في ذكرى هزيمة داعش.. واحتمالات عودته

بعد أيام ستحل الذكرى الرابعة لهزيمة تنظيم داعش وإنهاء آخر ملامح ما سميت بـ ” الدولة الاسلامية في العراق والشام ”  في منطقة الباغوز السورية، وذلك خلال آخر معارك التنظيم مع قوات سوريا الديمقراطية قسد وقوات التحالف الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

وبالطبع أظهرت معركة الباغوز هشاشة البنية السياسية والعسكرية للتنظيم، وبدا أن الهالة المرعبة التي رسمها التنظيم حول نفسه لم تكن إلا مجرد حرب إعلامية وإصدارات دموية إرهابية وقطع الرؤوس والإعدامات وغير ذلك من تفننها في أساليب القتل والترويع، وباندحار التنظيم في الباغوز رأى العالم قاطبة جنود ” الدولة ” وهم عاجزون عن المشي، ويستسلمون بالآلاف لقوات سوريا الديمقراطية وهم يلعقون مرارة الهزيمة التاريخية.

لم تكن معركة الباغوز مجرد معركة بين طرفين أو عدة أطراف، بل كانت معركة حياة أو موت للتنظيم، ولهذا قاتل التنظيم في البداية بشراسة معتمدا على أساليبه المعروفة من خلال الانتحاريين أو ما يسميهم التنظيم بالانغماسيين والسيارات المفخخة، ولكن ومع الوقت بدأت قواهم تنهار ومعنوياتهم تهبط لا سيما بعد ظهور الخلافات والمشاكل بين مقاتلي داعش أنفسهم، وخاصة بين ممن سميوا بالمهاجرين وبين الأنصار، حيث بدأت أصوات المهاجرين ( المقاتلين الأجانب ) ترتفع بأنهم باتوا مجرد مشاريع للقتل، بعد أن فر أمراء التنظيم وقياداته العليا إلى مناطق ( آمنة ) تحت سيطرة جيش الاحتلال التركي ومرتزقة الجيش الوطني السوري في مناطق عفرين وتل أبيض وسرى كانيى، في حين لجأ آخرون إلى مناطق إدلب والتي هي تحت سيطرة جبهة النصرة التي ترعاها تركيا كذلك، وهذا يؤكد أن  هؤلاء المقاتلين والأمراء الذين احتموا بهذه المناطق إنما عادوا إلى الحضن الذي جاؤوا منه، أي الحضن التركي، وتشير التقارير والمعلومات الاستخبارية لا سيما بعد مقتل البغدادي ومن ثم خلفة عبدالله قرداش التركماني، أنه لا يزال هناك بضعة آلاف من بقايا التنظيم في تلك المناطق يحظون برعاية تركية واستخدامهم لوقت الحاجة، وبالطبع لجأ بضع آلاف منهم وتمركزوا على شكل مجموعات متحركة وخلايا في مناطق البادية السورية ( جبل أبو رجمين شمال شرقي تدمر، وبادية دير الزور حتى أطراف بلدة السخنة. )

وبحسب المحللين العسكرين والمختصين بشؤون هذه الجماعات هناك تأكيد على أن الهزيمة العسكرية الأخيرة في الباغوز  لم تكن نهاية داعش، فهو يحاول لملمة صفوفه والقيام بعمليات دموية بين الحين والآخر سواء ضد قوات قسد أو ضد قوات الحكومة السورية، وذلك من خلال عمليات انتحارية أو هجمات مباغتة، يتم التخطيط لها بدقة، وكان هجوم داعش بعد هزيمته على سجن الصناعة في الحسكة من أعنف الهجمات، وأكثرها دموية، وتبين بعد إلحاق الهزيمة بهم في معركة السجن، أن التنظيم لا يزال وبمعاونة من الدولة التركية يخطط للعودة من جديد، وبناء دولته المنهارة، فقد كان مخططهم كما تبين من التحقيقات أنهم كانوا يهدفون أولا إلى إطلاق مقاتليهم السجناء، ومن ثم تطويق مدينة الحسكة، واحتلالها، بعد جعل السكان المدنيين دروعا بشرية، ومن ثم القيام بمفاوضات مع قوات التحالف وقسد، وإملاء شروطهم عليهم، مثل خروج جميع مقاتليهم بسلام وكذلك اصطحاب عوائلهم في مخيم الهول إلى مناطق يتم الاتفاق عليها، وصحيح أن المخطط هذا قد فشل وفقد العشرات من الأبرياء حياتهم، إلا أن هناك عدة نقاط هامة يجب على العالم كافة إدراكها وهي:

 الأولى: حقيقة أن التنظيم سيحاول مرة ومرة وبكل الطرق استعادة حلمه في بناء دولته المزعومة ما دام هناك أطرافا إقليمية تدعمه بالمال والسلاح وتقدم الرعاية لجرحاه في مشافيها ومناطق سيطرتها ونعني بذلك الدولة التركية

والثانية: إن التنظيم يقوم بإعداد خطط وتكتيكات جديدة للقتال، وبناء قدرات قتالية جديدة لمقاتليه ومناصريه، والاعتماد على مبدأ المفاجأة والتركيز على ”  المفخخات والانغماسيين ” في افتتاح ثغرات في الجبهة التي يقتحمونها، تماما كما كان الحال في الهجوم على سجن الصناعة.

والثالثة : إن التنظيم بدأ في معاركه وهجماته الجديدة يعتمد على أعداد قليلة من المقاتلين والمهاجمين معظمهم ممن يسميهم بالانغماسيين، ويتجنبون فتح جبهات واسعة وعريضة في هجماتهم على الخصوم.

من هنا لا بد من القول إن التنظيم لا زال وسيبقى يشكل خطرا حقيقيا على استقرار المنطقة، وهذا يستدعي تضافر جهود دولية مستدامة لمحاصرته وإنزال الضربات الموجعة به، وبخلاياه النائمة، فتحركاته الأخيرة وهجماته تؤكد ومما لا يدعو للشك أن داعش يخطط ليلا نهارا ويحلم بالعودة ثانية إلى مسرح الأحداث لا سيما في سوريا، وبالطبع ومن خلال التجارب السابقة تبين أن داعش لا ينتهي بانتهاء تنظيمه العسكري أو تشتته هنا وهناك، والمطلوب التحرك على عدة مستويات منها:

أولا تجفيف منابع التمويل التي لا تزال تضخ للتنظيم وتحت مسميات عديدة سواء من قبل أفراد أو جماعات أو حتى دول إقليمية ( تركيا وقطر وتنظيمات سرية تعمل في شمال شرق إفريقيا.

ثانيا الضغط على حكومة أردوغان لعدم تسهيل وصول المتطويعين والجهاديين إلى الساحة السورية والعراقية، فالمعلوم أكثر من 90% من مقاتلي داعش وأسرهم وصلوا عن طريق المطارات والمعابر التركية وفي وضح النهار، ناهيك عن دعمهم بالمال والسلاح من قبل الدولة التركية.

ثالثا: معالجة وإصلاح البنى التحتية التي دمرتها الحرب وحالة الفقر والعوز في المجتمعات  التي تشكل حاضنة لتقبل داعش ومده بدماء جديدة.

رابعا: منع الدولة التركية من الاستمرار في هجماتها على شمال شرق سوريا وعلى قوات قسد والتي تعتبر رأس الحربة في محاربة التنظيم وهزيمته.

وأحيرا لا بد من القول إن الهزيمة التي لحقت بداعش عسكريا لم تكن لتؤتي أكلها لولا وجود قوة مدربة ومنظمة وشجاعة كقوات سوريا الديمقراطية، والتي يجب دعمها بالخبرات اللازمة لوجستيا وتقنيا، وبالتالي حمايتها من الهجمات التركية ومرتزقتها الذين هم بالأصل يحملون نفس العقيدة الداعشية ولكن تحت مسميات أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى