قراءة في مهزلة الانتخابات السورية.. وأحداث حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية.. والموقف الأمريكي والتركي
د. أحمد سينو
مقدّمة:
قبل الحديث عن الانتخابات التي جرت مؤخّراً في سوريا، وكذلك قبل الحديث عن أحداث دير حافر وحصار حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب، لابدّ من العودة قليلاً إلى الوراء بشأن ماهيّة السلطة المؤقّتة (حكومة الجولاني)، وسلوكها في مناطق سوريّة أخرى كالساحل في جبلة وفي طرطوس وريفهما، حيث تمّ ارتكاب مجازر مروّعة بحق السكان (العلويّين)، والمُدانة من لجان التحقيق الدولية والأممية والمحلّية، والتي لم تهتزّ لها شعرة من حكومة دمشق وأعوانها من الفصائل الأجنبية، كما ارتكبت مجازر بحق المسيحيّين وشنّ الهجمات ضدّ الكنائس، كما في كنيسة الدويلعة في دمشق؛ وليمرّر الجولاني جريمته في الساحل، وللتغطية عليها قام بتوقيع اتفاق /10/ آذار مع الجنرال مظلوم عبدي، والتي تضمّ /8/ نقاط تتعلّق بدمج قوات سوريا الديمقراطية في ما يسمّى بالجيش السوري، ثم بدأ الجولاني يماطل في تنفيذ الاتفاق، ليتسنّى للجولاني (المسمّى حالياً أحمد الشرع) استكمال مخطّطه وفق المشغّلين الذين أوصلوه إلى قصر الشعب؛ ومنها الإعلان الدستوري المؤقّت الذي جاء مناسباً لإدلب وعلى مقاسه ومقاس لحيته وعمامته السابقة.
انتهاكات أحمد الشرع لا تنتهي؛ حيث ارتكب مجازر السويداء وحرّض العشائر البدوية على قتل الشيوخ والنساء والأطفال، ثم كانت الهجمات الإسرائيلية الكثيرة التي استهدفت مخازن وبنية الجيش السوري وأسلحته الثقيلة منذ أيام الرئيس الهارب إلى موسكو، وكانت لقاءات الشيباني في باكو مع الوفد الإسرائيلي وبحضور ومباركة تركية، ثم في باريس. وبتوجيه من أردوغان توجّه الشيباني إلى موسكو ليعيد النفوذ الروسي في طرطوس وقاعدة حميميم لمواجه التوغّل الإسرائيلي، وكذلك للتغطية على قواعد عسكرية تنوي تركيا إقامتها، والتي تعرّضت للقصف الاسرائيلي، ناهيك عن افتعال حكومة دمشق لحرائق غابات الساحل، ولاتزال السويداء محاصرة وتعاني الجوع، ولا تقبل حكومة دمشق أن تقوم الادارة الذاتية الديمقراطية بتقديم العون والمواد الغذائية كالطحين والادوية لأهالي السويداء، كما فعلت الإدارة سابقاً مع أبناء الساحل، ورفضت حكومة دمشق أن تقوم الإدارة الذاتية بالمساهمة في إطفاء حرائق غابات الساحل.
مهزلة الانتخابات السورية (مجلس الشعب)
لن أدخل في تفاصيل اللجان والدوائر الانتخابية التي جاءت على مزاج أحمد الشرع، والذي وضع تشريعاً حسب الدستور المؤقّت الذي لم يستفتِ عليه الشعب السوري بمكوّناته؛ حيث جعل من /140/ عضواً منتخبين (ومرضيّ عنهم) من الجولاني نفسه، ثم خصّ نفسه بتعيين /70/ عضواً يقوم هو بتعيينهم، لتحقيق التوازن (حسب زعمه وزعم مطبّليه من الإعلاميين المأجورين). هذه الانتخابات أقصت كلّ مكوّنات المجتمع السوري من العلويين والدروز والكرد في مناطق شمال وشرق سوريا، ولم يشارك فيها المسيحيون ولا الكرد الإيزيديون ولا الشيعة ولا الاسماعيلية ولا المرشدية (وهم خائفون أصلاً من الاقتراب من كل ما يسمّى بالانتخابات)؛ والدليل هي الهجمات التي تكرّرت ضدّ العلويين في حي السومرية بدمشق، بحجّة أنّهم فلول النظام السابق، حيث تعرّضوا للقتل والطرد من منازلهم، فأيّة انتخابات هذه إذا ما كانت مناطق الإدارة الذاتية مقصيّة عنها، وهي التي تضمّ المدن والمحافظات السورية المعروفة مثل الرقة والحسكة والقامشلي، وغيرها من الأقضية والنواحي مثل مركدة والشدادي وعامودا ودرباسية وتل تمر ورميلان وغيره، ناهيك عن السويداء والقنيطرة ودرعا وجرمانا وصحنايا وغيرها؟! أيّة انتخابات هذه دون القيام بإحصاء حقيقي للسوريين بكل مكوّناتهم؟! أيّة انتخابات دون مشاركة حقيقية للمرأة السورية المعروفة بوعيها الوطني والسياسي وبثقافتها العالية وشخصيتها القيادية؟! أيّة انتخابات هذه التي أجرتها حكومة متسلّطة وسلفية مخالفة للقرارات الأممية مثل القرار /2254/ لتشكيل حكومة انتقالية تتوافق عليها كل مكوّنات الشعب لسوري مع كل القوى الوطنية والديمقراطية وأحزابها السياسية، وتشكيل دستور دائم يوافق عليه كل الشعب السوري بكل مكوّناته، ومن ثم إجراء انتخابات حقيقية تحت إشراف دولي وأممي وإقليمي؟! لم نجد لجاناً أممية تشرف على انتخابات حكومة دمشق، ولم نجد كذلك مراقبين دوليين ولا إقليميين سوى بعض القنوات الإعلامية العربية، مثل قناة الحدث والعربية التابعتَين للمملكة العربية السعودية، وقناة الجزيرة القطرية التي فضحت نفسها وتعرّضت لسخرية المشاهدين والمتابعين، ولابدّ من التنويه هنا إلى أنّ الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا قد رفضت هذه الانتخابات، التي كانت مَثار سخرية لدى جميع المكوّنات في مناطق الإدارة الذاتية.
أحداث حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية:
مرتزقة ما يسمّى بالجيش الوطني، الموالي لتركيا، وفصائله الأجنبية – التي يزعم أنّها منفلتة ولكنّها في واقع الأمر تابعة لقوات الأمن العام التابعة لحكومة الجولاني – نفّذت هجماتٍ ضدّ حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية ذوَي الغالبية الكردية. تقوم قوات الأسايش في الحيَّين المذكورَين بالردّ على هذه الهجمات، كما تردّ قوات سوريا الديمقراطية على هجمات الفصائل الموالية لتركيا، وكذلك تردّ على هجمات قوات الأمن العام التابعة لحكومة دمشق في دير حافر. قوات سوريا الديمقراطية لم تدخل بعدُ بكامل قوّتها وعتادها وردّت بقوّة على النيران المعادية بشكل مضاعف، كما قام السكان في الحيَّين المذكورَين بمظاهرات كبيرة لمواجهة الأمن العام، وتضامنت معهم مظاهرات تأييداً للسكان ولقوات الأسايش في كامل مدن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، في قامشلو والحسكة والرقة ورميلان وغيرها؛ رفضاً لتضييق الخناق على سكان الحيَّين ورفضاً للحصار والتجويع ومنع دخول المواد الغذائية، بل انتقل الأمن العام إلى إغلاق المتاجر في حيّ السريان في حلب رغم وقف إطلاق النار الذي جرى تأكيده في دمشق وبرعاية أمريكية. لقد عبّر السوريون عن رفضهم للحصار والتجويع في الحيَّين المذكورَين؛ وبرز ذلك بوضوح من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لنشطاء من الساحل ومن السويداء تضامناً مع قوات سوريا الديمقراطية، وقد هتف السوريون للإدارة الذاتية وللجنرال مظلوم عبدي، ولا يزال الحدث مستمرّاً.
الموقف الأمريكي والتركي:
في الواقع يبدو أنّ الولايات المتحدة الأمريكية مؤيِّدة لحكومة الشرع، بل هي التي أوصلته إلى قصر الشعب لتلبية متطلّبات المرحلة في منطقة الشرق الأوسط؛ وذلك للقضاء على بقايا الحرس الثوري في سوريا ومخازنه ومخدّراته، ولمواجهة الحشد الشعبي في العراق إذا فكّرت إيران بمهاجمة سوريا أو إسرائيل، ولقطع طريق الإمداد لحزب الله في لبنان القادم من العراق عبر مدينة البوكمال السورية، كما ترغب الولايات المتحدة أن يوقّع أحمد الشرع الاتفاقات الإبراهيمية مع إسرائيل، وترغب الولايات المتحدة كذلك في الوصول إلى الغاز السوري الكامن في الساحل في منافسة شديدة مع روسيا وتركيا.
إنّ سلوك الجولاني يدفع باتجاه تقسيم سوريا، رغم مزاعمه ومزاعم تركيا بأنّهما مع المركزية ومع وحدة الأراضي السورية. وقد استقبلت الولايات المتحدة الشرع في نيويورك، ليُلقي كلمة أمام الجمعية العمومية، وقد أثارت كلمته استياء جمهور السوريين في كل مكان. الدعم الامريكي للشرع يتم بمساندة سعودية وقطرية وتركية؛ ولعلّ من الأهمية بمكان الإشارة إلى زيارة توم براك والقادة الأمريكيين ومقابلة الجنرال مظلوم عبدي وإلهام أحمد ونظيراتها من الرئاسة المشتركة في الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، وذلك للتمهيد للقاء الذي تم مع الشرع ووزير دفاعه، للتأكيد على تنفيذ اتفاق /10/ آذار ووقف إطلاق النار بين قوات سوريا الديمقراطية وما تسمّى قوات الأمن العام؛ بمعنى أنّ أمريكا تحاول خلق نوع من الموازنة بين الجانبَين، وهذا ما فعلته أمريكا في السويداء، فالشرع لم ينهِ كل المهام التي جاء من أجلها، وبعد اللقاء الذي تم بين الجنرال مظلوم عبدي وأحمد الشرع، بحضور توم براك، طار الشيباني إلى أنقرة لتلقّي مهامّ جديدة وتعليمات جديدة من حكومة رجب طيب أردوغان.
الموقف التركي:
بات الموقف التركي واضحًا تجاه قوات سوريا الديمقراطية، وتجاه الكرد في كردستان الشمالية رغم مبادرة السلام التي أعلنها زعيم حزب العمال الكردستاني، وحتى هذه المبادرة يريد أردوغان استثمارها لتغيير الدستور لصالحه لولاية جديدة، رغم المعارضة الداخلية وتدهور الاقتصاد التركي الذي بات يثقل كاهل كل الشعوب التركية، ومن منظوري أجد أنّ تركيا عينها على منابع النفط والغاز في عموم سوريا؛ فعينها على غاز الساحل، وتفتعل تركيا الأزمات بحق العلويين، وتتسبّب بارتكاب المجازر وحرق الغابات، وأداة تركيا في ذلك هي حكومة الشرع السلفية الموالية لحزب العدالة والتنمية، كما أنّ لتركيا مطامع في نفط دير الزور وخاصة حقل العمر والحقول المجاورة؛ ولذلك تعيق التفاهمات بين حكومة الشرع والإدارة الذاتية الديمقراطية، وتسعى حكومة دمشق – وبتعليمات تركيّة – لانتزاع دير الزور من الإدارة الذاتية، كما تستعجل تركيا لتنفيذ اتفاق /10/ آذار، وخاصة ما يتعلّق منها بدمج قوات سوريا الديمقراطية مع الجيش السوري، ومسألة الدمج مطلبٌ تركيٌّ، حتى أنّ تركيا تريد تفكيك وحلّ قوات سوريا الديمقراطية ونزع أسلحتها الثقيلة؛ وذلك حتى تنقضّ فيما بعد على مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وتنهي أيّة مطالب كردية ووطنية مستقلّة لباقي المكوّنات، وتنجح في تحقيق أمنها القومي (المزعوم)؛ لذلك لا يمكن الوثوق بتركيا ولا بوعودها ولا بمواثيقها، وهي كذلك مع أوربا والغرب وروسيا.
