سوريا في ميزان المشاريع الاقتصادية الدولية والإقليمية
شرفان سيف الدين
لم يعد خافياً على أحد أنّ المعضلة السورية لم تعد تخصّ السوريين فحسب، بل إنّها أصبحت معضلة دولية وإقليمية متشابكة ومتداخلة فيما بين القوى الدولية المتصارعة على جغرافية الشرق الأوسط، وعليه فإنّ هذه الأزمة التي تجتاح سوريا منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً أصبح حلّها محصوراً في إمكانية تفاهمات دولية ما بين القوى الدولية الكبرى، أو رهان حرب إقليمية كبيرة أو حتى عالمية تعيد هيكلة المنطقة من جديد، فلم يعد يخفى على المحلّلين والمتابعين والمهتمّين بالسياسة والاقتصاد مدى انسداد أفق الحلّ السياسي في ظلّ التناقضات الجوهرية من وجهة نظر كلّ طرف إلى رؤية الحلول الممكنة، وتتزايد التناقضات مع اتساع الفجوة في ظلّ تبدّد النظام العالمي المتمثّل بسياسة القطب الواحد بقيادة الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية المتحالفة معها في الرؤية وعلى رأسها المملكة البريطانية صانعة السياسات في الغرف السوداء، والقطب الاشتراكي الذي أثبت حضوره مع بداية القرن الحالي بعد أن كان بدوره يعيش شبه موت سريري مع نهاية القرن الماضي ونهاية الحرب الباردة بتسليم دفّة قيادة العالم للغرب. ربّما لا نكون منصفين إذا ما اعتبرنا القطب الجديد ندًّا أو موازيًا للقطب القائم، ولكن بكلّ تأكيد فإنّ هذا القطب الجديد ربّما سيكون على أقلّ تقدير مصدر إزعاج وتعكير لصفوة المشاريع الغربية، وعليه فإنّ هذه الدول ربّما ستجد نفسها تتخندق في تيّار واحد ولو بشكل غير رسمي أو تكتيك استراتيجي، وعليه فإنّ المصالح المشتركة فيما بينها ستكون بمثابة ميثاق ملزم للجميع؛ وبالتالي يكون الاتحاد على شكل مصالحي مشترك فيما بينها.
ممّا لا شكّ فيه أنّ موقع سوريا الجغرافي يجعلها ذات أهمية في الشرق الأوسط الذي يعتبر في حدّ ذاته عقدة وصل مهمّة في العالم، فلا يخفى على أحد مدى أهمية هذه المنطقة من خلال بقائها عقدة وصل مهمّة ما بين قارات العالم الثلاث وما بين الشرق والغرب بشكل عام، وإمكانية مرور عدّة مشاريع للنقل (الترانزيت) من خلال أراضيها بحكم موقعها الجيوسياسي ومتاخمتها لمناطق ودول ذات استراتيجية للطاقة في العالم، وعليه فإنّها بكلّ تأكيد هدف مستباح لجميع القوى الإقليمية والدولية للاستفادة من هذه الأراضي، خاصةً مع تزايد حالة الفوضى التي تجتاح المنطقة والعالم، أمّا أهم نقاط القوة بالنسبة لأهمية موقعها الجيوسياسي فتكمن في:
– طرق الحرير الصيني ما بين الشرق والغرب ومرورها ضمن الأراضي السورية.
– مشروع أنبوب الغاز القطري ونقله عبر السعودية والأردن وسوريا وتركيا للقارة العجوز (أوروبا).
– مشروع أنبوب الغاز المصري وعبوره ضمن سوريا.
– مشروع الخط الإسلامي الإيراني عبر العراق فسوريا فتركيا إلى أوروبا.
– إمكانية نقل النفط العراقي ومشروع إيصاله للبحر المتوسط عبر أراضيها.
– اكتشاف مخزون احتياطي ضخم من الغاز في الساحل السوري وحقل كونيكو في بادية مقاطعة دير الزور.
– اكتشافات اليورانيوم المرافق للفوسفات في بادية تدمر وما حولها.
أمّا الأهمية المكانية والجغرافية لسوريا بالنسبة للقوى الدولية والإقليمية الفاعلة على أراضيها بشكلها الحالي فيمكن تلخيصها في:
الولايات المتحدة الأمريكية: يكمن اهتمامها في الاستفادة من موقع سوريا الجيوسياسي، وقطع وصل روسيا عن المياه الدافئة المتوسطية، وقطع الطريق أمام التمدّد الشيعي الإيراني في المنطقة، ولجم تركيا وإرضاخها لكامل إملاءات الغرب دون قيد أو شرط، وقطع الطريق أمام الصين، وإمكانية الاستفادة من هذه الأراضي ضمن مشروع طرقها “الحرير” من الغرب وأوروبا.
روسيا: الاستفادة قدر الإمكان من النظام الهشّ الحالي في سوريا وإلزامه بتوقيع المعاهدات وابرام الاتفاقيات الاقتصادية والنفطية والغازية مقابل تأمين الحماية العسكرية بعدم سقوطه، وقطع الطريق أمام المشاريع الغربية في إمكانية إيصال الطاقة وخاصةً (الغاز) عبر الأراضي السورية للغرب وأوروبا.
تركيا: القضاء على التجربة الديمقراطية في شمال وشرق سوريا في ظلّ الإدارة الذاتية الديمقراطية، والخوف من تمدّد فكر الأمّة الديمقراطية إلى ما هو أبعد من الجغرافية الحالية، والسير وراء الحلم التركي القديم الجديد في تطبيق الميثاق الملي وإخضاع أهم المدن والأراضي السورية والعراقية للاحتلال المباشر من قبلها، المساومة أو المطالبة المبطّنة بحصّتها في خيرات البلاد مقابل المياه.
إيران: من اهم أهدافها هو تطبيق مشروع “الهلال الشيعي” في المنطقة ونشر الفكر الديني للمذهب الشيعي على حساب المذهب السُّنّي؛ ويتبيّن ذلك بشكل جليّ من خلال انتشار الحسينيات ودور العبادة الشيعية والمدارس التبشيرية الخاصة بهذا المذهب في أماكن انتشارها العسكري، بالإضافة إلى الاستفادة الاقتصادية من ثروات سوريا ووضعها في خانة ما يُعرَف بـ”جبهة الممانعة” ضد العدوّ الوهمي الدونكيشوتي (إسرائيل).
أمّا بالنسبة للدول العربية فيبدو أنّها ليس لها حول ولا قوة بكلّ ما يجري ويخطّط له عبر اللاعبين الدوليين، وكلّ طرف من الدول ذات التأثير المباشر أو الاتصال مع هذه القضية يقف إلى جانب إحدى القوى الدولية أو الإقليمية بحسب تقاطع مصالحها ورسم سياساتها العامة لذلك البلد، فلبنان مثلاً بحسب الحكومة المؤقّتة يتمحور ويتموضع إلى جانب المشروع الأمريكي الأوربي، فيما يتخندق حزب الله وحركة أمل إلى جانب المحور الإيراني وذلك بسبب العقيدة الدينية المشتركة، الأردن وبما أنّ لها حدودًا طويلة مع سوريا فهي تعتبر من المعنين الرئيسيين بهذه الازمة، وخاصةً في السنوات الأخيرة وبعد أن أصبحت أراضيها مستباحة من قبل مهرّبي المخدّرات؛ وبالتالي التأثير المباشر على المجتمع الأردني، قطر والتي تعتبر الراعي الأساس لفكر الإخوان المسلمين فإنّ تقاطعها بشكل تلقائي يكون مع الجانب التركي، ويعتبر الدور القطري أساسيًا خاصّة في مجال ضخّ الأموال للتعبئة اللوجستية، المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات تُعتبَر من أهم الدول الفعّالة كدور في الجامعة العربية والتي كانت من أهم إنجازاتها إعادة سوريا للحاضنة العربية على أمل تحسين سلوكها وإخراجها من المحور الإيراني، العراق وباعتباره من أهم الدول العربية التي تملك حدودًا طويلة مع سوريا فهي الأخرى ملتهبة بمشاكلها في محاربة الإرهاب وضبط الحدود والمشاكل المستمرّة مع ايران وتدخّلها في سياسات البلد والحصار الاقتصادي الخانق من قبل تركيا وعمليات قطع المياه والتلاعب بالحصص المحقّة وإلى ما هنالك.
ما يمكن استنتاجه في خضمّ كل ما يجري في العالم ووجود ملفّات عالقة أخرى ربّما تُعتبَر أهمّ من الملف السوري بحسب رؤية المجتمع الدولي، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، والحرب الدائرة ما بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، والمناوشات الأخيرة ما بين إسرائيل وإيران وإمكانية اتّساع دائرة الحرب في الشرق الأوسط، يبدو أنّ الملفّ السوري وحربها الداخلية وأزمة الصراع الدولي على أراضيها قد وُضِع على الرفّ بشكلها الحالي، وبالتالي فإنّ معاناة السوريين تتأجّل إلى وقت ربّما يطول في إيجاد أي حلّ سياسي للواقع الحالي، خاصةً أنّ السوريين أنفسهم غير قادرين على إيجاد أي أفق للحلّ السوري – السوري وإضاعة البوصلة السورية أصلاً في يد اللاعبين الكبار، عدا اللهمّ مشروع “الامة الديمقراطية” والذي تتبنّاه الإدارة الذاتية الديمقراطية في مسعى دائم للملمة حالة الفوضى الدائرة، ولكنّها بطبيعة الحال لا تتوافق والهوى الإقليمي للدول المحتلّة لكردستان، متخوفةً بذلك من انتشار هذه التجربة ضمن جغرافية المنطقة.