صمت النظام إزاء تهديدات بعض العشائر.. تواطؤ مفضوح أم عجز مريب؟

د. مرشد اليوسف

تتوالى التهديدات العلنية التي تصدر عن بعض العشائر العربية السُّنّية المنفلتة ضدّ المكوّنات السورية، خاصة تلك المكوّنات المندمجة ضمن الإدارة الذاتية، وعلى رأسها المكوّن الكردي في شمال وشرق البلاد؛ تلك التهديدات لا تأتي من  فراغ، بل تتم في سياقات محدّدة وبخطاب عدائي واضح المعالِم، وأمام مرأى ومسمع من الحكومة السورية التي لم تحرّك ساكنًا لا لتهدئة التوتّرات ولا لردع الأطراف المهدّدة؛ وهذا الصمت الرسمي يثير تساؤلات حقيقية حول مدى تورّط بعض الجهات في الدولة أو تواطؤها مع هذه الأطراف التي تعبث بالاستقرار المجتمعي، وتعيد إنتاج الخطاب العنصري الذي لطالما غذّى الصراع في سوريا.

فمنذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، برزت بعض العشائر بوصفها قوىً مسلّحة أو داعمة لفصائل معيّنة، وشاركت في الصراع إمّا بدافع طائفي أو مصلحيّ.

ولكن في السنوات الأخيرة، بدأت بعض هذه العشائر تبرز كجهات فاعلة بشكل غير رسمي، تتبنّى خطابًا إقصائيًا تجاه مكوّنات أصيلة في النسيج السوري، خاصة المكوّن الكردي، وتستخدم لغة التهديد والوعيد تحت ذريعة الوحدة الوطنية أو الحفاظ على السيادة، في حين أنّها في الواقع تسعى إلى إعادة تكريس منطق الهيمنة والتبعية داخل الجغرافيا السورية.

والحقيقة أنّ الموقف المتفرّج للحكومة السورية إزاء هذه التهديدات لا يمكن تفسيره في إطار ضعف الدولة أو أولوياتها الأمنية فحسب، بل يبدو ذلك الموقف في كثير من الأحيان أقرب إلى التواطؤ المتعمّد (كما حصل في السويداء)؛ فحين تتكرّر الخطابات العشائرية العدائية في المحافل والمناسبات وعبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، دون أن تصدر أي إدانة رسمية أو تحرّك قضائي أو أمني حكومي؛ فإنّ ذلك يرقى إلى مستوى التغطية السياسية الضمنية على سلوك هذه المجموعات، أو أنّ هذا التواطؤ قد يكون جزءًا من استراتيجية أوسع تسعى الحكومة من خلالها إلى الضغط على الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية عبر أدوات اجتماعية محلّية.

إنّ الاعتماد على العشائر كقوة سياسية وأمنية بديلة أو موازية للمؤسسات الرسمية لهوَ رهان غير استراتيجي وقصير النظر؛ فهذه القوى لا تستند إلى برامج وطنية أو رؤىً مدنية، وإنّما تستند إلى الولاءات الفئوية والانتماءات القَبَلية والمصالح الشخصية؛ وهو ما يجعلها أداة فوضوية قابلة للاستغلال من أطراف خارجية، كما حصل في مراحل مختلفة من النزاع في المناطق المختلفة، مثل العراق وليبيا والسودان وغيرها. والأسوأ من ذلك هو أنّ منح تلك القوى هامشًا مفتوحًا من أجل مهاجمة المكوّنات الأخرى يعمّق الشرخ المجتمعي، ويؤسّس لحالة من التناحر الدائم، يصعب ترميمها لاحقًا.

الكرد والمكوّنات الأخرى شركاء وليسوا خصوماً؛ فالمكوّن الكردي، إلى جانب المكوّنات السريانية، والعربية التقدّمية وغيرها في شمال وشرق سوريا، لا يسعى للانفصال أو تقويض وحدة البلاد كما يزعم بعض المتطرّفين، بل يطالب بالاعتراف بالشراكة الحقيقية، وبناء نظام ديمقراطي لا مركزي يضمن حقوق الجميع؛ لذا فإنّ استهدافه من قبل أطراف عشائرية مدفوعة بأجندات ضيّقة لا يمكن إلّا أن يُفهَم كجزء من محاولة إعادة إنتاج الاستبداد الاجتماعي والسياسي، بصيغته الطائفية أو القبلية.

كما أنّ السكوت عن التهديدات التي تطلقها بعض العشائر بحق المكونات السورية، وخاصة الكرد، يعبّر عن أزمة وطنية مزدوجة؛ أزمة بنيوية في الدولة، وأزمة أخلاقية في النخب التي تبرّر أو تتواطأ أو تصمت.

 وعلى الحكومة السورية أن تعلن موقفًا واضحًا لا لبس فيه؛ فإمّا أن تكون دولة لكلّ السوريين، تحميهم على قدم المساواة، أو أن تتحمّل تبعات تفكّكها التدريجي واهتزاز شرعيتها؛ إذ لا وحدة وطنية تُبنى على الخوف، ولا مستقبل مشترك يُرسَم عبر سياسة غضّ الطرف عن التمييز والتهديدات.

زر الذهاب إلى الأعلى
RocketplayRocketplay casinoCasibom GirişJojobet GirişCasibom Giriş GüncelCasibom Giriş AdresiCandySpinzDafabet AppJeetwinRedbet SverigeViggoslotsCrazyBuzzer casinoCasibomJettbetKmsauto DownloadKmspico ActivatorSweet BonanzaCrazy TimeCrazy Time AppPlinko AppSugar rush
https://se.net.ua/ amavi5d sesetoto situs slot ollo4d slot titi4d Situs Slot Toto Slot slot gacor Situs Toto Situs Slot Situs Toto sontogel idrtoto akuntoto situs slot slot gacor situs slot slot88 leon188 naruto 88 naruto 88 Wikatogel babe138 slot login ikut4d slot Togel sgp deposit pulsa tanpa potongan sumsel toto toto togel toto macau situs toto toto slot toto slot situs toto toto togel https://id.desapujonkidul.net/ toto togel toto togel toto togel toto slot slot gacor titi4d https://fh.unvicsorong.ac.id/ karatetoto mmatoto situs gacor situs toto toto slot toto slot mahongtoto toto slot toto slot situs toto