سدّ تشرين والأجندات التركية في التوسّع والهيمنة
د. أحمد سينو

الأهمية الجغرافية:
يقع السدّ في منطقة منبج في محافظة حلب، ويبعد عن الحدود التركية 80 كم وعن مدينة حلب 115كم، ولموقعه على نهر الفرات أهمية استراتيجيّة؛ حيث يربط بين الرقة ومدينة حلب، كما يوفّر الطاقة الكهربائية للمنطقة برمّتها، ويبعد عن مدينة كوباني 70كم ويقع في الجنوب الغربي لها، كان السدّ تحت سيطرة النظام السوري لغاية عام 2012م ثم سيطر عليه الجيش الحرّ بعد 25 تشرين الثاني من العام المذكور بعد حصاره لمدة 5 أيام، ودامت هذه السيطرة لعامَين، ثم سيطر تنظيم داعش على منطقة السدّ في 15 أيار 2014م، وتحيط بالسدّ في منطقة منبج أكثر من 100قرية سكّانها من العرب والكرد.
تقوم حالياً قوات سوريا الديمقراطية والقوات الأهلية المحلّية المسانِدة للإدارة الذاتية بالدفاع عن سدّ تشرين؛ وذلك لحماية هذه المناطق من هجمات ما يُسمّى بالجيش الوطني، الموالي لتركيا، والفصائل المرتزقة المتحالفة مع تركيا، والتي تحاول كسر إرادة قوات سوريا الديمقراطية، ومن جانبها تسطّر قوات سوريا الديمقراطية ملاحم يومية في البطولة والفداء، بمساندة من شعوب ومكوّنات شمال شرق سوريا ومن مختلف المدن والمحافظات، ومن جميع الفعاليات والمؤسسات الشعبية لدعم قوات سوريا الديمقراطية والقيام بواجب الحماية والدفاع؛ ولا تتوانى الدولة التركية وسلاح جوّها عن استهداف المدنيّين الذين يتناوبون في زياراتهم للسدّ للحماية والدفاع بأجسادهم.
الدفاع المستميت لقوات سوريا الديمقراطية يهدف لتأمين محيط مدينة كوباني من الاحتلال التركي، لأنّ مدينة كوباني أصبحت رمزاً عالمياً لدحر القوى الظلامية المتمثّلة بداعش وكلّ الفصائل المرتزقة التي تخدم الأجندة التركية، والغالب أنّ هذه المقاومة التي تبديها قوات سوريا الديمقراطية تحظى بتأييد عالميّ، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي والتحالف الدولي ضدّ داعش وحتى من بعض الدول العربية؛ وقد جاء ذلك مراراً على لسان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ترامب؛ حيث قال: إنّ الكرد هم مَن قاموا بحماية أوربا وأمريكا، وهم يدافعون عنّا كما يدافعون عن أنفسهم، والكرد شعب عظيم.
وما يدلّ على ذلك هو أنّ الجماهير الشعبية في شمال وشرق سوريا مستمرّة ومصرّة على أن توقف تركيا اعتداءاتها، ولو ضحّت بأجسادها في سبيل حماية السدّ والمنطقة، لما له من أهمية اقتصادية في توفير الكهرباء والماء وإرواء الآلاف من الهكتارات من الأراضي الزراعية، ويمتدّ تأثير ذلك على المياه والأراضي الزراعية في العراق.
الهجمات التركية وأهدافها:
من الأهداف السياسية والعسكرية لتركيا؛ السيطرة على سدّ تشرين، واحتلال مدينة كوباني للقضاء على رمز المقاومة الكردية العالمية فيها، والاتصال الجغرافي بالداخل السوري، والوصول إلى خلايا داعش في الرقة وعبر باديتها لتكون ذراعاً لها في الداخل السوري لتحقّق الأجندات التركية في التوسّع والهيمنة في الداخل السوري، وتحقّق مكتسباتٍ إضافيةً من حكومة دمشق الجديدة التي لم تبدِ، حتى الآن، موقفاً حاسماً يضع حدّاً للهجمات التركية، وربما تكون هناك خفايا لميل حكومة دمشق الجديدة للموافقة على أجندات تركيا، والتي قد تتمادى فيما لو لم تقف الدول العربية الخليجية ضدّ توسّعها وتنفيذ أجنداتها، خاصة المملكة العربية السعودية، ولعلّه من الأهمية بمكان أن نشير إلى الهدف التركي الأول؛ ألا وهو القضاء على الإدارة الذاتية الديمقراطية التي باتت نموذجاً يُحتذى به في منطقة الشرق الأوسط كحلّ لوضع حدّ للحروب والنزاعات الدينية والعِرقية والإثنية في منطقة الشرق الأوسط ، كما تهدف تركيا والجيش الوطني التابع لها مع الفصائل الأخرى من المرتزقة لإضعاف قدرات الإدارة الذاتية في تأمين المياه والكهرباء للسكان، وإضعافها اقتصادياً وإشغالها في الجبهات الدفاعية؛ حتى تعجز الإدارة عن تلبية مطالب الأهالي والسكّان في العيش الكريم، ولتضع حدّاً لتنميتها المستدامة وإيقاف تطوّرها وتقدّمها، وتسعى تركيا بخطىً هادئة نحو هدفها العثماني بتطبيق الميثاق الملّي ليصل نفوذها إلى كلّ الشمال السوري مع حلب والموصل وكركوك وإقليم جنوب كردستان، وإقامة القواعد العسكرية فيها تحسّباً للتغيير الديمغرافي لسلخ هذه المناطق وضمّها إلى تركيا؛ والدليل على هذا الكلام هو ما تمارسه تركيا يومياً من شنّ الهجمات على محيط الرقة وكوباني وعين عيسى وتل تمر ومنطقة زركان والدرباسية، مستهدِفة المدنيّين ومستخدِمة كلّ أنواع وصنوف الأسلحة، بما فيها الطيران الحربي والمسيّرات التركية، منذ أكثر من 40يوماً، ولا يكاد يمرّ يوم دون أن ترتكب جرائمَ بحقّ المواطنين في مناطق الإدارة الذاتية والمناوبين المدنيّين على سدّ تشرين الذي بات يُسمّى اليوم “سدّ الشهداء”، كما يمكن لأي متابع للأخبار رصد هذه الحقيقة حول الجرائم التركية المرتكَبة بحقّ المدنيّين العُزَّل في محيط سدّ تشرين والمناطق المجاورة القريبة، كما هو في بلدة صرّين القريبة من السدّ.
وهناك مخاوف من انهيار السدّ تحت وطأة الضربات التركية؛ وهو ما قد يسبّب كارثة بيئية وبشرية وإنسانية واقتصادية وصحية، وقد لا تقتصر على الأراضي السورية فحسب، بل قد تمتدّ إلى الأراضي العراقية والمدن والقرى المبنية على ضفاف نهر الفرات، وتؤدّي إلى غمر مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، وقد تؤدّي إلى نزوح للسكان من عموم منطقة نهر الفرات، فيعمّ الفقر في البلاد، وقد يؤدي إلى هجرة خارجية تؤدّي إلى إفراغ المنطقة من ساكنيها، وتركيا لا تهتمّ بكلّ هذه المخاوف والنتائج الكارثية، ثم تأتي لتتحدّث عن الإرهاب والأمن القومي التركي وكأنّها وحدها التي يحقّ لها الحديث عن أمنها القومي، ولا تبالي بالجوار ولا بأمنهم السياسي والاقتصادي والغذائي. كما أنّ هناك مخاوف من انتشار الكوارث الصحّية والأوبئة مثل وباء الكوليرا والتيفوئيد.
الحكومة السورية الجديدة في دمشق:
لم تبدِ حكومة تصريف الأعمال، حتى الآن، أي موقف جدّي رادع لصدّ الهجمات التركية أو السعي لإيقافها؛ وهذا ما يثير كثيراً من الشكوك والتساؤلات حول هذا الغموض في الموقف، فالإعلان والتصريح لوضع حدّ لهذه الهجمات والاعتداءات التركية لا يكلّفها الكثير، لكنّها – مع ذلك – لم تُبدِ أي تصريح حول الحفاظ على سلامة الأراضي السورية والمحافظة على أمنها الوطني وسيادة الحدود السورية الشمالية.
ورغم وجود أصوات تدعو إلى اتّهام تركيا بأنّها دولة راعية للإرهاب، وتدعو تلك الأصوات إلى إخراج تركيا من حلف شمال الأطلسي؛ إلّا أنّ الموقف الدولي بدوره يبدو غير واضح وغير حاسم تماماً إزاء الهجمات التركية على سدّ تشرين والحدود الشمالية السورية، رغم ما تبديه هذه الدول من مواقف إيجابية حيال الإدارة الذاتية وقسد، ويبدو أنّ بعض هذه الدول تتفهّم مزاعم تركيا حول مخاوفها على أمنها القومي.
رغم كلّ ما يحدث؛ فإنّ قوات سوريا الديمقراطية مستمرّة في الدفاع عن حدودها وعن الحدود السورية الشمالية؛ وما يزيدها قوة هو التفاف الشعب، بكلّ مكوناته، حول الإدارة الذاتية، وما سيضاعف هذه القوة ويزيدها هي رغبة الشعب السوري في الساحل وفي الجنوب وفي المدن والمحافظات وفي الوسط بأن تقوم قوات قسد بحماية الجميع، وما سيرفع المعنويات أكثر هو قرب تحقيق وحدة الصف الكردي السوري؛ للذهاب إلى دمشق كفريق واحد من أجل تحقيق جميع المطالب الكردية ورفع الغبن المستمرّ لعشرات السنين عن كاهل الكرد.