تركيا تغرد خارج السرب الغربي

إس_400

تعمل حكومة العدالة والتنمية على استدامة حكمها لأطول فترة ممكنة من خلال الاستفادة من الفوضى التي تعيشها المنطقة، وذلك بالتدخل في شؤون دول المنطقة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً كما انحرافت عن المسار السياسي الذي رُسِمَ للجمهورية التركية منذ تأسيسها، وتقويض دعائم الجمهورية التي تأسست عليها، وبدت الملامح السياسة للعدالة والتنمية تظهر على الساحة الإقليمية بعد الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين بزعامة محمد مرسي في مصر عام 2013، والتدخل الروسي في سوريا عام 2015 ومحاولة انقلاب تموز عام 2016. أدرك حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان من خلال هذه التطورات بأن السياسة الأمريكية لا تتوافق مع سياسة العدالة والتنمية بل تعارضها بالرغم من العلاقات الوطيدة التي كانت تربط تركيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما بدا واضحاً من خلال العلاقات الأمريكية التركية حول سوريا وعدم الاعتماد على السياسة التركية نتيجة التناقضات والخلافات الموجودة بينهما حول مسار الأحداث والتسوية السياسية في سوريا، نتيجة ذلك توجه أردوغان نحو سلك مسار بعيد عن الناتو والولايات المتحدة الأمريكية بشرائه للمنظومة الدفاعية إس 400، في خطوة تعتبر بداية توجه تركيا نحو الحلف الأوراسي المزمع إنشاؤه، وهذا يعتبر انتصاراً لروسيا على الناتو في الوقت الحالي، ومنذ أن أقدمت تركيا على اتخاذ هذه الخطوة  لم نجد أي ردود فعل قوية من الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحتى العقوبات التي كان من المفترض أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بفرضها على تركيا لم تنفذ. نظراً لموقع تركيا الهام في حسابات الناتو أقدمت تركيا على هذه الخطوة نتيجة إدراكها لأهمية موقعها الجيوسياسي والاقتصادي في النظام العالمي الجديد ويمكن اختزال ذلك في عدة نقاط:

ـ تدرك تركيا أن الابتعاد عن حلف الناتو مفيد لأسباب جيوسياسية تعطيها أهمية كبيرة في الساحة الإقليمية وفي حقل العلاقات الدولية، بالرغم من عدم وجود علاقات مبنية على الثقة مع روسيا، خاصة في سوريا، فالمجريات السياسية منذ أكثر من سنتين في أستانة وسوتشي، والعسكرية خاصة في إدلب تثبت بعدم وجود تقارب بشكل تام وإنما محدود بينهما، وتبين أن جميع الاتفاقيات التي عقدت بين الطرفين بشأن هذه المدينة لم تتبلور كثيراً في الميدان العسكري والدليل على ذلك القصف الروسي و قصف النظام المستمر.

ـ استغلال حكومة العدالة والتنمية الأهمية الاستراتيجية لموقع تركيا كونها الممر الذي يربط الشرق الأوسط بأوربا الأمر الذي يعزز مكانة تركيا في الحسابات الدولية إزاء المنطقة، لهذا ترغب تركيا لاستثمار ذلك في خدمة مطامعها الاستعمارية القديمة في الشرق الأوسط.

 ـ والنقطة الأخرى، ترويج تركيا لحقها بشراء المنظومة الصاروخية إس 400 لتعزيز قدراتها الدفاعية، بذلك تقوم بالضغط على الاتحاد الأوربي واليونان بشكل خاص من أجل السماح لها بالتنقيب عن الغاز الطبيعي في المتوسط، فالصراع على الطاقة في المتوسط بين أوربا وروسيا وتركيا والحصول عليها سيحدد مستقبل هذه الكيانات أقتصادياً وأيضاً في تحديد مركز ثقل الطاقة في العالم، لذلك تحاول تركيا أن تلعب دور كفة الترجيح في قلب الموازيين بين روسيا والاتحاد الأوربي، ومن أجل ذلك قامت بجلب إس 400 للضغط على الاتحاد الأروبي لتحصل على الطاقة في المتوسط وهذا ما يقض مضاجع الدول الأوربية لذلك فرض الاتحاد الأوربي عقوبات اقتصادية على تركيا بسبب التنقيب عن الغاز في المنطقة المحيطة باليونان وقبرص، ومن ناحية أخرى في سوريا وبالتحديد في مدينة إدلب القريبة من البحر الأبيض المتوسط حيث الغموض الذي يلف مصير المدينة، تحاول تركيا التمسك بها وتأسيس نفوذ لها على المدى الطويل تحسباً لوجود حسابات دولية على المدينة تكون فحواها ممراً للطاقة لتمريرها إلى المتوسط.

ـ ولاشك أن شراء تركيا الأردوغانية لمنظومة إس 400 مرتبط بعدم الثقة بالناتو والولايات المتحدة الأمريكية وخاصة بعد حادثة الانقلاب الحاصل في تموز 2016 فمنذ ذلك الحين تروج سلطة العدالة والتنمية بأن أيادي خارجية كانت وراء الانقلاب في إشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهي محاولة من أردوغان بعد الانقلاب بعقد الصفقة إس 400 للضغط على الولايات المتحدة للحفاظ على سلطته، في ظل إدراك تام من قبل هذه السلطة لوضعية الشرق الأوسط المتغير وتأثيرها على تركيا، ترى تركيا بهذه الخطوة أي شراء منظومة إس 400 الصاروخية لدرء خطر الانعكاسات التي ستنعكس على العدالة والتنمية جرِاء الفوضى العارمة التي تجتاح المنطقة.

ـ تستغل تركيا موقعها الهام، والذي كان من جملة الأسباب التي جعلت تركيا عضواً في حلف الناتو وحليفة الغرب الأولى في المنطقة منذ تأسيس الدول القومية في الشرق الأوسط، لذلك ترى تركيا أن دول الناتو لا تستغني عنها وأنهم سيجدون في نهاية المطاف طريقة لتقبل قرارها في شراء المنظومة الصاروخية الروسية نظراً لأهمية تركيا الاستراتيجية في حسابات الولايات المتحدة الأمريكية.

لذلك فإن بوادر شراء تركيا لهذه المنظومة ستنعكس عليها من خلال توسع رقعة العزلة التي تعاني منها تركيا دولياً وإقليمياً بغض النظر عن المرونة التي تتعامل معها القوى الغربية حيال ذلك، فتركيا عندما قامت بذلك، لم تكن تركيا موحدة داخلياً إزاء السياسة الخارجية وناهيك عن مشاكلها الداخلية، لذلك بإمكان القول أن تركيا ستنشغل في الفترة القادمة بسياستها الداخلية كثيراً نظرأ لوجود نفوذ غربي داخل تركيا والدعم الضمني الذي ستحظى به القوى المعارضة لسياسية العدالة والتنمية وهذا ما تجلى بشكل واضح في الانتخابات البلدية في آذار المنصرم  وظهور ملامح الإنقسام داخل حزب العدالة والتنمية، وأيضاً موقف دول الناتو سيتضح أكثر بوصول كامل معدات هذه المنظومة إلى تركيا وإلى موعد تشغيلها في نيسان (إبريل) القادم.

 

   

زر الذهاب إلى الأعلى