المواطن السوري بين فكَّي الدخل والتضخّم

شرفان سيف الدين

اعتمد عالمياً مبلغ 2.15 دولار امريكي  للفرد الواحد يومياً هو الخط الأدنى للفقر، وذلك حسب آخر دراسة في هذا المجال والتي تعود إلى خريف 2022م، مما لا شك فيه أن سوريا ومنذ بداية الأزمة في منتصف آذار عام 2011م، تعيش بالإضافة إلى الحالة السياسية والاجتماعية حالة اقتصادية تعيسة ومتدنية جداً، فبحسب البنك الدولي هذه المرة من خلال إحصائية عالمية لبلدان العالم بين عامي 1990م – 2010م، كان ترتيب سوريا ال 78 عالمياً من حيث المدخول السنوي للمواطن، أما اليوم وبحسب نفس المصدر (البنك الدولي) لعام 2023م، فان 90% من سكان سوريا يعيشون تحت خط الفقر، في حين كان في عام 2019م 86 %، وفي عام 2017م 67 %. كما هو ملاحظ للمتابع للشأن الاقتصادي مدى حدة المخطط البياني المرتفع بشكل جنوني ودن أي ضبط، وليكون بترتيب ثاني أفقر دولة آسيوية بعد أفغانستان وصاحبة الترتيب العشرين عالمياً، كما أشارت النشرة الاقتصادية نصف السنوية الأخيرة أيضاً للبنك الدولي في شتاء عام 2022م – 2023م والذي شمل 14 مدينة و11 قطاعاً، ان الخسائر السورية ما بعد 2011م تقدر ما بين 8.7 و 11.4مليار دولار أمريكي، أما بحسب آخر إحصائيات الأمم المتحدة والتي تعود إلى العام 2021م، فإن عدد المحتاجين إلى المساعدة في سوريا هو 14.6 مليون شخص.

بالعودة إلى الخلف قليلاً وبالتحديد قبل استيلاء النظام الحالي على الحكم في سوريا عام 1970م، كان راتب الموظف السوري 250 ل.س أي ما يعادل 55 غرام من الذهب، اليوم راتب الموظف السوري يعادل فقط 0.3 غرام من الذهب أو أقل بقليل، سعر صرف الدولار الأمريكي مع نهاية العام 2010م (أي ما قبل الازمة الحالية )،كان يقابلها 46 ليرة سورية، أما اليوم فإنه يقابلها 7700 ليرة سورية، كما يقدر عدد الموظفين لدى الدولة السورية وفي مؤسساتها العامة بنحو 25 % من عدد السكان العام، وهؤلاء يتقاضون بشكل وسطي حوالي مئة ألف  ليرة سوريا (مع الأخذ بعين الاعتبار الفئة والصفة الوظيفية)، أي ما يعادل (13) دولار أمريكي فقط لا غير، في حين كان الوسط الحسابي للرواتب ما قبل عام 2011م، أحد عشر ألف ليرة سورية أي ما يعادل (240) دولار أمريكي، من هنا يمكننا أن نلاحظ مدى الفجوة الهائلة التي يعيشها المواطن ما بين الدخل والتضخم، في حين تشير بعض الدراسات الاقتصادية أن حاجة (أسرة تتكون من أب وأم وثلاثة أطفال) إلى أكثر من ثلاثة ملايين ليرة سورية شهرياً من أجل العيش بشكل متواضع. للملاحظة: “بطبيعة الحال فإننا هنا نأخذ موظف الدولة أو المؤسسات العامة كمثال لأخذ الأرقام وتسليط الضوء عليها، لأن دخل العامل العادي لا يزيد بكثير عن الموظف إلا بنسب صغيرة وتتفاوت حسب طبيعة العمل وخطورته وكمية الجهد المبذول ……الخ من عوامل داخلة في تحديد قيمة الأجر.”

في الداخل السوري والعاصمة يصل سعر اللتر الواحد من المازوت إلى ثلاثة عشر ألف ليرة سورية، في حين يتراوح لتر البنزين من خمسة عشر إلى عشرين ألف ليرة سورية، أما الأسطوانة الواحدة من الغاز المنزلي فيتراوح قيمتها من مئة وخمسين إلى مئتي ألف ل.س وأحياناً مئتين وخمسين ألف ليرة سورية وكل ذلك حسب العرض والطلب والوفرة في الأسواق السوداء.

أما في الشمال الغربي بالنسبة للمناطق الخاضعة للجماعات الإسلامية المتشددة والمناطق الخاضعة للاحتلال التركي المباشر أو عبر مرتزقتها من ما بات يعرف بالجيش الوطني وفصائله المتنازعة داخلياً، فإن الوضع لا يعتبر بأحسن حال من سابقه، يضاف إلى ما سبق من حالة تدهور وغلاء فاحش وتضخم، فرض للعملة التركية التي تعاني هي أصلاً بدورها من التضخم والتدهور في ظل السياسة الاقتصادية الفاشلة لحزب العدالة والتنمية، وهي التي تعتمد بالأساس على الهبات والصدقات الخارجية، أو الاعتماد على الاقتراض الدولي والاستفادة من اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم وذلك من خلال الحصول على مبالغ هائلة كمساعدات لهم من الدول الأوربية ومنظمات المجتمع المدني وداعميها من هيئات الأمم المتحدة المختصة في شؤون اللاجئين لمتابعة ظروفهم وأحوالهم.

أما بالنسبة لشمال شرق سوريا فلا يمكننا القول بان الحالة ممتازة، ولكن يمكننا القول بأنه الأفضل من بين ما هو موجود على أرض الواقع، حيث يحصل الموظفون لدى دوائر ومؤسسات الإدارة الذاتية على أربعة أو خمسة اضعاف ما يحصل عليه الموظفون لدى النظام السوري، ويعمل في هذه الدوائر المدنية والعسكرية التابعة لها ما يقارب مئتين وثمانين الفاً إلى ثلاثمئة ألف موظف وموظفة، أضف إلى ذلك حالة الدعم لبعض المواد الأساسية، فمثلاً لتر المازوت في السوق الحرة يصل إلى 1200 ل.س، في حين لتر المازوت المدعوم لقطاع السيارات السياحية والقطاع الزراعي والصناعي ما زال بسعر 410 ل.س، في حين لتر المازوت للتدفئة الشتوية للعائلة الواحدة ب 150ل.س، كذلك بالنسبة للأفران الخاصة ومولدات الأمبيرات. أما بالنسبة ل أسطوانة الغاز المنزلي فسعرها سبعة آلاف ل.س لدى المعتمدين التابعين للكومينات الشعبية المحلية، وفي الأسواق السوداء تصل في أقصى الحالات إلى الثلاثين أو أربعين ألف ل.س. يمكننا أن نضيف إلى ما سبق ان طبيعة المنطقة الزراعية تجعل منها سلة غذائية متكاملة رغم شح الأمطار في السنوات الاخيرة، وأيضاً يضاف إليه نشاط المنظمات الإنسانية التنموية والإغاثية، كما أن الهجرة الأخيرة لبعض السكان كان لها ناحية ايجابية من حيث إرسال هؤلاء المهاجرين ولو بما تيسر من القليل لذويهم من القطع الأجنبي واستفادة الأهالي من فرق العملة لتسيير أمورهم بما أمكن.

كنتيجة نهائية لا يمكن مواجهة التضخم إلا بالتقليل من الواردات وعكس ذلك بالإكثار من الصادرات، حيث أنه تعتبر هذه القاعدة هي الذهبية والأساس في القاموس الاقتصادي لمواجهة هذه الحالة، اي استيراد ما لا يمكن صناعته أو إنتاجه أو زراعته محلياً، فقط من قطع غيار وأدوية وبعض الصناعات الثقيلة أو التي تحتاج إلى استثمارات ضخمة مرافقة بحل واستقرار سياسي، وتشجيع القطاع الزراعي على زراعة كل ما ينقص لتفادي استيراد المنتوجات الزراعية، بالإضافة إلى تشجيع عمل قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة وإعطائهم دفعات معنوية للاستمرارية. وربما يكون جزءاً من الحل المؤقت لمواجهة التضخم أو مجاراته، وذلك بربط قيمة أجر العمل والراتب بما يوازي سعر صرف الدولار كحل مؤقت وليس بديل، وذلك لأنه لا يمكن الاستغناء عن العملة الوطنية بطبيعة الحال لأنه يعتبر نوع من أنواع الانتحار الاقتصادي. خلاصة القول وبشكل عام فإن المواطن السوري اليوم وأكثر من أي يوم مضى يعيش حالة أقل ما يمكن القول عنها أنها حالة متدنية ولا ترتقي إلى عيش الانسان بكرامة، مما لا شك فيه أنه لا يمكن حل المشاكل والمعوقات الاقتصادية بدول حل سياسي وأمني، وعليه فإن جميع القوى المتصارعة على الساحة السورية اليوم وأكثر من أي وقت مضى مدعوة إلى الحل السياسي وتقديم التنازلات بعد أن ثبت بالقطع والجزم عدم إمكانية الحل العسكري خلال الاثنتي عشرة سنةً الماضية، بل كان هذا الصراع هو السبب الرئيسي في كل ما وصلت إليه البلاد.

زر الذهاب إلى الأعلى