الأزمة العراقية إلى أين.

مرشد اليوسف

رغم مرور ثمانية أشهر على اجراء الانتخابات في العراق إلا أن المشهد السياسي يزداد تعقيدا في ظل إخفاق الكتل السياسية في الوصول إلى تفاهماتٍ حول تشكيل الحكومة وذلك بسبب إصرار الفرقاء على مواقفهم الأمر الذي أدى إلى فشل جميع المبادرات السياسية وهذا يشير إلى العديد من التساؤلات حول جدوى الانتخابات في البلاد وما إذا كانت الأدوات السياسية ستحسم الخيارات لتشكيل الحكومة أم أن السلاح سيعيد معادلة التوافق الطائفي من جديد .
والحقيقة أن الأزمة العراقية لا تكمن في المحاصصة الطائفية والقومية فقط بل تكمن في ذهاب طرف خاسر في الانتخابات إلى تشكيل الحكومة وهي سابقة لم تحدث حتى في الدول المتقدمة في الديمقراطية, وهذا يعني أن الانتخابات في العراق عبارة عن واجهة لا أكثر ولا أقل والغرض منها هو تداول السلطة بين القوى الميليشياوية وسواء كانت هذه الميليشيات بجانب التيار الصدري أو بجانب الإطار التنسيقي فإنها تحمل الهدف نفسه وهو إبقاء العراق في الفوضى من أجل السلطة والإمتيازات المالية والسياسية وإطعام الميليشيات على حساب الشعب .
ولا تكتفي الجماعات الميليشياوية الولائية الخاسرة في الانتخابات التشريعية بتقديم الطعون بل تستخدم السلاح والتهديد كوسيلة للوصول إلى التسويات المرضية .
ولعل ما جرى على الساحة العراقية خلال الأيام الشهور الماضية يعطي انطباعا بأن سلاح الميليشيات أكثر فاعلية من الخيارات السياسية وعدد مقاعد البرلمان.
وإذا دخلنا في تفاصيل الأزمة أكثر فإن الزعيم مقتدى الصدر يعد من أبرز الشخصيات التي لعبت دورا أساسيا في إعادة بناء النظام السياسي في العراق بعد سقوط صدام في عام 2003 وقاد أحد أكبر الحركات الشعبية نفوذا في البلاد وكان يسعى الى التسوية مع إيران لتسمح له بمنافسة حلفاء الأخيرة على الساحة السياسية العراقية ولكن إيران لم تر فيه الشخص الذي يمكن الاعتماد عليه بسبب شخصيته التي تحفل بالمتناقضات والتقلبات. ورغم سياساته الفجة كان الصدر يعد بالتغيير منذ سنين ( ولا تغيير يحدث ) وعلى هذا الأساس فاز في الانتخابات الأخيرة ب 73 نائبا وكان فوز التيار متوقعا .
وسعى الصدر عبر التحالف مع الكرد والسنة الى تشكيل حكومة أغلبية يقصي منها الإطار التنسيقي وخصمه اللدود نوري المالكي ولكنه لم يستطع الوصول إلى الأغلبية المطلقة التي اشترطتها المحكمة الاتحادية العليا ولم يقبل الإطار التنسيقي التنازل له مما دفعه للانسحاب من البرلمان في 12 حزيران الماضي. وخوفا من قيام الإطار بتشكيل الحكومة دفع الصدر بأنصاره للتظاهر والاعتصام في المنطقة الخضراء ومن ثم أعلن انسحابه من العملية السياسية برمتها في 3 / 8 / 2022 .
ولكن ما هو الموقف الأمريكي والإيراني من الأزمة العراقية ؟
لاشك أن العراق الذي يبدو ( لكثرة التدخل في شؤونه ) فاقد السيادة لكنه في الواقع محكوم بقوانين مناطق النفوذ العالمي وهو يقع ضمن الحصة الأمريكية لذلك لا يمكن النظر الى مستقبل العراق من خارج الرؤية الأمريكية مهما كان الصوت الإيراني عاليا وحاضرا وواشنطن لا تسقط العامل الإيراني من حساباتها عندما يتعلق الأمر بسياساتها في العراق وهذا توصيف لحالة أمر واقع وليس موقفا منحازا لجهة دون سواه .
وضمن الاستراتيجية الامريكية دعت (بابرا ليف) مساعد وزير الخارجية الأمريكية في الزيارة الأخيرة الى العراق ومقابلة الكاظمي الى تعزيز الحوار الوطني بين القوى السياسية لتجاوز الأزمة والمضي في ترسيخ أمن العراق واستقراره .
وجددت ليف التأكيد على مواصلة الإدارة الأمريكية دعم العراق وتعزيز الشراكة بين بغداد وواشنطن وفق اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي عقدت بين الطرفين في نوفمبر 2008م وبالمقابل رحب الكاظمي بدعم أمريكا للعراق. من المؤكد أن العراق يمر بانسداد سياسي عقيم منذ سقوط حكم صدام حسين والسياسيون العراقيون منشغلون في الصراع على النفوذ و تقسيم الكعكة بينهم وهذا يدفع بالقوة الى الواجهة استذكار احتجاجات 1- تشرين عام 2019, فالاستعصاء السياسي أو طغيان التفاهمات المصالحية هي الأرض الخصبة لانفجار زلزال على هيئة انتفاضة شعبية مسلحة تحرق الأخضر واليابس احتجاجا على حالة الخراب التي آلت اليها الأوضاع في البلاد , ويرى المراقبون أن سيناريوهات الاشتباك المسلح ممكن بين أتباع زعيم التيار الصدري والفصائل المسلحة التابعة للإطار التنسيقي الموالية لإيران وايران لن توافق على أي سيناريو ممكن أن يحد من نفوذها في العراق .
والحل هو تقسيم العراق الى ثلاث كونفدراليات أو ثلاث فيدراليات شيعية في الجنوب وسنية في الوسط وكردية في الشمال .

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى