تحالف الحداثة مع العولمة… ترامب وماسك نموذجاً

د.لقمان عبد الله

تُعتبَر الولايات المتحدة الأمريكية رأس الهرم في مرحلة الحداثة الرأسمالية، والتي ترتبط بشكل “أخطبوطي” مع باقي المنظومات ذات الأساس المشترك في الحكم الرأسمالي العالمي، لذا؛ فمن البديهي أن يكون رئيس الولايات المتحدة مقبولاً وذا دور فاعل للنظام الرأسمالي العالمي، بالطبع فإنّ الحاكم سيكون من أحد الحزبَين الرئيسيَّين في أمريكا؛ وهما الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، وتتم مبادلة الأدوار بينهما كلٌّ حسب طبيعة وضرورات المرحلة السياسية في العالم، ولكلّ ممثّل حزمة من المهام يلتزَم باتّباعها وفقاً لتعليمات الدولة العميقة والنظام السائد، وإذا ما رجعنا إلى مقولة السيد عبدالله أوجلان أنّ الدولة تقوم على تحالف ثلاث جهات وهي ( التجّار – العسكر – رجال الدين) وإذا لاحظنا أنّ أشكال الحياة تختلف ويبرز دور الشكل الافتراضي أو النظري في معظم المجالات فسنصل إلى نتيجة انتهاء عهد الدولة الكلاسيكي وبداية عصر الدولة الافتراضية التي تتجاوز مفاهيم وأساليب الدول القومية إلى فضاء أوسع وذي شمولية أكبر. لذا؛ وكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يمثّل دور العسكر في ثالوث الدولة، فإنّ إيلون ماسك (الثريّ الأمريكي) يمثّل التجار في ذلك الثالوث، وبدا واضحاً أنّ ترامب سينجح في انتخابات الرئاسة بعدما توثّق أنّ إيلون ماسك يدعم حملته الانتخابية من الناحيتين المادية والمعنوية، حيث أنّ أمريكا تسيطر على معظم جغرافيا الكرة الأرضية – سواء بشكل مباشر أو غير مباشر – ومهمّة السيطرة على الفضاء الخارجي موكَلة للسيد ماسك؛ وبذلك سيتم إحكام السيطرة على الكون ويتم رسم مصير البشرية وفقاً لذلك.

وإذا ما كان النظام العالمي الجديد نظاماً عابراً للقارّات ومتجاوزاً للحدود السياسية المصطنَعة، فمن الضروري أن تمهّد له الأرضية المناسبة لممارسة سطوته على جميع مجريات الحياة؛ فالاحتلال الكلاسيكي لم يعد يحقّق النتائج المرجوّة، وكذلك لم تعد هناك حاجة لإرسال عناصر تابعة لدول الاحتلال لتحافظ على مصالحها البعيدة؛ فالعولمة قد غزت كافة المجتمعات البشرية على اختلاف العقائد والأعراق والطبقات، وباتت نمطية النظام الرأسمالي قاب قوسين أو أدنى من توليد النماذج المطلوبة، وهي جاهزة لتنفيذ ما يُطلَب إليها دون أي اعتراض أو تردّد، طبعاً إنّ مؤسسات إيلون ماسك ومثيلاتها تقف وراء التقدّم الحاصل في العولمة، وتمتدّ بشكل شبكي في جميع أنحاء العالم فتصنع (المريدين) الذين لا حول لهم ولا قوة سوى الاستسلام لما يُملى عليهم دون أن يكون لهم أي دور في تقرير مصيرهم أو مناقشة مستقبل حياتهم؛ فكلّ شيء مرسوم وبدقّة كبيرة ولا يتطلَّب الأمر سوى ضغطة زر أو حتى إيماءة لقبول مصيرهم المسلوب منهم بإرادتهم.

من الملاحَظ أنّ تحييد العنصر الأخير من ثالوث منظومة الدولة، ألا وهو رجال الدين، قد اقترب من نهاية المشروع؛ فلم نعد نرى أي دور لدور العبادة في تلك المنظومة، وبانتهاء عهد الميثيولوجيات بالتزامن مع الثورة الصناعية واتجاه البشرية نحو المادية والعولمة، من البديهي أن تقلّ سطوة رجال الدين وتنحصر مهامهم في بعض محافل الحياة الاجتماعية أو استغلالهم في بلبلة بعض المناطق المستعصية على دخول العولمة ضمن مجتمعاتها (داعش نموذجاً). لذا؛ فإنّ حلّ الدولة الافتراضية من الممكن أن يتم فيه الاستغناء عن المهام الروحية، وتدخل مرحلة السطوة على النفس مكان الجانب الميثيولوجي، وكأنّهم يتجاوزون الخالق في مهامه وينصبون أنفسهم آلهة كامتداد للفلسفة الفرعونية القديمة، لذا؛ يمكنهم بذلك تحقيق ثالوث الدولة والمُضي قُدُماً في الحقبة الإنسانية الجديدة، نظرية وتطبيقاً، دون أي معارضة أو تمرّد من قبل الأسرة البشرية.

فهل ستكون هناك محاولات التصدّي للنظام العالمي الجديد؟ وهل من “سبارتاكوس” عصري ينبّه العبيد على خطورة ما يتم رسمه لمستقبلهم؟ وهل حتمية التغيير والحفاظ على البقاء ستُخرِج نبيّاً جديداً – ليس بالضرورة أن يكون كغيره من الأنبياء التقليديين – ليقف في وجه هذه السطوة الكونية؟!

أعتقد أنّه يجب أن نشاهد ذلك، ولو بشكل متأخّر، كي نحافظ على المسار الإنساني ونجتنّب تحويل البشرية إلى عصر الآلة وانعدام القيم والمفاهيم الإنسانية السامية وسطوة الاقتصاد على جميع مفاصل الحياة، فتنعدم الآمال وتنتهي الإبداعات ويظهر عهد الإمبراطورية المُطلَقة التي تسيطر على الكون بأَسْره ولا تستطيع أي قوة الوقوف في وجهها، لا يملك فيها الإنسان أي حق حتى في السيطرة على أعضائه، ترزح الطبيعة تحت نير الابتكارات العصرية ونتّجه رويداً رويداً نحو حافة الهاوية، وأعتقد أيضاً أنّها ليست المرة الأولى التي تصل فيها البشرية إلى هذا المآل؛ وما انقطاع الحضارات القديمة وضياع أغلب معلوماتها إلّا نتيجة لما وصلت إليه، وكانت كارثية على البشرية جمعاءن فاندثرت الانسانيات وظهرت أخرى بعد عهد طويل.

زر الذهاب إلى الأعلى