السيناريو المتوقّع حول الملف النووي الإيراني وتأثيراته على سوريا والإدارة الذاتية
د. أحمد سينو

أُبعِدت إيران وبعض أذرعها من الشرق الاوسط، بعد الهجمات الإسرائيلية على حزب الله في لبنان والتي أدّت إلى مقتل أمين عام حزب الله حسن نصرالله وبعض قادته، ولا تزال إسرائيل تترقّب أنشطة حزب الله وتحرّكاته وتتابع تصريحاته الأخيرة؛ حيث وجّهت ضربات إلى بعض الأبنية التابعة للحزب خلال الفترة الماضية، كما وجّهت إسرائيل ضربات قاتلة ضدّ حماس في فلسطين على خلفية الرهائن الذين اختطفتهم حماس، كما شنّت هجمات ضدّ مخازن الأسلحة التابعة للنظام السوري، وساهمت بشكل فعّال في تحطيم البنية العسكرية للجيش السوري، واستمرّت في شنّ الهجمات حتى بعد سقوط نظام بشار الأسد، وساهمت مع الولايات المتّحدة وبريطانيا في وصول فصائل من هيئة تحرير الشام إلى قصر الشعب في سوريا، ووجدت في ذلك ذريعة لها لاحتلال مناطق من الجنوب السوري، حتى صارت على بُعْد عدّة كيلو مترات من العاصمة دمشق، وسمحت لشيوخ من الطائفة الدرزية بدخول إسرائيل لزيارة المقدّسات الدينية للطائفة.
ومع ذلك؛ فإنّ الأذرع الإيرانية لم تنتهِ، فهناك الحوثيّون في صنعاء والحُديدة ولديهم نفوذ في مياه البحر الأحمر، لذلك شنّت الولايات المتحدة الأمريكية بنفسها عشرات الهجمات ضدّ الحوثيين ومراكزهم ومخازن أسلحتهم ومستودعاتهم وصواريخهم المدعومة من إيران، كما استهدفت منازل زعماء الحوثيين في صنعاء وصعدة، ولا تزال العمليات مستمرّة ضدّ الحوثيين كذراع فعّال لإيران؛ بل ازداد الأمر حدّة بدخول بريطانيا على الخط مجدّداً من خلال شنّ هجمات ضدّ الحوثيين وقواعدهم في اليمن وصنعاء والحُديدة والبحر الأحمر؛ وهذا ما يدخل في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة زمن ترامب بقوله: أمريكا أولاً ومن ثم ممارسة سياسة الضغط الأقصى، لإنهاء الحروب والنزاعات الدولية لإجبارها على الدخول في مفاوضات. وهذا ما تفعله السياسة الأمريكية في مناطق متفرّقة من العالم مثل أوكرانيا وانهاء الحرب والنزاع معها، وتفعل ذلك مع الاتحاد الأوربي وحلف شمال الأطلسي ومع الصين الشعبية؛ وذلك لتعزيز النفوذ الأمريكي، والخروج بصفقات رابحة مع الجميع وإلزامهم برفع نسبة المشاركة في الأموال والمخصّصات في الناتو، وفي أوكرانيا الاتفاق على معاهدة المعادن، ومع الصين برفع الرسوم الجمركية الأميركية على الواردات الصينية؛ بمعنى ممارسة الضغط الأقصى لجرّهم إلى مفاوضات تحقّق فيها ابتزازاً وفائدة أمريكية، وهذا ما تمارسه أمريكا مع كندا ومع المكسيك.
فمن خلال توجيه الضربات الموجعة للحوثيين في اليمن تمارس أمريكا الضغط الأقصى، وفعلاً جلبت إيران إلى مفاوضات جرت في عمان وفي إيطاليا في السفارة العمانية، وربما تُستأنَف المفاوضات في سلطنة عمان، وقد وُصِفت تلك المفاوضات ( الأمريكية – الإيرانية) بالإيجابية والمقبولة من الطرفين في المرات الثلاث الماضية، ورغم أنّ الولايات المتحدة كانت في السابق قد توصّلت إلى اتفاق نووي مع إيران ولكن في الولاية الأولى للرئيس ترامب أعلن انسحابه منها، أمّا هذه المرة فالولايات المتحدة نفسها تدعو للمفاوضات؛ وذلك لتحقيق نوع من الاستقرار في منطقة البحر الأحمر والخليج العربي ومضيق هرمز وبحر العرب والمحيط الهندي، لتأمين الملاحة البحرية الدولية لعموم حلف شمال الأطلسي، خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، كما يرفض الرئيس الأمريكي ترامب دفع رسوم بواخره وسفنه في البحار والمضائق والخلجان، وذد ذكر مؤخّراً بخصوص قناة السويس ومضيق باب المندب.
السيناريو المتوقَّع للاتفاق النووي:
بعد استكمال المفاوضات الجارية بين الطرفين يُتوقًّع أن ترفض الولايات المتحدة أن تصبح إيران دولة نووية مثل الهند وباكستان، كما ترفض أن تمتلك إيران القنبلة النووية؛ لما يشكّل ذلك خطراً على حلفائها في المنطقة، خاصة دولة إسرائيل، كما يشكّل خطراً على الاستقرار في المنطقة، وخاصة السعودية ودول الخليج التي تتعرّض للابتزاز الأمريكي خصوصاً في زمن ترامب في ولايته الحالية، ومن المتوقّع أن توافق الولايات المتحدة على أن تحتفظ إيران بصواريخها بعيدة المدى وببعض أسلحتها الاستراتيجية لتبقى صاحبة نفوذ في المنطقة، ولتبقى قوةً لا يُستهان بها كورقة تهديد في منطقة الخليج العربي؛ لسعي دول الخليج لتبقى تحت المظلّة الأمريكية خوفاً من إيران الشيعية التي لا تطمئنّ إليها دول الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية والامارات وسلطنة عمان وغيرها.
ومن دواعي وصول أمريكا إلى اتفاق مع ايران هو الحدّ من النفوذ التركي الذي هيمن بشكل مفاجئ على سوريا، وكذلك للحدّ من النفوذ الإسلامي وحركة الإخوان المسلمين المدعومة من دولة قطر، ومن المتوقَّع أنّه إذا تم التوصّل إلى الاتفاق النووي بين الجانبَين أن تحتفظ إيران بسلطة ولاية الفقيه في إيران، ويستفحل نفوذها في العراق وتبقى الفصائل الشيعية في العراق، خاصة أنّ الفصائل الشيعية، كالحشد الشعبي وغيره، تعمل على شرعنة وجودها داخل العراق بغطاء دستوري لمواجهة تنظيم داعش الذي يهدّد أمن المنطقة برمّتها، وإذا تم التفاهم بين الطرفين فسيتم الإفراج عن المليارات الإيرانية المجمّدة في البنوك الأمريكية والأوربية، وسوف ينشط الاقتصاد الإيراني، خاصة أنّ إيران قد تلقّت ضربات موجعة في ميناء بندر عباس، حيث طالت التفجيرات موادّ سامّة في الميناء كانت قد خُزِّنت بطريقة خاطئة حسب بعض التقارير؛ ورغم ذلك فإنّ أصابع الاتّهام تتّجه نحو إسرائيل، فقد سبق لها أن استهدفت إيران وهاجمتها عندما تمكّنت من اغتيال إسماعيل هنيّة.
تأثير السيناريو على سوريا وعلى مناطق الإدارة الذاتية:
من المُتوقَّع أنّه إذا تم التفاهم مع أمريكا حول الاتفاق النووي فسيكون ذلك بموافقة إسرائيلية وبريطانية، وسيكون له تأثير على المنطقة عموماً وعلى سوريا أيضاً؛ بمعنى أنّه سيحدث بعض التفاهم الدولي إقليماً، وهذا التفاهم ستكون له آثار في سوريا، فالتفاهم الإقليمي سيشمل بريطانيا وفرنسا وأمريكا وإسرائيل وتركيا وإيران؛ بمعنى أنّ النفوذ الايراني ودورها السياسي والديني، وربّما الاقتصادي، سيعود في سوريا، ولكن ليس كما كان عليه في عهد نظام بشار الأسد، وهذا النفوذ سيكون بالتوافق الروسي في منطقة الساحل السوري.
والوجود الإيراني سوف يضع حدّاً للميليشيات المنفلتة التابعة لتركيا ولهيئة تحرير الشام، والنفوذ الإيراني والإسرائيلي بعد التفاهم على الملف النووي سوف يضع حدّاً لنفوذ تركيا وتواجدها في سوريا، وسيُضعف دور استخباراتها وقواعدها السرّية؛ وقد يساعد ذلك أحمد الشرع على قبول اللامركزية والميل نحو الفيدرالية، لأنّه سوف يتخلّص من الفصائل الأجنبية ودورها، وسيتحرّر من الهيمنة التركية، وسيقبل الشروط الأمريكية والفرنسية والألمانية، ويحقّق ويكمل التفاهمات والاتفاقات مع الجنرال مظلوم عبدي، وسوف يضع دستوراً للبلاد، ويقبل جميع المكوّنات من الكرد والدروز والعلويين والسريان، وسوف يتغيّر اسم الدولة ليصبح “الجمهورية السورية”، ويتم الاعتراف باللغة الكردية لغةً رسمية مع اللغة السريانية، ويصبح الفقه الإسلامي أحد مصادر التشريع بما يوافق كل الأديان والشرائع.