قراءة في القمّة العربية الإسلامية في الدوحة والنوايا التركية والإيرانية
د. أحمد سينو

انعقدت القمّة العربية الإسلامية في العاصمة القطرية الدوحة للبحث في الردّ على الهجوم الإسرائيلي المفاجئ، الذي استهدف قادة حماس من المفاوضين حول الرهائن ووقف الحرب في غزة، كما انعقدت بالتوازي مع القمّة العربية الاسلامية قمّة خليجية ضمّت دول مجلس التعاون الخليجي، غاب عنها سلطان عمان وأمير دولة الكويت وملك البحرين ورئيس دولة الامارات العربية المتحدة، حيث حضرها مَن ينوب عنهم؛ وهذا يدلّ على عدم الانسجام والتوافق التام بين دول مجلس التعاون، خاصة في ما يتعلّق بدولة قطر وسياستها الدولية والإقليمية في دعم الحركات الإسلامية، مثل الإخوان المسلمين وحماس والجهاد الإسلامي وجبهة النصرة وهيئة تحرير الشام، بل أكثر من ذلك؛ فقد كانت قطر المقرّ المفضّل للقرضاوي صاحب الفتاوي الجهادية، كما أنّ قطر تستخدم فائض الأموال لديها في دعم الفصائل الموالية لها للتدخّل في محيطها الإقليمي والدولي؛ ولذلك تقف على النقيض من دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت.
وبالتالي؛ كانت القمّة الخليجية المنعقدة بالتوازي مع القمّة العربية الإسلامية لا تتعدّى حدود حفظ ماء الوجه أمام دول مجلس التعاون الخليجي، وخرجت بحروف ميّتة لتسلّط الأضواء على القمّة العربية الإسلامية، والتي بدورها – ووفقاً للبيان الختامي – اقتصرت على إلقاء الكلمات وفقاً لسياسات الدول غير المستقلّة، والتي في غالبيتها لديها علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة التي اكتفت بعبارات على لسان ترامب بأنّه على إسرائيل الحذر وألّا تعود مرّة أخرى لضرب قطر، وقد أشار نتنياهو إلى أنّه سوف يستهدف قادة حماس أينما كانوا، في حين تمحورت كلمات الرؤساء حول بحث التدابير الممكنة لمنع إسرائيل من مواصلة عدوانها ضدّ الشعب الفلسطيني، ومراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها، ويجب ألّا تفلت إسرائيل من العقاب ويجب مساءلتها في الأمم المتحدة، وأنّ دولة قطر وسيطة لإطلاق سراح الرهائن والأسرى، وأنّ استهدافها هو اعتداء على الجهود الدبلوماسية لأجل السلام، وتمّت إدانة إسرائيل بأشدّ العبارات، حسب زعم أمير قطر، الذي وصف الهجوم الإسرائيلي على قادة حماس بـ”الجبان”، كما ورد في البيان وجوب تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، وأنّها هي المسؤولة عن فشل المفاوضات، بل وصل الأمر بالرئيس المصري (السيسي) أن وجّه كلامه للشعب الإسرائيلي ليمارس الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لإيقاف الحرب في غزة؛ وهذا الأمر صعب المنال ما لم يتم تحرير الرهائن وإعادتهم إلى منازلهم، كما كان لافتاً أنّ كلمة الرئيس السوري لم تتجاوز عدة جمل أعلن خلالها وقوفه وتضامنه مع قطر، وأدان الهجمات الإسرائيلية على كل من قطر وسوريا؛ وقد اتّضح زيف إداناته، لأنّه في حالة تفاوض مع إسرائيل، وهو على وشك التوقيع على عدّة اتفاقيات مع إسرائيل تخصّ المناطق الجنوبية، بما فيها القنيطرة والجولان وجبل الشيخ.
الحقيقة أنّ إسرائيل قد أرعبت جميع الدول العربية والإسلامية، بما فيها تركيا والدول الخليجية وإيران، ومهما جرى الحديث في القمم العربية والإسلامية فإنّه يبقى دون جدوى، ويبقى حبراً على ورق، مثل اللجان العسكرية والدفاع المشرك والردع والردّ على إسرائيل؛ فكل البيانات العربية والإسلامية مخيِّبة لآمال جميع الأوساط الشعبية في كل البلاد العربية والإسلامية، لكنّ المشاركين استغلّوا المؤتمر لإجراء اللقاءات الجانبية، لتحقيق أجنداتهم في الخضوع للغرب وتأمين الحماية الإقليمية، كما في اللقاء الثنائي بين رئيس إيران وولي العهد السعودي، ولقاء الأخير مع رئيس وزراء باكستان (الدولة النووية الإسلامية) وتوقيع اتفاقيات سرّية لم يعلن عنها، وأغلبها يتعلّق بالأمن السعودي. والحقيقة المراد قولها هنا أنّ قطر قد تجاوزت حجمها الإقليمي والدولي، وتمادت في التدخّل الدولي والإقليمي خليجياً وعربياً، كما أنّ الدول العربية والاسلامية كلّها كانت غير جادّة في مخرجات القمّة وبياناتها. ويمكننا الإشارة إلى بعض الملاحظات التي لمسناها خلال هذه المؤتمرات واللقاءات:
1- لم تخرج من القمّة العربية الاسلامية بشكل مباشر أو غير مباشر كلمة إدانة للإرهاب الدولي وداعميه؛ خشية أن يلامس ذلك الدولة التركية وإيران، ومسّ خلفية الرئيس السوري المؤقّت أحمد الشرع وطاقمه الحكومي.
2- لم تمسّ حماس بكلمة؛ وكأنّ ما فعلته في 7 أكتوبر كان عملاً صحيحاً ومناسباً، ويرضي جميع الدول العربية والإسلامية.
3- المسؤولية في حرب غزة، والدمار والجوع والتهجير وغيرها هي مسؤولية ثنائية؛ ويقع الجزء الأكبر من تلك المسؤولية على عاتق حماس.
4- لم تجرؤ أيّة دولة عربية أو إسلامية على قطع علاقاتها مع إسرائيل ولا مع أمريكا؛ فحتى تلك الدول التي تدّعي الممانعة ومعاداة إسرائيل وأمريكا، تقوم من تحت الطاولة بالتودّد لإسرائيل وأمريكا؛ وهذا ما يسمى في العقيدة الإسلامية بمبدأ “التقيّة” (وهو إعلان شيء غير الحقيقة).
5- حتى أنّ تلك الدول لم تسحب سفراءها ولم تلغِ اتفاقياتها مع إسرائيل، بما فيها مصر وقطر والإمارات وغيرها.
6- لو كانت نوايا الدول العربية والإسلامية سليمة لكان بإمكانها تشكيل لجنة تفاوض عربية وإسلامية، ولعملت على إخراج حماس من غزة وأنقذت شعب غزة من الإبادة والتدمير، وعملت على إعادة الإعمار؛ وما تدّعيه تركيا وإيران لا يخرج عن نطاق أجنداتهما مع إسرائيل.
النوايا التركية:
حضر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القمّة للحصول على بعض المكاسب؛ فقد أبدى الاستعداد والمشاركة في تقديم الخبرات الدفاعية، وأعلن عن دعمه للشقيقة قطر ومساندتها لمجابهة الهجمات الإسرائيلية، متناسياً توغّله مع فصائله الإرهابية في الشمال السوري واحتلال الأراضي السورية. وبات يدرك جيّداً أنّه إذا ما استقبل قادة حماس فإنّ الضربات الإسرائيلية قد تطاله (حسب التصريح الإسرائيلي)؛ وقد ضربت إسرائيل كل مخازنه وقواعده في سوريا، وباتت سياسته مكشوفة للجميع دولياً وإقليمياً، خاصة مسألة دعمه للفصائل الإرهابية، ويضغط على الرئيس السوري المؤقّت أحمد الشرع ليماطل في تنفيذ اتفاق 10 آذار؛ بهدف تقزيم الحقوق الكردية والمكوّنات الأخرى في شمال وشرق سوريا.
فكلّ ما يطمح إليه أردوغان هو الخروج من مأزقه الاقتصادي، ومن أزماته الداخلية، وذلك بحضور القمم الدولية والقمم العربية والإسلامية، ولكن إسرائيل تقف له بالمرصاد في سوريا.
النوايا الإيرانية:
وضّح الرئيس الإيراني أنّه لا أحد بمنأىً عن الهجمات الإسرائيلية؛ ولذلك ينبغي توحيد صف الدول الاسلامية لمجابهة إسرائيل، متناسياً أنّه ودولته وراء كل هذا الخراب والدمار؛ من خلال دعم حماس والحشد الشعبي في العراق، كما يتناسى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أنّه يدعم حزب الله في سوريا ولبنان، وقد استهدفت إسرائيل مؤخّراً لبنان وقضت على اثنين من قياديّي حزب الله اللذَين كانا ينسّقان مع خلايا إرهابية داخل سوريا، ويعلم بزشكيان أنّه لايزال يرفض حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية ويهدّد بحرب أهلية في لبنان، كما أنّ بزشكيان لايزال يدعم الحوثيّين في اليمن، ولاتزال الحرب دائرة بينهم وبين إسرائيل من حين لآخر؛ وذلك للضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل لتمرير اتفاقها النووي مع الترويكا الأوربية (إنكلترا وفرنسا وألمانيا)، والجلوس مع أمريكا للتفاوض والعمل والاستمرار في تخصيب اليورانيوم، ورفع العقوبات الامريكية والأوربية والإفراج عن ملياراتها المجمّدة، كما تسعى إيران حالياً للمحافظة على النظام السياسي الإيراني وولاية الفقيه برئاسة علي خامني؛ لأنّه – وبحسب إسرائيل – يجب تغيير النظام الإيراني ليتغيّر الواقع الجيوسياسي في إيران والمنطقة.
الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا:
الواقع أنّ الإدارة الذاتية منفتحة على الجميع داخلياً وإقليمياً ودولياً، وتسعى بشكل حثيث لتطبيق اتفاق 10 آذار مع الشرع؛ ولكنّ التدخّل التركي يُلقي بظلاله على الاتفاق فيماطل أحمد الشرع في تنفيذ بنود الاتفاق، بسبب تطابق أجنداته مع أجندات حزب العدالة والتنمية. الإدارة الذاتية تعمل بشكل وازن مع التحالف الدولي، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، كما أنّ الإدارة الذاتية مرنة تجاه القمّة العربية الإسلامية، والغالب أنّ الادارة الذاتية تسعى بكل جهدها لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، ولكنّها واعية ومدركة لأجندات الجميع، وتسعى لتحقيق الاستمرارية في بناء علاقات متّزنة وطيّبة مع تركيا وإيران؛ لكن ليس على حساب المكوّنات في تركيا وإيران وغيرهما.