زيارة وزير خارجية الأردن لسوريا، الأسباب والمآلات

خضر الجاسم

حين تكون المأساة هدفاً وغاية في حدّ ذاتها فلن يمنعك الصعود على جراح الآخرين أو أشلائهم، أو تجميل ذاتك برغم كلّ القباحة ومحاولات جعلها أكثر وسامة لدى الجميع ولا يكترث بحال السوريين أياً كانت من الهوان.

هذا ما يحدث مع النظام السوري من اندماج مع محيطه بعد الزلزال ما يفوق محاولات سنوات الحرب جميعاً. فرصة على طبق من ذهب أهديت له. ترجمها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في أول زيارة أردنية من نوعها إلى سوريا، منذ اثني عشر عاماً.

الثابت أن النظام السوري ما فتئ أن يقدم للمجتمع الدولي بأنه ماضٍ بإصلاح نفسه وتجميل صورته ومؤهلاً لقبوله بوضعه الجديد بعد رفض المجتمع الدولي ذلك بما فيه المحيط العربي بوصفة رش السكر على الجرح السوري. فالأردن انتظر طويلاً حتى وقوع حدث عظيم لسوريا يمكّنه دفع حمم اللهب التي كانت تأتي من فوهة النار من حدوده الشمالية. فزيارة الصفدي حتى وإن كان مضمونها إنساني، كما جاء على وسائل الإعلام إلا أنها تحمل العديد من الرسائل السياسية والقضايا الثنائية العالقة. فبعد ما يربو عن عقد من الزمن تتجه الأردن لتزيل الضبابية والغموض تجاه موقفه المترنح مما يحدث في سوريا.

وبطبيعة الحال، حسم الأمر بالنسبة للأردن هذه المرة مع وقوع الزلزال حينما فشلت كل محاولاته قبل ذلك مرات. وانتظر طويلاً حتى تأتي الفرصة المناسبة ليكسر العصا، التي كان يمسكها من المنتصف بين المعارضة والنظام السوري. فمن البديهي إذاً أن يستغل الأردن الكوارث الإنسانية لكسر التابوهات السياسية وتأسيس متغيرات جديدة على ساحة تعويم النظام السوري. انفض الأردن مع عديد من الدول العربية عن سوريا منذ اندلاع الربيع السوري في عام 2011. انفض لسبب أن ممارسات النظام السوري تجاه شعبه أكثر وحشية وقساوة ودموية حيث قال العاهل الأردني: ”لو كنت مكان الأسد لاعتزلت السلطة“. ولم يكن للأردن من بد أو خيار من التشظي بنيران الثورة برضاه أم عدمه بعد أن طرقت أراضيه لا سيما أن أهل درعا –مهد الثورة السورية- لهم صلات قرابة وجوار في الجانب الأردني، مثل: الطرة-الشجرة-الرمثا. وحرصاً على صلة الرحم فيما بين الشعبين استقبلت اللاجئين السوريين لتكون الحدود مثار سجال بين البلدين على خلفية اتهام النظام السوري الأردن بإيواء المسلحين وتدريبهم وتسليحهم بدعم ورعاية من السعودية وأميركا ما أدى في أكثر من مرة لاشتباكات بين الجيشين السوري والأردني ناهيك عن سيطرة المسلحين على معظم المعابر الحدودية ما خلا معبر نصيب؛ ما أثار مخاوف أن تكون درعا منطلقاً لهجوم أو هجمات نحو دمشق نفسها، وبالأخص أنها كانت بؤرة فصائل متشددة. ولا مناص من القول بأن الأردن أثار شكوكاً حول دعمه للمعارضة بطريقة أو بأخرى إذ لجأ إليها رئيس الوزراء السوري السابق رياض حجاب كما أن طياراً سورياً لجأ إليه بطائرته الحربية. وفي المقابل، زار وفد أردني سوريا ليعلن تأييده للنظام السوري بغض الطرف من الدولة الأردنية، من زاوية أخرى لاحقت الأجهزة الأمنية الأردنية مقاتلين أردنيين متشددين أو سوريين معارضين حاولوا التسلل إلى سوريا أو عادوا منها. أما الأهم، فهو تراشق الاتهامات بين الأردن وسوريا على خلفية سجن أحد الصحفيين الأردنيين وعدد آخر من السياسيين المعتقلين في دمشق.

ومما لا شك فيه بأن الأردن انتهج سياسة منذ بداية الأزمة السورية تقوم على رفض الحرب التي افتعلها النظام السوري على شعبه وإن كانوا في بادئ ذي بدء أقرب ميلاً للمعارضة السورية مع الاحتفاظ بقنوات سياسية محدودة مع النظام السوري وسرعان ما اتجه الأردن إلى رؤية أكثر وضوحاً بإنهاء الحرب السورية دون تدخل أجنبي علاوة على توحيد المعارضة في إطار وجسم سياسي موحد وفقاً لما أفرزه مؤتمر أصدقاء سوريا الأخير وكرر بعض مفرداته في جنيف2. وإذا أخذنا بالحسبان أن تدخل إيران في الحرب السورية لصالح النظام السوري وتغلغل ميليشياتها في الجنوب السوري هو أثار حفيظة الأردن خشية لعب دور إيراني قد لا تخشاه بجدية هي بقدر خشية جارتها إسرائيل من هذا الوجود وتعاملها معه من خلال الأطر الدبلوماسية بين الدولتين. ولا بدّ من التأكيد أن سيطرة النظام السوري على درعا أدى لافتتاح الأردن معبر نصيب – جابر في أواخر العام 2018، وعلى العكس من ذلك، فبدل ازدهار التجارة، ازدهرت تجارة المخدرات على نطاق واسع مع الأخذ بعين الاعتبار بأنها مدعومة من قبل أجهزة أمنية وضباط للجيش السوري وقياديين كبار لحزب الله اللبناني.

وتأسيساً على ذلك، قال نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي من دمشق، خلال لقائه الرئيس السوري بشار الأسد بإن: ”الأردن يتضامن مع الشعب السوري، وأن الرسالة واضحة هي تأكيد الوقوفِ إلى جانب الشعب السوري لتجاوز المحنة وتداعياتِ الزلزال“. هي كذلك زيارة إنسانية في ظاهرها أو ظرفها الاستثنائي، ولكن في خفاياها هناك دلالات سياسية تتعلق بقضايا عالقة أو أنها تحتاج إلى إعادة نظر بين  البلدين خاصة بالنظر إلى الحاجة الملحة لتواصل مباشر. وتتلخص الرغبة الأردنية بالتطبيع مع النظام السوري من خلال ضبط الحدود، ناهيك عن التباحث لإيجاد مخرج توافقي لأكثر من مليون لاجئ سوري بالأردن، وانخفاض التبادل التجاري من 400 مليون سنوياً قبل عام 2011 إلى 90 مليون في الوقت الحالي، إضافة إلى ذلك، فالأردن يبحث عن حصة في إعادة إعمار سوريا في المستقبل.

وفي الإطار العام، تلتقي مصالح الأردن مع النظام السوري، إذ أن الأخير يسعى إلى تجميل صورته أكثر بعد عزلة سياسية ودبلوماسية طويلة، أما الأول: فيرغب بالتأسيس لواقع جديد لا سيما بعد تخفيف حدة العقوبات الغربية تجاه سوريا والذي جاء في بيان للوزارة الأميركية بالسماح لمدة 180 يوماً بجميع الصفقات المتعلقة بمساعدة ضحايا الزلزال، التي كانت محظورة بموجب العقوبات المفروضة على سوريا. وتنطوي وجهة النظر الحقيقية بأن النظام السوري تسلق على جراح السوريين للبقاء في السلطة وتوطيد حكمه سواء فيما أنتجه من دمار بالأسلحة أو بالزلزال المميت، وكلاهما لدى السوريين واحد. فحين قتل السوريين بالأسلحة كان هو راض ولما قتلوا بالزلزال مشى في جنازتهم وابتسم وبتعبير أدق، لا مروءة في أي منهما أبداً. ومن الممكن أن تشهد الفترة القادمة لسوريا تطبيع جديد مع دول أخرى، كما هو الحال مع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي. ولعل ما يعزز هذا الاتجاه  أن الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، قال خلال جلسة حوارية في مؤتمر ميونيخ للأمن، ”إن إجماعاً بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا، وأن الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما، حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية، بما في ذلك عودة اللاجئين“. مضيفاً؛ ”سترون أن إجماعاً يتزايد ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي بل في العالم العربي على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار“. وقد لا يكون موقف السعودية مفاجئاً أو مستغرباً إذا قورن بموقف تركيا، وعلى لسان رئيسها أردوغان الذي قال ذات مرة: ”لا شيء محظور في السياسة“، وهو الذي قال أيضاً: ”سنصلي في الأموي“ بعد إسقاط النظام.

خلاصة القول: إن دولاً عربية أو دولية، قد تتجه للتطبيع مع النظام السوري من بوابة الزلزال المدمر أو بما تحمله حقيبة الساحر من مفاجآت. وبالرغم من أهمية المساعدات والتقارب مع سوريا في هذا الوقت تزامناً مع ظروف سوريا جراء الزلزال، فأن الغرب وعلى رأسها، أمريكا تقلل من أهمية التضامن الحاصل مع الأسد حالياً باعتباره يتأتى مع الأزمة الإنسانية فقط، وهي ليست كافية لتبرئة الأسد بما فعله بالشعب السوري. وبصرف النظر عن تقديم المساعدات الإنسانية العربية لسوريا إلا وأنه بالأصل أو بعرف البرتوكولات الدولية سيقدمها القادة العرب لأي رئيس في أي دولة بعد وقوع كارثة طبيعية كالتي حدثت في سوريا خاصة أن السوريين بالأساس يعانون من انعدام أمن غذائي شديد وفقر مدقع جراء جر النظام السوري البلاد إلى أطول حرب أهلية في الألفية الثالثة علاوة على أن سوريا فقدت كل مقومات الحياة واستمرار الحياة السياسية. ومن المفيد إذاً، ما سيحدث لاحقاً، من استمرار التطبيع أو نتائجه المرجوة مع النظام السوري على الأمد المنظور، والعبرة في ”الطاسة التي تكشف الغطاس“.

زر الذهاب إلى الأعلى