الصراع التركي الإسرائيلي في سوريا
عباس شيخموس

تتمتع سوريا بموقعها الجيوسياسي؛ فهي صلة الوصل بين الخليج العربي وأوروبا، ولها واجهة على البحر المتوسط “واجهة غرب آسيا على البحر المتوسط”، كما تمتاز بغناها بالثروات الباطنية، إلى جانب أنّ الدراسات والأبحاث قد أثبتت غنى شرقي المتوسط بالغاز، كما أنّ أحد أسباب الأزمة السورية، والتي استمرّت نحو أربع عشرة سنة، كانت تتعلّق بنقل الغاز عبر الأراضي السورية.
بعد سقوط نظام الأسد في 8/12/2024 على يد هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً” باتت سوريا مطمعاً للدول الإقليمية والعالمية، وكلها تريد الحصول على حصّتها من الكعكة السورية، ومن أبرز الدول الإقليمية تركيا وإسرائيل وكلاهما لهما حدود مشتركة مع سوريا؛ فتركيا في الشمال، وإسرائيل في الجنوب الغربي. تركيا تربطها بالجماعات الإرهابية علاقات قوية ومن بينها هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” منذ بدايات تشكّلها في سوريا، ومع سيطرة الهيئة على السلطة في دمشق بدأت الزيارات المكّوكية للمسؤولين الأتراك إلى دمشق (وزير الخارجية والدفاع والاستخبارات ورجال الأعمال وغيرهم) والتي لم تتوقّف حتى الأن، وكأنّ تركيا في سباق مع الزمن للحصول على اتفاقيات وامتيازات من النظام الجديد في دمشق، وكذلك الحفاظ على شكل النظام؛ حيث حاولت تركيا الحصول على اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع سوريا، إلّا أنّها فشلت نتيجة الرفض الدولي لها، كما وتحاول دولة الاحتلال التركي التغلغل في جميع مفاصل الدولة.
تستند تركيا ذات المطامع العثمانية بحسب ادعاءاتها على:
- البُعد التاريخي وترى في سوريا ولاية عثمانية كانت تابعة لها زمنَ السلطنة العثمانية، وحسب زعمها، لها الحق في التمدّد في سوريا، هذا إلى جانب الميثاق الملّي حيث تدّعي فيها بأنّ الشمال السوري بالكامل كان جزءاً من الدولة التركية.
- حماية ما يُسمّى بأمنها القومي – وهي ذريعة فضفاضة تتذرّع بها جميع دول العالم- يشكّل هاجساً لدى دولة الاحتلال التركي، ومن جهة تركيا لديها فوبيا من القضية الكردية (بالرغم من العلاقة القوية التي كانت تربطها مع الكرد على مدى مئات السنين) فهي تحارب الوجود الكردي أينما كان، خاصة بعد تأسيس الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا “والتي تدّعي بأنّها إدارة كردية” والشراكة القائمة بين قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة التي تتمسّك بهذه القوات في محاربة الإرهاب؛ حيث حاولت دولة الاحتلال التركي سابقاً التطبيع مع النظام البائد مقابل محاربة الإدارة الذاتية، والآن ومع النظام الجديد تدّعي منح الكرد جميع حقوقهم، إلّا أنّها تعمل في الوقت ذاته على زرع الفتن في مناطق الإدارة الذاتية ومحاربة قوات سوريا الديمقراطية ومحاولاتها السيطرة على سد تشرين، كما أنّها تتذرّع بهذه الحجج للتمدّد في سوريا، كما أنّها تعمل على حماية نفسها من رياح التغيير التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط وربيع الشعوب التي استطاعت تغيير أو إنهاء تلك الأنظمة الاستبدادية.
إنّ ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط هو جزء من خارطة الشرق الأوسط الكبير، رسمتها الولايات المتحدة والغرب ومعهما إسرائيل، لذا؛ تظنّ دولة الاحتلال التركي أنّ إقامة قواعد عسكرية لها في سوريا وفي العمق السوري تشكّل ورقة ضغط ضدّ إسرائيل لمنع الغرب والولايات المتحدة من إدراج تركيا ضمن الشرق الأوسط الكبير، أي حمايتها من رياح التغيير، أو يمكنها المساومة عليها في المستقبل حول ملفّات معيّنة مرتبطة بأردوغان وحزبه. ترى تركيا أنّ حصولها على قاعدة عسكرية في تدمر يساعدها في تنفيذ مخطّطاتها المزعزعة لاستقرار سوريا والمنطقة، وتحويلها إلى قاعدة لضرب الإدارة الذاتية من خلال دعم تلك العشائر التي كانت مدعومة من قبل النظام البائد وإيران (ما يُسمّى بجيش العشائر الذي يتزعّمه إبراهيم الهفل) وإعادة تنظيم خلايا داعش المنتشرة في البادية السورية، هذا إلى جانب الكثير من المقاتلين المنخرطين ضمن هيئة تحرير الشام ويؤمنون بفكر تنظيم داعش وما زالوا يحملون شارات التنظيم، بل هم من تنظيم داعش؛ وهو ما بدا واضحاً خلال المجازر التي ارتُكِبت في الساحل بحقّ المكوّن العلوي، وتوجيههم نحو مناطق الإدارة الذاتية.
أمّا إسرائيل فلم تعد كما كانت قبل السابع من أكتوبر؛ فمن الدور غير المباشر إلى الدور المباشر، وكأنّها أصبحت وكيلة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط؛ فقبل سقوط النظام البائد كانت إسرائيل تستهدف الوجود الإيراني وميليشياتها في سوريا، أمّا الآن وبعد سقوط النظام البائد وتسلّم هيئة تحرير الشام للسلطة في دمشق بات التمدّد التركي، الذي يشبه التمدّد الإيراني، يشكّل تهديداً جديداً لإسرائيل، خاصة تلك العلاقة القوية التي تربط تركيا بالجماعات الجهادية الراديكالية ومن بينها هيئة تحرير الشام؛ فهي امتداد لفكر القاعدة وتنظيم داعش وهو ما يشكّل، مع تنامي الفكر الجهادي في سوريا، تهديداً مستقبلياً لأمنها القومي، لذا؛ فإنّ النفوذ التركي العثماني في نظرها لا يقلّ خطراً عن النفوذ الإيراني وميليشياتها في سوريا، لذا؛ فإنّها تراقب عن كثب التحرّكاتِ التركيةَ والتنظيماتِ الجهاديةَ والنظامَ السوري الجديد.
قد تدفع إسرائيل الدول العربية للتمدّد في سوريا بغية إضعاف النفوذ التركي في سوريا، إلّا أنّ قرب سوريا من تركيا – والتي تشاركها حدوداً طويلة – والعلاقة التي تربط هيئة تحرير الشام وأحمد الشرع بتركيا تمنح تركيا الأفضلية بالتمدّد في سوريا، ولكنّ إسرائيل بقوّتها السياسية والعسكرية والاستخباراتية، ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، تُشَكِّل أكبر عائق أمام التمدّد التركي؛ فإسرائيل لن تسمح لدولة الاحتلال التركي ببناء قواعد عسكرية في العمق السوري ولا بإدخال أسلحة استراتيجية (منصّات الدفاع الجوي أو صواريخ باليستية) إلى سوريا، ولا بتمدّد أي طرف إقليمي في سوريا قد يشكّل تهديداً لها في المستقبل، فهل ستشهد الساحة السورية صراعاً تركياً – إسرائيلياً؟ وما هي النتائج المترتّبة على هذا الصراع على سوريا؟
الصراع الإسرائيلي – التركي في سوريا:
تُعتبَر تركيا حليفة لإسرائيل وتربطهما علاقات استخباراتية وأمنية وعسكرية واقتصادية، وذلك على الرغم من تصريحات أردوغان المناهضة لإسرائيل، والتي تندرج ضمن البروبوغندا التركية لكسب التأييد العربي والإسلام السنّي لها كدولة تقف إلى جانب القضية الفلسطينية، ولا يخفى على أحد كيف تأسّست الدولة التركية الحديثة وعلى يد مَن تأسّست وكيف وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم واستمرّ قرابة ربع قرن؛ فأردوغان ما كان له أن يستمرّ في الحكم ما لم يقدّم فروض الطاعة لإسرائيل والولايات المتحدة، فزيارته إلى تل أبيب وإلى قبر مؤسّس الصهيونية “تيودور هرتزل” ووضعه إكليلاً من الزهور على قبره، ومن ثم اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل “أول دولة في العالم تعترف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل”، ودوره في دعم إسرائيل إبّان الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة هو أكبر مثال على خضوع أردوغان لإسرائيل، وأنّه الحليف الوفيّ لإسرائيل، إلّا أنّ أردوغان بسياسته وأطماعه قد يكون قد أخرج تركيا من المسار المحدّد لها من دولة حليفة للغرب وعضو في حلف الناتو إلى دولة قد يقال عنها أنّها “الدولة المارقة على الغرب” كمنعها للولايات المتحدة من استخدام أراضيها لغزو العراق عام 2003 وشراء منظمة الدفاع الجوي (S400) من روسيا، والتنسيق مع روسيا وإيران طيلة الأزمة السورية وتهديدها للوجود الأمريكي في شمال وشرق سوريا من أجل تنفيذ عدوانها على مناطق الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية (شريكة الولايات المتحدة الأمريكية في محاربة الإرهاب)؛ وذلك باتباعها سياسة مناهضة لسياسة الولايات المتحدة في سوريا، وهو ما أدّى لتدهور العلاقات التركية – الأمريكية؛ كل ذلك من أجل أطماعها العثمانية في سوريا والعراق ” الميثاق الملّي” وهذه الأطماع ازدادت مع سقوط النظام السوري البائد، حيث باتت تركيا ترى في سوريا ولاية عثمانية ولها الحقّ في التمدّد على كامل الجغرافية السورية.
لدى إسرائيل استراتيجية جديدة في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط؛ فهي تهدف لأن تكون مركز الشرق الأوسط، وجميع الدول تدور في فلكها، أي أنّها لن تقبل بوجود دول قوية في المنطقة منافسة لها (إيران وتركيا)، وترى أنّ تركيا الإخوانية وعلاقتها بقطر الإخوانية وبالتنظيمات الجهادية الراديكالية، وبالأخص في سوريا، تشكّل خطراً يهدّد أمنها القومي؛ فتنامي الفكر الجهادي في سوريا والذي يُعتبَر في بدايته أكبر تحدٍّ لإسرائيل، لذا؛ تقوم إسرائيل – ومنذ سقوط نظام الأسد – بتدمير جميع المواقع والأسلحة التي تشكّل تهديداً لها في سوريا، وترى أنّ حصول تركيا على قاعدة عسكرية في العمق السوري “تدمر” سيؤدّي إلى خلط الأوراق من جديد، وقد يصعّب على إسرائيل والولايات المتحدة تحييد سوريا كدولة تشكّل خطراً على إسرائيل وعلى الاستراتيجية الأمريكية في مكافحة الإرهاب في سوريا والشرق الأوسط.
لكن أي صراع محتمَل بين تركيا وإسرائيل ستكون الخاسر الأكبر هي دولة الاحتلال التركي، وهنا لا أهمية تُذكَر عند المقارنة بين الجيش التركي والإسرائيلي من حيث العدد والتسليح؛ كونه لن تكون هناك مواجهة عسكرية بين الطرفَين، أو – إن صحّ التعبير- لا تملك الدولة التركية قراراً بشن هجوم عسكري على إسرائيل، كما أنّ إسرائيل تقف وراءها الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم أوروبا الغربية؛ فالأهمية تكمن في مَن يملك أوراق القوة في كسر الطرف الآخر، فتركيا لا تملك القدرة السياسية والاقتصادية لإضعاف إسرائيل، بل على العكس من ذلك، فهي تملك نقاط ضعف كثيرة مثل “القضية الكردية، المعارضة التركية، الاقتصاد الهشّ،…الخ” تجعلها الحلقة الأضعف في هذا الصراع، لذا؛ فإنّها تحاول تقوية هذه النقاط عن طريق التنسيق مع إيران في ملفات كدعم حزب الله اللبناني، ومع بروز القضية الكردية عالمياً قد يزداد التنسيق بين الطرفين، وبالأخص في سوريا، لضرب الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، وكذلك التنسيق مع دول المنطقة “العراق والأردن وسوريا” لتشكيل تحالف رباعي تحت مُسمّى محاربة تنظيم داعش بدلاً من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة التي تدعم قوات سوريا الديمقراطية في محاربتها للإرهاب.
كما أنّ هدف تركيا من تقوية العلاقات مع إيران ومحاولة عقد اتفاقيات دفاعية مع النظام السوري الجديد وتقوية العلاقات مع روسيا وحتى دول بريكس إنّما هو الوقوف في وجه المخطّطات الغربية “خارطة الشرق الأوسط الكبير” والتحوّل إلى لقوة إقليمية كبيرة.
لكن هنا أيضاً وبدلاً من تقوية نقاط ضعفها ستزيد من الفجوة بينها وبين الغرب؛ ممّا قد يتم تصنيفها كإحدى الدول المارقة في نظر إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية؛ فزيارة وزير خارجية دولة الاحتلال التركي هاكان فيدان إلى واشنطن، والتي لم تأتِ فقط من أجل فكّ ارتباط الولايات المتحدة مع قوات سوريا الديمقراطية، وإنّما لجسّ نبض الولايات المتحدة تجاه تركيا واحتمالية إجراء لقاء بين أردوغان وترامب في واشنطن، وبالنظر إلى مراسيم استقبال هاكان فيدان وتوديعه فإنّها تعكس صورة تدهور العلاقة بين الدولتين، خاصة أنّ إدارة ترامب تدعم إسرائيل بشكل مطلَق ولن تسمح لأي دولة، مهما كانت علاقتها قوية معها، أن تؤثّر على إسرائيل وعلى مخطّطاتها في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، والتي باتت وكيلة الولايات المتحدة في تنفيذ مخطّط الشرق الأوسط الكبير.
تكمن المشكلة لدى الولايات المتحدة وإسرائيل في الزمن بالنظر لاحتدام الصراع الأمريكي – الصيني؛ فالسياسية التي ينتهجها أردوغان في سوريا وأطماعه العثمانية في تحويل تركيا إلى دولة قوية إقليمياً وعالمياً، وجعل تركيا مركزاً لعبور الطاقة إلى أوروبا تؤخّر الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة الخطر الصيني الذي بات يهدّد مناطق النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط ويهدّد كذلك مكانتها العالمية.
إلّا أنّ هذا الصراع المحتمَل بين تركيا وإسرائيل قد يفضي إلى مساومات؛ ففي نهاية المطاف قد تتنازل تركيا عن أطماعها مقابل الحفاظ على نظامها “سيطرة حزب العدالة والتنمية على الحكم وتمديد رئاسة أردوغان لأربع سنوات أخرى في حال تم إجراء انتخابات مبكّرة، وذلك من خلال إزاحة أكبر منافسيه على الرئاسة “أكرم إمام أوغلو” مرشّح حزب الشعب الجمهوري المعارض.
نتائج الصراع التركي – الإسرائيلي على سوريا:
وهي مرتبطة بسياسة أحمد الشرع داخلياً، كإخراج أو محاربة العناصر غير السورية ضمن التنظيمات الجهادية وعدم منحهم مناصب رفيعة تؤهّلهم لزرع الفكر الجهادي ضمن صفوف الجيش السوري الجديد أو ضمن المجتمع السوري، إلى جانب الاعتراف بمكوّنات الشعب السوري وتغيير الدستور المؤقّت. أمّا خارجياً فمرتبطة بمنح دولة الاحتلال التركي امتيازات عسكرية واقتصادية في سوريا، والتوقيع على اتفاقيات استراتيجية كمنح الدولة التركية قواعد في العمق السوري، أو تشكيل تحالف عسكري “دفاعي”، أو ترسيم الحدود البحرية وغيرها من التنازلات التي قد يقدّمها الشرع لدولة الاحتلال التركي في سوريا.
لتركيا القدرة على التأثير في قرارات أحمد الشرع، ومع وجود مطامع لها في سوريا، فقد تدفع بالشرع لقبول الإملاءات التركية المتعلّقة بحقوق المكوّنات السورية، والتي من شأنها التأثير على نظرة الغرب تجاه الشرع كرئيس مؤقّت للدولة السورية، وكذلك التأثير على حكومته وعلى تنظيمه “هيئة تحرير الشام” وتضييق الخناق على سوريا كإبقاء العقوبات عليها؛ وفي حال خروجه عن المسار المحدّد له، سواء بدعم الفكر الجهادي الراديكالي أو تمكين العناصر الجهادية في مناصب عسكرية وأمنية، وتحويل سوريا إلى قاعدة لتلك الجماعات أو التوقيع على اتفاقيات استراتيجية مع تركيا تؤثّر على الأمن القومي الإسرائيلي، فإنّ هذا النظام لن يدوم وستعمل الولايات المتحدة وإسرائيل على إنهائه وتعيين رئيس جديد وحكومة جديدة تلغي جميع الاتفاقيات الموقّعة مع الدولة التركية، على غرار ما حدث مع الوجود الروسي في سوريا والاتفاقيات الموقّعة مع النظام البائد، لكن هذا النظام ما يزال تحت السيطرة ولا يزال يخدم الأهداف الإسرائيلية والأمريكية. لذا؛ فإنّ مصير هذا النظام مرتبط بالسياسة التي ينتهجها أحمد الشرع تجاه الصراع التركي الإسرائيلي في سوريا وقدرته على تحييد سوريا عن هذا الصراع، إلى جانب مطالب أمريكية مرتبطة بالعملية السياسة الشاملة وبالتنظيمات الجهادية والمقاتلين الأجانب.
وفي هذا السياق؛ وعلى الرغم من تصريحات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بأنّ المواجهة مع تركيا في سوريا باتت أمراً لا مفرّ منه، محذّراً أردوغان بإنشاء تحالف النظام السوري المتطرّف، وأنّهم – أي إسرائيل – مستعدّون لخوض حرب مع تركيا، وأنّ التحرّكات التركية باتت أهدافاً مشروعة لها، ألّا أنّ الخيار العسكري يبقى مستبعَداً طالما بقيت تركيا في الفلك الغربي؛ ونتيجة لتدهور الأوضاع الداخلية في تركيا وخروج مظاهرات كبيرة على أثر اعتقال رئيس بلدية إسطنبول ومنافس أردوغان في الانتخابات الرئاسية “أكرم إمام أوغلو” والتي باتت تهدّد نظامه، فقد يسعى أردوغان لتقديم تنازلات كإعادة تقييم وجوده العسكري في سوريا، والقبول بتغيير شكل النظام في سوريا، والوصول إلى اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية؛ وذلك مقابل عدم دعم المعارضة التركية أو ملاحقته أو فتح ملفات تتعلّق بحقوق الإنسان والانتهاكات المرتكبة بحق المعارضة، وبقائه في السلطة أو التمديد له لفترة رئاسية جديدة بعد إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة في تركيا. لذا؛ فإنّ هذا الصراع لن يتحوّل إلى صراع عسكري، بل ستشهد تركيا – في حال استمرّت بسياستها في سوريا – لمزيد من العزلة الدولية والضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية التي من شأنها التأثير على الوضع الداخلي لتركيا وعلى مستقبل الحزب الحاكم “حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان”.