية الوجود على الأرض، وبتحالفات معلنة أو غير معلنة مع جبهة النصرة سابقا أو ما سميت فيما بعد بهيئة تحرير الشام، وهنا لا بد من التذكير بتقرير وزارة الخارجية الأمريكية قبل سنوات إذ جاء فيه: ” هناك المئات من المجموعات الصغيرة تنتشر في جميع أنحاء منطقة حلب، وقد تحول الجيش السوري الحر إلى جماعات متمردة غير منظمة تخترقها أعداد كبيرة من المجرمين،.. وإن انتهاكات المتمردين ظاهرة طبيعية يومية وخاصة ضد المدنيين بما في ذلك نهب المصانع العامة والخاصة والمستودعات والمنازل والسيارات ” ( من تقييم وزارة الخارجية الأمريكية في يناير 2013 ).

ومؤخرا وبعد سلسلة من الفضائح المالية والسرقات والتهم التي تم توجيهها لبعض أعضاء الائتلاف كالعمل لصالح النظام في دمشق ضمن صفوف الائتلاف ، سارع هذا الائتلاف لضخ الدم في جسمه الآيل للسقوط، لا سيما بعد أن كثرت الدعوات من قبل أطراف دولية إلى مشاركة الكرد ( الممثلين بمجلس سوريا الديمقراطية مسد ) في المشاركة بالمفاوضات الدولية حول مصير النظام في دمشق، إذ تبين كذلك أن المجموعات الكردية المنضوية في الائتلاف  ( كالمجلس الوطني الكردي، ورابطة المستقلين الكرد وغيرهم ) إنما هي مجرد أسماء كردية وجدت لتبرر ما يتعرض له الشعب الكردي في شمال وشرق سوريا من تهجير واحتلال ، وتغيير ديموغرافي للمناطق الكردية المحتلة، لذلك سارع الائتلاف بخطوة استباقية لترميم صورته، وقام بفصل العديد من الأسماء والمجموعات التي لم تعد مقبولة شعبيا ودوليا، وبتوجيهات مباشرة من الاستخبارات التركية، ليتم تقوية مواقع الجماعات التركمانية المدعومة تركيا، وعلى إثر ذلك قام العديد من الشخصيات بالانسحاب من الائتلاف ردا على ما يحصل فيه من تصفيات، حتى إن جماعة الإخوان المسلمين راحت تسمي الائتلاف بـ ” الائتلاف الكردي التركماني الآشوري ” وذلك للقرارات الفاقعة التي اتخذت مؤخرا حيث تم تسليم 11 أحد عشر كرسيا لجماعة انكسي وثلاثة لجماعة تمو وعدد آخر للآشوريين ، وكل هذا بالطبع لذر الرماد في العيون، بالإضافة إلى دعمهم بالأموال والألقاب التي تسيل لها لعاب تلك الشخصيات المرتهنة للعدو التركي، حتى إن ممثل المجلس الوطني انكسي في الائتلاف  المدعو شلال كدو يقول لموقع باسنيوز معلقا على ما حدث في هيكلية الائتلاف: ” إن ما حدث هو ليس إلا عملية تصحيح وإصلاح ويحدث ذلك وفق خطة مرسومة وإن كتلة انكسي هي جزء منها ( أي جزء مشارك بالخطة ) وأضاف: ” ” ما جرى لا يعتبر انشقاقا بأي شكل من الأشكال، بل أن عددا من الأخوة الذين تم رفع صفة العضوية عنهم ، يصدرون الآن بعض البيانات ، لكن الائتلاف واضح ويعرف الجميع عنوانه، وهو باق وسوف يبقى كممثل شرعي والممثل الأبرز للشعب السوري، وسوف يبقى عنوانا عريضا للمعارضة السورية. “

وبالطبع شخص مثل المدعو شلال كدو ليس لديه إلا أن يقول ذلك، مادامت تصرف له ولجماعته آلاف الدولارات شهريا، وإن آخر ما يفكر به هؤلاء هو مصير الشعب السوري أو الكردي.

واختتم شلال كدو كلامه مبدياً النصح والإستشارات ” لمن تبقى من ” الكورد الجيدين ” بالانضمام إلى المشروع التركي المتمثل في ما تبقى من الهيكل الواهي للائتلاف العنصري والطائفي قائلاً: ” على الكورد السوريين وعلى الحركة الكوردية السورية أن تعزز موقعها بين المعارضة السورية وأن تعزز من البعد الوطني للقضية الكوردية في سوريا، ولن يحصل الكورد السوريون بمعزل عن الوسط الوطني السوري على حقوقهم “

وهكذا  فإن المتلاعبين بمصير الشعب السوري والداعمين لمحتلي أرضه، وقاتلي شعبه، سينفرط عقدهم يوما بعد يوم، وإن ألاعيب الدولة التركية ستظل مكشوفة وفاقعة للجميع، فما حدث ليس إلا لعبة استخباراتية تركية وتبديل لبيادقها من جهة ومن جهة أخرى تقوية لنفوذها من خلال شخصيات تركمانية عميلة كالمدعو عبدالرحمن مصطفى، التركماني والعضو في الحزب القومي التركي الفاشي(  م ه ب )  برئاسة بخجلي، حيث إن الاستحقاقات القادمة لن تكون سهلة على النظام التركي، ولن تبقى ورقة الائتلاف الورقة الرابحة بيد رئيس النظام التركي بعد جلاء غيمة الحرب الروسية الأوكرانية، وحتى ذلك الحين فان الدم السوري سيظل جاريا للأسف.

زر الذهاب إلى الأعلى