الانتخابات البلدية (المحلية) التركية… دلالات ورسائل

  الدكتور: أحمد سينو

جرت الانتخابات البلدية التركية في ٣١/آذار، وأسفرت عن هزيمة مدوّية لحزب العدالة والتنمية وزعيمه رجب طيب أردوغان دوليًا وإقليميًا وداخليًا، وحملت دلالات ورسائل هامة إيذانًا بأفول عصر أردوغان ومقدّمة لأفول هذا النظام، ومن أولى الدلالات أنّ تركيا القادمة هي تركيا علمانية، وأنّ أردوغان لم يعد بمقدوره التلاعب بالدستور الذي سيرجع إلى سابق عهده ويصلح كلّ ماعبث به حزب العدالة والتنمية.

ومن أهم الدلالات سقوط الإسلام السياسي في تركيا، والذي كان أردوغان يتّخذه قناعًا ويتنقّل بواسطته بين المدن والولايات التركية بخطبه الرنّانة ووعوده المزيّفة، ومن الرسائل الهامة للانتخابات البلدية في تركيا  فشل وعجز أردوغان عن إصلاح الوضع الاقتصادي التركي الذي ساء كثيرًا؛ فقد بلغت نسبة التضخّم أكثر من ٧٠% وتدهورت قيمة الليرة التركية أمام الدولار، وعجز أردوغان عن معالجة الغلاء والوضع المعيشي للسكان وتفاقم أزمة البطالة التي طالت أغلب الشرائح الاجتماعية، ناهيك عن أزمة السكن التي باتت متفاقمة خاصة بعد الزلازل القوية التي ضربت تركيا؛ مثل زلازل كهرمان مرعش وغيرها. وبات أكثر من نصف المتضرّرين بلا مأوى وفي قارعة الطريق.

لقد خسر أردوغان بلدية اسطنبول وأنقرة وإزمير وغيرها من المدن الكبيرة لصالح المعارضة، خاصة حزب الشعب الجمهوري وزعيمه الجديد أوزيل، كما فاز حزب DEM بأكثر من ٧٠ بلدية في باكور كردستان، رغم محاولة العدالة والتنمية اتّباع الأساليب السابقة من الدسّ والتزوير عبر أزلامه وجلب جنود من الجيش التركي للتصويت، وبعد فشل هذه المحاولات لجأ إلى القوة بفرض مرشّحه في مدينة “وان” وغيرها، إلّا أنّ الردّ كان كبيرًا وجماهيريًا؛ فقامت المظاهرات والاحتجاجات في الكثير من المدن الكردية في “وان” وفي مدينة “شرناخ” وضواحي المدن الكبرى. لقد أظهر أردوغان عجزه أمام الغرب وأمريكا في لعب الدور الإقليمي المرجو، من خلال عملياته العسكرية في باشور كردستان، وتناغمه مع السلطات الإيرانية واحتلاله الشمال السوري، وتناغمه تارة مع النظام السوري وتارة مع ملالي إيران ودعمه لحماس وداعش، ومع روسيا واستانة عوضًا عن الامتثال للقرار الأممي ٢٢٥٤ .

لقد فشل أردوغان في إحداث شرخ داخلي، وكان بإمكانه أن يحافظ على التوازن الداخلي ويحدث مفاجأة بالنسبة للكرد دون إقامة تحالفات علنية؛ كأن يخفّف الوطء على سجن إمرالي، ويسمح لذوي القائد أوجلان بزيارته، ويسلّط الصحافة الدولية والرقابة الصحية على سجن إمرالي تمهيدًا لفكّ أسره، والدخول في مفاوضات لحلّ القضية الكردية.

 حينها كان يمكن القول أنّ أردوغان قد أحدث تطوّرًا في القضايا الداخلية، وساهم في حلّ القضية الكردية في باكور كردستان. لكنّ أردوغان بقي أسير كرهه للديمقراطية والسلام والمساواة والاستقرار والتنمية؛ لأنّه بات يكرّر نفسه ولا جديد لديه.

زر الذهاب إلى الأعلى