الحركة السياسية الكردية والمرحلة

كرديار دريعي

                                                                    

تمر منطقة الشرق الاوسط بتغييرات مصيرية بالنسبة لشعوب المنطقة ومن ضمنها كردستان وقضية الشعب الكردي , هذا الشعب الذي واجه في العقد الاخير ورغم عدم  امتلاكه لإمكانيات الدول وقدراتها اعتى فاشية إسلاموية ,- اسقطت الحكومات وهزمت بعض الدول خلال شهور – , واستطاعت هزيمتها وابعاد شبح اعادة شعوب المنطقة الى عصور الظلام , وبغض النظر عن حقيقة وكيفية تشكل وظهور هذه القوى الارهابية وتمددها في دول عديدة من الشرق الاوسط وشمال افريقيا , وحقيقة الاهداف والاجندات الدولية المخبأة خلف تلك القوى , غير أن الابرز منها هو عودة الصراع بين القوى الدولية على النفوذ في العالم والشرق الاوسط الى جانب استماتة الدول الاقليمية وخاصة ( تركيا وايران ) في الحفاظ على كياناتهم الموجودة ونمط أنظمتها القمعية والساعية الى فرض لوزان واتفاقيات جديدة  ,تمنع أية فرصة  للشعب الكردي للتحول الى لاعب جديد وامكانية دخوله في اللعبة او السياسة الدولية حول المنطقة .

لذلك نجد  وعلى الاخص تركيا الحليف للنيتو وثاني اضخم جيش فيه , يقوم بقيادة  مشروع انهاك الشعب الكردي وقواه التحررية وافراغ مكتسباته من اي مضمون أوامل في الوصول الى التجسد في أي شكل من اشكال الاستقلال وأن كانت مجرد إدارات محلية . لذلك ليس من باب البروبوغندا الإعلامية يعلن الرئيس التركي الحالي رجب طيب ارد وغان وفي كل محفل دولي او داخلي من انه لن يسمح باي كيان كردي في المنطقة ويعلن صراحة حقده حتى على اقليم كردستان الجنوبية ويتمنى لو لم يسمح بها  , وانما ينطلق الرئيس التركي من مبدأ أن ما بعد لوزان لا بد وأن يطفوا مسألة شعب تعداده اكثر من 50 مليون نسمة , اكثر من نصفهم  يرزحون تحت الاحتلال التركي على سطح السياسة الدولية , وأن يكون جزأ من الترتيبات الجديدة للمنطقة تماشيا مع مصالح الدول الرأسمالية التي تجدد نفسها وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية ولذلك يعد اي مكسب كردي هو نخر في عرش دولته المتهالكة .

أن وصول الدولة التركية الى هذه المرحلة من العداء الصريح والحرب العلنية على الكرد , مع ادراكه لسلبيات هذه الصراحة الفاشية الفجة  تجاه شعب كامل وانعكاسه على الرأي العام العالمي الذي يقف اليوم عاجزا على مسايرة الاهواء التركية الى النهاية  رغم المصالح العميقة معها , دليل على درجة الارتباك والخوف من صعود القضية الكردية كقضية دولية  ما عاد بالإمكان طيها  وابقائها  في اطار الدول التي تتقاسم كردستان بعيدة عن التغييرات الدولية التي لا بد وانها ستحمل تغييرات للشرق الاوسط الذي لن يكون هو بعد 100 عام من لوزان .فما شهدته المنطقة  خلال متابعة العقد الماضي من زلازل اجتماعية وسياسية  ,وضعت امكانية بقاء الترتيبات السابقة واشكال الانظمة  للدول  محل شك وعدم يقين . اذ ان الصراع الدولي على النفوذ  اليوم مشابه لما كان خلال الحربين العالميتين  وانعكاسهما على الشعوب والترتيبات في الشرق الاوسط  أنذاك وان كان بشكل ابطأ واقل فجاجة وذلك لما تتمتع به الدول اليوم من قوة تدميرية لا يستطيع احد التنبؤ في اية لحطة قد تخرج عن السيطرة وتحول الحياة البشرية الى وهم .

عندما نقول ان تركيا هي التي تقود مشروع انهاك الشعب الكردي وقواه التحررية  فلأن الدول الاخرى المتقاسمة لكردستان  في اوضاع سياسية داخلية وخارجية منهكة وتعيش ازمات خانقة باتت لا تدرك و تخشى حتى على بقائهم هم كدول  . وبالتوازي مع كل ذلك ,هل الشعب الكردي أو الحركة السياسية الكردية اليوم قادرة على قيادة المرحلة التاريخية و الولوج الى مئوية جديدة اكثر قوة وارادة وتصميما على انهاء التراجيديا الكردية ؟ حقيقة ومن خلال تأمل السياسات الممارسة من قبل  الاحزاب الكردية وقواه الرئيسية خلال العقود السابقة وخاصة في العقد الاخير نلاحظ وبحسب كل جزء من كردستان بانه  في غرب كردستان اثبتت الاحزاب الكردية افتقارها الى القراءات العميقة للمرحلة المعاشة  وعدم امتلاكها لرؤية  واضحة لما بعد المرحلة وعجزها عن أن تكون مواكبة لوعي الجماهير وتطلعاته ,  ليتحولوا الى أحزاب جامدة  وممارسة سياسة سطحية غير متزنة حيث عفى عليها الزمن ,وتحول بعضها  من تبني المشروع القومي الكردي الى تبني  المشروع الإخواني التركي والعمل بالضد من قضايا شعبهم  سواء عن جهل أوعن وعي , واقصد بها (المرحلة ضمن  الازمة السورية والدور الكردي فيها  ) باستثناء حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتخذ من فلسفة المفكر عبدالله أوجلان نهجا له , الذي ادرك حقيقة المرحلة ومن خلال تشكيل جبهة داخلية  تمكن من طرح مشروع حل للقضية الكردية  وفق مفهوم الامة الديمقراطية وبناء الإدارة الذاتية وهو المشروع الوحيد الذي طرح وعمل لأجله في غرب كردستان  ,في الوقت الذي تحولت فيه المشاريع الأخرى الى مجرد شعارات لبعض الأحزاب التي حاربت وتحارب المشروع الديمقراطي تناغما مع الدولة التركية وسياساتها ,   أما في باكور كردستان:  ورغم تواجد الاحزاب الكردية الاخرى ما عدى العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي غير ان الريادة وقيادة المرحلة  تكاد تكون محصورة بالحزبين الاخيرين والذين يعدان من  الأحزاب المتبنية لنهج وفلسفة المفكر عبدالله أوجلان , وفي باشور كردستان و نتيجة لانشغال الحزبين الرئيسيين الديمقراطي الكردستاني بزعامة العائلة البرزانية والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة العائلة الطالبانية بصراعهما على النفوذ وتقاسم الثروة  , الذين لا يذالان  معتمدتين على كل من تركيا كحزب ديمقراطي وايران كاتحاد الوطني في ادامة سلطاتهم التي لا اتوقع لها الاستمرارية في المستقبل , فقد تحول باشور كردستان الى محميات عائلية  وفقدوا نتيجة لذلك المصداقية عند الشعب  , وفي الاثناء يخوض العمال الكردستاني صراعا دمويا في مواجهة الة القتل للفاشية التركية وتزداد شعبية  يوما بعد الاخر . وفي شرق كردستان : ونتيجة لصعود سلطة الملالي بعد ثورة الخميني1978   على الشاه محمد رضا بهلوي , تمكن من بالحديد والنار من اضعاف الاحزاب الكردية هناك واجبارهم على التراجع والانحسار لتشهد شرق كردستان شبه صمت وركون للنظام القائم الذي استمر في سياسته الدموية تجاه الكرد رغم انحسار الاحزاب الكردية المسلحة  التي  اضطرت لممارسة العمل السري او الهجرة خارج كردستان او اللجوء لباشور كردستان في قواعد حدودية غير مسموح لها ممارسة انشطة ضد ايران من هناك وتشكل حزب  ب ا ج ك المتحصن في سلاسل جبال قنديل  حيث بدوره يتخذ من فلسفة المفكر عبدالله اوجلان نهجا والذي يبدوا من اكثر الاحزاب ديناميكية الى جانب كل من الديمقراطي الكردستاني ايران وحزب كوملة اليساري .

لكن ومن  خلال ما ذكرناه  اعلاه حول اجزاء كردستان نلاحظ  أن ما يطفوا الى السطح هو وجود سمة مشتركة  بين الاجزاء الاربعة من كردستان  , وهو وجود الأحزاب المتبنية لفكر وفلسفة المناضل عبد الله أوجلان  الاكثر ديناميكية وتنظيما وان بدرجات متفاوتة من جزء لآخر, في الوقت الذي يقتصر تواجد ونشاط الاحزاب الاخرى على الجزء الكردستاني  الموجود فيه بشكل عام . ولذلك نجد بان  المستهدف الاول من قبل الدول المتقاسمة لكردستان وبالأخص تركيا  هي الحركات والاحزاب الكردية التي تستند الى نهج وفلسفة المفكر عبدالله اوجلان والتي ان اعتبرناها منظومة متكاملة فهي المنظومة التي تسعى الدول الغربية سرا او علانية للتحالف او الشراكة معها في سعيها لتحقيق  أجنداتها السياسية  في المنطقة , لذلك وباعتقادي فان قيادة وحمل مسؤولية القضية الكردية و مشاركة القوى الغربية في رسم السياسات الجديدة حول الشرق الاوسط وكردستان ما بعد مؤية لوزان  سيكون على عاتق هذه المنظومة  وستتراجع القوى الكردستانية الكلاسيكية شعبيا وعسكريا امامها الى ان تتلاشى تأثيرا وفعالية بحكم جمودهم وعدم مواكبة المرحلة ,  خاصة في روجافا وباشور وباكور كردستان .  ما بعد لوزان هو ما بعد مئة عام من الانكار والإبادات وحرمان الشعب الكردي من تقرير مصيره وسيكون  الدور الفاعل في قيادة الشعب الكردي في المئوية الجديدة هو للمنظومة المعتمدة على فلسفة سجين الحرية في امرالي المفكر عبدالله أوجلان .

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى