خطاب النظام السوري تجاه قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية

وصف الرئيس السوري المؤقّت أحمد الشرع، وفي في أكثر من مناسبة، قوات سوريا الديمقراطية بأنّها لا تمثّل إلّا فئة محدودة من الكرد، بل ذهب إلى اعتبارها وكيلة لأجندات خارجية؛ هذا التوصيف يحمل في طيّاته أكثر من دلالة، ويعني نزع الشرعية السياسية عن قوات سوريا الديمقراطية، وتقويض أية تجربة ديمقراطية تشاركية من خلال التقليل من الحجم التمثيلي لقوات سوريا الديمقراطية؛ ومن ثم توظيف هذا الخطاب لاستمالة الشارع العروبي، من خلال تأطير قوات سوريا الديمقراطية كتهديد قومي أو انفصالي. النظام يرفض الاعتراف بأية إدارة ذاتية خارج سلطته، ويعتبرها تمرّدًا أو تفكّكًا، واختزل الشرعية من خلال سيطرته على السلطة وادّعائه بأنّه يمثّل الأكثرية، وفي ظل غياب انتخابات حرّة ونزيهة، تصبح السلطة أداة للتهجّم، لا للحكم الديمقراطي.

وفي هذا السياق؛ فإنّ لخطاب “الأقلّية والأكثرية” تداعيات كبيرة على مستقبل الديمقراطية، مثل تعميق الانقسام المجتمعي، كما أنّ تأطير القوى يقوّض الوحدة الوطنية، ويكرّس مشاعر التهميش والإقصاء، خاصة لدى المجتمعات التي تعرّضت للاضطهاد التاريخي مثل الشعب الكردي.

والديمقراطية الحقيقية تُبنى على مبدأ المواطنة التشاركية، لا على الأوزان الديموغرافية أو الهوياتية، كما أنّ استخدام خطاب الأكثرية يؤدّي إلى تمييز ضمنيّ بين مواطنين من الدرجة الأولى وآخرين مشكوك في تمثيلهم؛ وهذا ما يؤدّي الى نسف فرص الحلّ السياسي الشامل. في حين أنّ أيّ حلّ سياسي مستقبليّ إنّما يتطلّب إشراك كل القوى الفاعلة على الأرض. وفي المقابل؛ فإنّ التمترس خلف خطابات الإقصاء يعيق أي تفاوض جادّ، ويُعيد إنتاج الاستبداد بمسمّيات جديدة.

وعلى أيّة حال؛ فإنّ تجربة الإدارة الذاتية كنموذج بديل، ورغم التحدّيات، تظلّ محاولة جدّية لتأسيس شكل جديد من الحكم المحلّي، في بيئة تفتقد للاستقرار؛ فالمكاسب التي تحقّقت، من دحر داعش، إلى بناء المؤسسات التعليمية والخدمية وغيرها، لا يمكن إنكارها، وهذه الإنجازات لم تكن لتتحقّق لولا وجود إدارة سياسية فاعلة، وكذلك لولا تحالفات محلّية عابرة للقومية والطائفية.

وإذا ما كانت سوريا مقبلة على مرحلة جديدة فإنّ الخطاب السياسي يجب أن يتغيّر جذريًا؛ فمن التركيز على الهويات نحو التركيز على الحقوق، ومن مركزية القرار إلى تشارك السلطة، ومن التمثيل العددي إلى التمثيل التشاركي. وينبغي كذلك الاعتراف بأنّه لا أحد يمكنه أن يدّعي احتكار تمثيل الأكثرية أو الأقلّية في ظل واقع معقّد، بل إنّ الحلّ يكمن في شراكة حقيقية تبدأ بالاعتراف المتبادَل بين كلّ القوى الفاعلة.

إنّ منطق “الأقلّية والأكثرية” لهوَ أحد أبرز العوائق أمام بناء الدولة الديمقراطية في سوريا، والخطاب الرسمي الذي يطعن في شرعية قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية بناءً على أساس عرقي أو ديموغرافي، إنّما يتناقض مع مبادئ التعدّدية والمواطنة. وعليه؛ فإنّ أيّ مشروع لبناء دولة جديدة يجب أن يرتكز على الأسس التالية:

• الاعتراف بالتعدّدية السياسية والثقافية كمكوّن أساسي للهوية السورية.
• التخلّي عن الخطاب الإقصائي الذي يستخدم الأقلّية كذريعة للرفض.
• دعم أشكال الحكم المحلّي واللامركزي، والتي تعزّز المشاركة المجتمعية.
• إجراء حوار وطني شامل يضمّ كل القوى الفاعلة دون استثناء.
• التأسيس لدستور جديد يضمن المواطنة المتساوية، بعيدًا عن الهيمنة.

وبهذا يمكن أن تتحوّل تجربة روجافا من محلّ نزاع إلى نموذج يُحتذى به في بناء دولة لا تقوم على عدد السكان، وإنّما على شراكة المكوّنات.