قمة شنغهاي 2025 للتعاون… والطموح الإيراني فيها
د. أحمد سينو

عُقدت قمة شنغهاي للتعاون في 31 آب في مدينة تياجين الساحلية الصينية على مدى يومين متتالين، إلى جانب الرئيس الصيني شي جين بينغ، حضر القمة رؤساء أكثر من عشرين دولة؛ منهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، ورؤساء كل من كوريا الشمالية وأندونيسيا والفيتنام وتركيا وإيران وبيلاروسيا وغيرهم، إضافة إلى رؤساء عشر منظمات دولية؛ من أبرزهم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، وتم توقيع أكثر من 20 وثيقة أساسية واستراتيجية، ولا شكّ أنّ القمة قد شكّلت تحوّلاً في المعطيات الجارية في السياسة الدولية، خاصة بالنسبة للدول الكبرى التي حضرت القمة، مثل الصين وروسيا والهند، كما وضعت أساساً متّفقاً عليه في الشراكة، خصوصا للدول الثلاث الكبرى التي مرّ ذكرها آنفاً، والتي تبدو عازمة على مواجهة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية التي تحاول فرض العقوبات الاقتصادية والرسوم الجمركية، كما تحاول فرض نوع من الحصار الاقتصادي؛ ومن هنا جاء الردّ الروسي والصيني للتقارب والتحالف الإستراتيجي مع كوريا الشمالية التي تعاني من العزلة الدولية، والتي قدّمت الكثير من جنودها لصالح روسيا في حربها مع أوكرانيا – رغم تصريح الصين أنّها تقف على الحياد- في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، كما حاولت الولايات المتحدة إحداث شرخ بين روسيا والصين، عندما استقبل الرئيس الأمريكي ترامب الرئيسَ بوتين على الأراضي الأمريكية في قمة آلاسكا بمزيد من الحفاوة والتكريم، وأثناء إلقاء الكلمات وأثناء الوداع، بل نستطيع القول أنّ بوتين قد خرج منتصراً من اللقاء وكسر العزلة المفروضة عليه من أمريكا وأوربا، بل حتى يمكن القول أنّ سياسة ترامب المتشدّدة تجاه روسيا والصين والهند قد ساعدت على التلاحم القوي بين أعضاء مؤتمر شنغهاي وقرّبت بين الدول أكثر؛ ومثال ذلك الرسوم التي فرضها ترامب على الهند قد دفعتها للانضمام إلى قمة شنغهاي ، وقد بلغت الرسوم الأمريكية المفروضة على الهند أكثر من 50%، والهند دولة كبيرة في القارة الآسيوية وحقّقت نموّاً اقتصادياً في العام الفائت أكثر من الولايات المتحدة وأكثر من الصين، حيث بلغ النمو لديها 5%، كما أنّها دولة نووية وكبرى فتقاربت مع الصين رغم التنافس بين الدولتَين في القارة الآسيوية وفي مناطق التوتّر بينهما، الرئيس الهندي ناريندرا مودي لم يردّ على اتصالات الرئيس الأمريكي الذي اتّصل به أربع مرّات؛ وفي هذا دلالة واضحة على أهمية الهند بأنّها لن تخضع للرغبات الأمريكية والغربية، ومن هنا يمكن القول أنّ الغرب وأمريكا قد خسرتا الهند كما خسرتا سوقاً ضخمة من الناحية الاقتصادية في التجارة العالمية.
قمة شنغهاي والطروحات الجديدة:
لن أتطرّق إلى العرض العسكري الصيني، ولا إلى اللقاءات الثنائية على هامش القمة بين الرؤساء الحاضرين، بل سأشير إلى أهم المشروعات الاقتصادية والعسكرية الصينية والروسية، والتي سوف تترك آثارها على الشرق الأوسط، والتي تم فيها الاتفاق بين روسيا والصين، وسميت بالمشروعات الإستراتيجية الكبرى، ومن بينها الطاقة وإمدادات الغاز بين الشركات العملاقة، مثل “قوة سيبيريا” وشركة البترول الوطنية الصينية، وتمديد أنبوب غاز من روسيا إلى الصين، وشمل التعاون بين الجانبين صناعة الطائرات حيث ستنقل موسكو تقنيات صناعة المحركات إلى الصين، إلى جانب الصناعات في مجال الفضاء والذكاء الاصطناعي؛ بمعنى أنّ الأمر قد وصل إلى تحالف في المقام الأول يرتقي إلى التوازن مع حلف شمال الأطلسي، ولكن بثوب اقتصادي وتعاون استراتيجي أساسه العدالة والمساواة في الشراكة والتنمية الاقتصادية المستدامة، ويمكن الاستنتاج من خلال الأعضاء والمشاركين أنّ قمة شنغهاي تسعى لتحقيق الأهداف التالية:
*محاولة طرح مفاهيم جديدة في السياسة الدولية، والسعي إلى عالم متعدّد الأقطاب بدلاً من عالم أحادي القطب أو ثنائي القطب، لتحقيق المساواة الدولية والتمثيل الأممي.
*مجابهة الغرب والولايات المتحدة في الهيمنة الأحادية، وفرض الرسوم الجمركية على الدول الأخرى.
*رفض كل أشكال الإرهاب والتدخّل في الشؤون الداخلية للدول، والتركيز على النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.
*مواجهة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، كتحالف اقتصادي بارز؛ لأنّ أغلب دول
قمة شنغهاي هي دول نووية، مثل روسيا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية، ولديها القدرة على المنافسة.
* وضع خطّة تنموية مستدامة لغاية عام 2035م، والطموح لتشكيل نظام حوكمة عالمي أكثر عدالة وعقلانية.
*وبناء على ما ذكرنا؛ يمكن التكهّن بإعادة هيكلة مؤسسة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وزيادة عدد أعضائهما، وتحديث محكمة العدل الدولية والجمعية العمومية ومجلس الوصاية وغيرها بما يحقّق العدالة والمساواة.
*قد يتم وضع معايير جديدة للدول النامية التي لديها رغبة بأن تصبح دولة نووية خاصة للأغراض السلمية.
الطموح الإيراني في قمة شنغهاي:
لا شكّ في أنّ لقمة شنغهاي أهمية كبيرة جداً، وتنطوي على الكثير من المتغيّرات التي سوف تحدث في المستقبل، ومن المؤكّد أنّ تأثيرها سوف يطال الشرق الأوسط؛ لأنّ لها دوراً مهمّاً في الأحداث البارزة في سوريا وفلسطين والعراق ولبنان وفي شمال وشرق سوريا؛ وسنحاول قراءة الطموح الإيراني في قمة شنغهاي، خاصة بعد الحرب الأخيرة بين إسرائيل وأمريكا من جهة وإيران من جهة أخرى، والتي كانت نتيجتها تدمير المنشآت النووية الإيرانية. والسؤال هنا: هل كفّت إيران وتوقّف طموحها في التوسّع والهيمنة في منطقة الشرق الأوسط؟ وهل توقّفت أذرعها المعروفة عن العبث في منطقة الشرق الأوسط؟
والحقيقة الساطعة والواضحة للعيان هي: صحيح أنّ إيران قد ضعفت إثر الضربات الأمريكية والإسرائيلية، لكنّها لاتزال تمارس سياستها السابقة في منطقة الشرق الأوسط، وصحيح أيضاً أنّها قد خسرت نفوذها في سوريا نتيجة سقوط نظام بشار الأسد، لكنّ نفوذها لايزال موجوداً عن طريق حزب الله وزعيمه نعيم قاسم الرافض لتسليم سلاح حزب الله إلى الدولة للبنانية، وهو أحد الأذرع الرئيسية لإيران، ولا تزال المشكلة قائمة في لبنان، والتي هي قاب قوسين أو أدنى من اندلاع حرب أهلية بسبب رفض حزب الله تسليم سلاحه للدولة اللبنانية؛ ما أدّى لانسحاب الثنائي الشيعي من الحكومة اللبنانية رغم قدوم لاريجاني إلى بيروت ولكن لا نتيجة حتى الآن، وتنتظر الضوء الاخضر الإيراني والمرهون بالملف النووي الإيراني. والأمر ذاته ينطبق على حماس في فلسطين وقضية الرهائن الإسرائيليين؛ فبعدما تم تدمير غزة بشكل شبه كامل، ورغم مئات الضحايا يومياً، ورغم المجاعة، ورغم الضربات الإسرائيلية اليومية؛ إلّا أنّ حماس – التي تمثّل الذراع الإيرانية الثانية – لا تزال ترفض تسليم الرهائن، وهذا الملف مرتبط بالملف النووي الإيراني الذي لايزال على الطاولة ينتظر المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية. والأمر ذاته ينطبق على الحوثيين في اليمن، الذين يشنّون الضربات ضدّ السفن الغربية والإسرائيلية، ويعطّلون حركة الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. وتبقى الذراع الإيرانية الرابعة في العراق المتمثّلة بميليشيا الحشد الشعبي التي تحاول شرعنة وجودها في العراق، وتتهيّأ لتنفيذ السياسة الإيرانية في سوريا والعراق لتكون فيما بعد حرساً للممرّ الإيراني إلى لبنان عبر سوريا، لتعطّل المشاريع الأميركية والإسرائيلية في سوريا، خاصة في الجنوب السوري المحاذي لإسرائيل، وخاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من قاعدة “عين الأسد” في العراق، وإرسال جنودها إلى أربيل والأردن وإلى شمال وشرق سوريا (مناطق الإدارة الذاتية).
في المفاوضات القادمة مع أمريكا:
هناك اتصالات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، والغالب أنّها حاليا تتم من تحت الطاولة، ورغم مفاوضات إيران مع الترويكا الأوربية إلّا أنّها لم تنجح؛ لأنّ إيران رفضت التوقّف عن تخصيب اليورانيوم، ولذلك هدّدت الترويكا بتفعيل آلية الزناد، ولا تزال المفاوضات الإيرانية متوقّفة رسمياً وغير معلَنة؛ ومن أجل ذلك تسعى إيران إلى تقوية أوراقها في التفاوض عبر انضمامها إلى قمة شنغهاي للتعاون، وتلعب بورقة النفط والغاز الإيراني للصين وروسيا وربما الهند، وحتى قبل انعقاد القمة كانت هناك لقاءات روسية – إيرانية لتقوية أوراقها التفاوضية وتقوية صواريخها البالستية عبر الاستعانة بالخبراء الروس والصينين، وإعادة الحياة لمفاعلاتها النووية.
الولايات المتحدة الأمريكية لا تسعى لتغيير النظام الإيراني، بينما اقتنعت إسرائيل تماماً بأنّ الخطر الإيراني لا يمكن أن يزول إلّا بتغيير النظام، ومن المحتمَل أن تستخدم إيران أذرعها في المفاوضات مع أمريكا بشكل كامل أو بشكل جزئي إذا ما سُمِح لها بتخصيب اليورانيوم وتطوير صواريخها الباليستية، وإذا رُفِعت العقوبات الأمريكية والأوربية عنها وتمّ تحرير أموالها المجمّدة في أمريكا والغرب.
الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا وقمة شنغهاي:
لاشك في أنّ موقف الإدارة الذاتية لا يتعارض مع قمة شنغهاي؛ فهي تدافع عن جميع مكوّناتها، وتقف ضدّ الإرهاب وضدّ مشاريع الانفصال، وهي أيضاً تشجّع الاستقرار والتنمية المستدامة والسلام، وتسعى دوماً لأن يكون لها دور في إرساء العدالة الدولية والمحلية، وفي وضع دستور دائم للبلاد، وللإدارة الذاتية اتصالات وزيارات إلى روسيا الاتحادية، ومؤخّراً لديها اتصالات مع تركيا التي بدورها حضرت قمة شنغهاي عبر رئيسها أردوغان، فهو الذي أوعز للشرع والشيباني بزيارة موسكو ليظهر لروسيا أنّه يقدّم لها خدمات، وتركيا هي المسؤولة عن تعثّر المفاوضات بين الإدارة الذاتية وحكومة الشرع المؤقتة في سوريا، خاصة فيما يتعلّق بتطبيق اتفاق 10 آذار بين الجنرال مظلوم عبدي والشرع؛ وخوف تركيا نابع من تطبيق اللامركزية أو الفيدرالية في مناطق الإدارة الذاتية، وبالتالي تخشى تركيا من أن تنتقل العدوى إلى الداخل التركي؛ فالإدارة الذاتية جدّية في مطالبها، حيث قدّمت أكثر من 20 ألف شهيد من أبنائها، وهي عازمة على نيل حقوق كافة المكوّنات في شمال وشرق سوريا، بل في عموم سوريا.