وحدة الصف الكردي وحتميتها في مواكبة التطوّرات في الشرق الأوسط وسوريا بعد سقوط نظام الأسد

احمد بيرهات

مقدّمة:

يمرّ الشرق الأوسط الآن في مرحلة تحوّلات جذرية على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ وتُعتبَر القضية الكردية أحد أبرز الملفّات التي تشهد تطوّرًا ملحوظًا في خِضَمّ هذه التحوّلات التي تجري في المنطقة؛ فالكرد يشكّلون أكبر قومية بدون دولة، يتوزّعون بشكل رئيسي بين كلّ من تركيا وإيران والعراق وسوريا، ومع تعاظم دور الكرد في السنوات الأخيرة في سوريا – وخاصة بعد إسقاط النظام السوري – ازدادت أهمية تحقيق وحدة الصف الكردي، حيث يواجه الكرد تحدّياتٍ سياسية وعسكرية متزايدة، وهو ما يجعل هذه الوحدة ضرورة استراتيجية لمواكبة المستجدّات والمتغيّرات الراهنة.

استطاع الكرد في سوريا تحقيق بعض المكاسب السياسية والإدارية المهمّة، مثل تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، وإعداد عقد اجتماعي متقدّم دون إقصاء فئات المجتمع المتعدّدة والمختلفة؛ وتُعَدّ هذه الوحدة ضرورة لتعزيز هذه المكتسبات وتحصينها من أي تهديدات مستقبلية، أي أنّها تشكّل الحجر الأساس في حماية المكتسبات السياسية والإدارية، خاصة بعد سقوط النظام السوري، أو في أي تسوية سياسية قادمة مستقبلية في سوريا، وسيكون على الكرد المطالبة بحقوقهم في إطار دولة موحّدة ذات سيادة أو نظام لا مركزي، وبتوحيد الصف الكردي سيمكنهم التفاوض ككتلة واحدة، وستزيد هذه الخطوة من فرص تحقيق مطالبهم الوطنية والديمقراطية المشروعة، ومع ذلك، لا تزال هذه المكاسب بحاجة لثقل في بنيتها؛ فهي تتعرّض للخطر بشكل دائم بسبب الضغوط الخارجية والتحدّيات الداخلية.

فالكرد في سوريا يتعرّضون لتحدّيات متعدّدة، أبرزها التهديدات التركية المتكرّرة من خلال الفصائل العسكرية التي تأتمر بأجنداتها؛ فالاستهدافات التركية في أوجها في منبج – وتحديداً على سد تشرين وجسر قراقوزاق الاستراتيجيّين – وقوات سوريا الديمقراطية تدافع عنها بشكل مستميت؛ ففي مواجهة هذه التهديدات تأتي وحدة موقف الكرد وخطابهم المتزن بمثابة قوة سياسية وعسكرية أكبر، وهذا ما سيعزّز من موقف الكرد في مستقبل سوريا والمنطقة عامة، وستجعل الكرد شريكًا سياسيًا موثوقًا وقادرًا على لعب دور إيجابي في المنطقة، سواء مع القوى الإقليمية أو الدولية، وستعزّز فرص الدعم الدولي للقضية الكردية.

وهذا يعني التوجّه نحو بناء مؤسسات قوية ومستدامة تخدم تطلّعات الشعب الكردي على المدى الطويل، خاصة بعد التجربتين المعاصرتين في إقليم كردستان وروجافا (جزء من شمال وشرق سوريا)، ممّا يعزّز الاستقرار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الكردية وعموم الجغرافيا السورية لاحقاً.

أهمية وحدة الصف الكردي:

بعد 14عاماً من إعلان المكوّنات الشعب السوري الانتفاضة ضدّ الذهنية الدكتاتورية للنظام في سوريا، تكلّل نضالهم وأثمرت تضحياتهم بإسقاط نظام الأسد والبعث، وبات الكرد في شمال وشرق البلاد يتمتّعون بدرجة كبيرة من القدرة على إدارة أنفسهم؛ ورغم ذلك فإن هذا التطوّر والمكسب المتقدّم، يظلّ وجودهم مقلقاً في ظل التهديدات الداخلية والخارجية التي يتعرّضون لها، بدءًا من الخلافات بين الأحزاب والقوى المختلفة، وانتهاءً بالتدخّلات التركية.

مع سقوط نظام الأسد والبعث شهدت سوريا فراغًا سياسيًا، والمخاوف الحالية تكمن في استمرار هذا الفراغ، وقد يتحوّل إلى فوضى عارمة تؤثّر على المحيط الإقليمي؛ فهذا الوضع المستجدّ يتطلّب من الكرد، كأولوية، موقفًا موحّدًا حول حلّ قضيتهم (كقضية أرض وشعب) وأن تكون مطالبهم واضحة، لهم تطلّعاتهم السياسية والحقوقية والثقافية، خاصة في ظل إعادة رسم الخرائط السياسية في منطقة الشرق الأوسط.

وإذا أخذنا تجربة إقليم كردستان مثلاً، فعلى الرغم من نجاحها نسبياً في بناء نظام فدرالي ضمن الجمهورية العراقية في بداية التسعينات من القرن المنصرم، إلّا أنّها تشهد صراعات داخلية بين الفَينة والأخرى؛ وهو ما أثّر على وحدته ومكانته الإقليمية والدولية، فتجنّب هذه الأخطاء يتطلّب توحيد الخطاب والرؤية بين مختلف الأطراف الكردية والسورية ضمن وحدة وسيادة البلاد، فهذه التجربة تقدّم دروسًا بارزة وقيّمة للكرد في سوريا للاستفادة منها ضمن تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في سوريا، وضرورة التأكيد والإصرار الدائم للعيش في ظلّ نظام لامركزيّ تعدّديّ وديمقراطي.

فوحدة الصف الكردي ستضمن تحصين المكتسبات وتوحيد الجهود لمواجهة هذه التحدّيات السياسية والوجودية لدى مهندسي خريطة الشرق الأوسط الجديدة.

التحدّيات والعقبات التي تواجهها حلّ القضية الكردية:

هناك تحدّيات كثيرة تقف أمام الكرد، ومن أبرزها: رفض الدول الإقليمية، كتركيا وإيران على وجه الخصوص، حلّ القضية الكردية؛ فكلتا الدولتَين تعتبران أيّ خطوات لحلّ القضية الكردية تهديدًا مباشرًا لوحدة أراضيهما، فتزيد من حجم الضغوط على الأطراف والقوى الكردية، وتشتّت جهودها في بناء وحدة سياسية متماسكة فيما بينها.

ومن تلك التحدّيات تباين مصالح الدولية والقوى الكبرى؛ فهي غير متّفقة دائمًا على رؤية موحّدة لحلّ القضية الكردية، كالولايات المتحدة الامريكية وروسيا والاتحاد الأوروبي، ولكلّ منها أهداف مختلفة، وباتت راسخة وفق الأيديولوجية الرسمية للدول وبعض القوى المتطرّفة، ويستغلّ بشكل سلبي، وهي بالأساس بعيدة عن نوايا الكرد؛ وهو ما يزيد من التباينات داخل الصف الكرديّ بسبب اختلاف العلاقات مع هذه القوى، ودائماً ما تستغلّ القضية الكردية كورقة ضغط في صراعاتها الجيوسياسية، حيث تسعى كلّ دولة لتحقيق مصالحها على حساب الكرد.

إضافة إلى أنّ قوىً إقليمية ودولية أخرى تلعب أدوارًا متضاربة فيما يخصّ القضية الكردية في سوريا، ويشكّل التدخّل التركي تهديدًا وخطراً وجودياً مباشرًا على الكرد.

(ولبريطانية، تحديداً، تأثير كبير؛ حيث أقفلت الباب في وجه حلّ هذه القضية منذ مؤتمر القاهرة1921 ونأمل أن تفتح هذا الباب مع الزيارة التي قام بها ممثّلو الإدارة الذاتية الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية اليها خلال هذا الشهر).

وأيضاً هناك الخلافات والانقسامات بين القوى الكردية نفسها تجعل من مسألة تقديم رؤية موحَّدة للقضية أمراً صعباً؛ فتتباين الرؤى بين الأحزاب الكردية السورية، خاصة بين حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) من طرف، والذي يتبنّى “الأوجلانية” كمنهج فكري، والمجلس الوطني الكردي (ENKS) من طرف آخر، والذي يتمتّع بعلاقات وثيقة مع طرف رئيسي في حكومة إقليم كردستان، وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK)، وبينهما خلافات أيديولوجية؛ فهذه الخلافات تعيق بناء جبهة ورؤية كردية موحّدة، ويضعف موقف الكرد أمام القوى الكبرى.

ويمكن الملاحظة أنّه بالرغم من تحقيق الكرد مكاسب على الأرض، إلّا أنّهم يعانون من صعوبات في الأوضاع الاقتصادية التي تضعف من قدرة المؤسسات على تقديم الخدمات اللازمة للسكان؛ ممّا يؤدّي إلى زيادة التوتّرات الداخلية وضعف في البنية السياسية والمؤسساتية التي يمكن أن تكون أساسًا لتوحيد الصفوف وتقديم نموذج ديمقراطيّ قويّ لكلّ سوريا.

استراتيجية تحقيق الوحدة الكردية:

الكرد بحاجة لاستراتيجية ترتكز على دعائم مترابطة وتصوّر شامل، وتبدأ بـ:

  • الحوار الداخلي بين القوى والأحزاب الكردية:

يجب فتح قنوات حوار جديدة ومباشرة وشفافة بين مختلف القوى الكردية السورية؛ ليشكّل هذا الحوار أساساً لتقريب وجهات النظر وبناء جسور الثقة بين الأطراف المختلفة، ويجب أن يكون الحوار شاملًا، بحيث يضمّ جميع القوى السياسية الكردية دون إقصاء، وبرعاية أطراف محايدة وخيّرة(إيجابية) إن لزم الأمر، وغير منحازة لطرف على حساب الآخر، لتجاوز الخلافات الموجودة وبناء رؤية مشتركة (وقد باتت مؤشراتها واضحة الآن على المستويين الكردستاني والدولي).

2- المنهجية الفكرية العقائدية لمستقبل مشترك بين الكرد:

 الأفضل والاجدر بالكرد هو الاتفاق على وثيقة سياسية تضع أسسًا لمستقبل الكرد، ويمكن أن يكون نموذج اتفاقية هولير1 وهولير 2مثالاً لهذه الوثيقة، مع أخذ المستجدّات في سوريا والمنطقة عامة بعين الاعتبار، بحيث تتضمّن تلك الوثيقة مطالب واضحة ومتّفق عليها مسبقاً في أي مفاوضات وطنية شاملة، سواء في إطار دولة فدرالية (اتحادية) أو إدارة ذاتية ديمقراطية أو أي شكل من النظام اللامركزي، ويشكّل ذلك إدراكاً واقعياً وجودياً.

أو يمكن تأسيس مجلس تنسيقي يضمّ ممثّلين عن جميع الأحزاب والقوى السياسية الكردية، للعمل على إدارة القضايا المشتركة وتجنّب النزاعات المباشرة، ووضع آليات واضحة لإدارة الاختلافات السياسية وحلّها بشكل سلميّ، مع احترام التعدّدية السياسية داخل البيت الكردي، واعتبارها ثقافة سياسية اجتماعية لابدّ من التعايش معها.

3- خطوات بناء الثقة وتقديم ضمانات متبادَلة بين القوى التي تناشد وتعمل للوحدة الكردية:

يمكن تحقيق هذه الثقة من خلال إنهاء حملات التشويه الإعلامي المتبادَلة، والابتعاد عن الخطاب التحريضي أو الموجّه ضدّ الأطراف الكردية الأخرى، والاتفاق حول اعتماد خطاب وحدوي جامع يركّز على المصالح المشتركة، والتوقّف عن اللجوء إلى أطراف خارجية للإضرار بالطرف الآخر، كما يمكن الاتفاق حول ضمانات سياسية أو قانونية بين الأطراف؛ لضمان التزام كلّ طرف بنتائج الحوار والتفاهمات.

4- تعزيز العلاقات مع القوى الوطنية السورية:

يجب أن يكون الحفاظ على علاقات جيّدة مع القوى السورية الوطنية والديمقراطية وباقي المكوّنات القومية والدينية في البلاد هدفاً لا يقبل التأجيل، بالإضافة إلى ضرورة التواصل الدائم معها وفق رؤىً مشتركة عديدة؛ ليضمن ذلك مكانة قوية للكرد في مستقبل سوريا، ويمكن أن يكون لنموذج مجلس سوريا الديمقراطية دوراً في ذلك.

5- الدعم الشعبي للمكوّنات المختلفة المتعايشة ومؤسساتها المدنية:

يمكن للمؤسّسات المدنية والمجتمعية، والأكاديميين والمثقّفين لعب دور في تقريب وجهات النظر وخلق حالة من الضغط الإيجابي على الأطراف السياسية للوصول إلى توافقات؛ وذلك من خلال إشراك القواعد الشعبية في تنظيم حوارات مفتوحة مع اجتماعات جماهيرية مؤثّرة تبحث في قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية لتعزيز الوحدة الشعبية؛ ممّا يخلق ضغطًا على القيادات السياسية لتجاوز خلافاتها (وهذه بحاجة الى وقفة مطوّلة لتعزيز دور المجتمع المدني بشكل فعّال في هذه الأوقات المفصلية، للعب دور إيجابيّ في تقريب وجهات النظر بين القوى الكردية والكردستانية من جهة، والكردية السورية الأخرى من جهة ثانية وتحقيق دعم جماهيري واسع للوحدة السياسية ضمن التنوّع والاختلاف الموجود، خاصة في ظلّ الأوضاع والتطوّرات الأخيرة التي يشهدها الشرق الأوسط، وتحديداً في سوريا).

6.التثقيف السياسي والاجتماعي من خلال القراءة الصحيحة للتاريخ:

وذلك من خلال تنظيم ندوات وورش عمل لتثقيف الكوادر السياسية حول أهمية الوحدة الكردية وآثار الانقسام على القضية الكردية.

كما يمكن الاستفادة من التجارب السابقة؛ من خلال دراسة الصراعات الكردية السابقة في سوريا ودول أخرى، واستخلاص الدروس اللازمة لتجنّب تكرارها.

والاستفادة من النماذج الناجحة عبر النظر إلى تجارب الشعوب الأخرى التي نجحت في تجاوز خلافاتها السياسية وتوحيد صفوفها، مثل جنوب إفريقيا أو إيرلندا الشمالية أو المكسيك أو كولومبيا أو تجربة منظمة التحرير الفلسطينية.

الوحدة الكردية ودورها في مواكبة تطوّرات الشرق الأوسط:

ممّا لا شكّ فيه أنّ وحدة الصف الكردي ستعزّز دوره الكرد كعنصر استقرار وأمان في منطقة تعاني من صراعات مستمرة منذ القدم؛ ومن خلال وحدتهم، يمكن للكرد أن يصبحوا شريكًا استراتيجيًا للقوى الفاعلة في المنطقة، سواء في مكافحة الإرهاب (تجربة محاربة داعش) أو في بناء مستقبل سياسي مستقرّ لدول المنطقة؛ أي تولّي دور إقليمي فاعل في حال تم التوصّل لحلّ القضية الكردية بشكل كامل في الشرق الأوسط؛ فوحدة الكرد ستضمن الحفاظ على هويتهم الثقافية والسياسية بطبيعة الحال، خاصّة في ظلّ محاولات طمس تلك الهوية من قبل بعض القوى الإقليمية، وعلى رأسها الدولة التركية.

هل حان الوقت لحلّ القضية الكردية واتفاق القوى الكبرى حولها؟

القضية الكردية، باعتبارها واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في الشرق الأوسط، ولم تُحلّ على مدى عقود بسبب عوامل تاريخية وسياسية وجغرافية عديدة؛ فالكرد – كما ذكرنا في المقدمة – يتوزعون على أربع دول رئيسية (تركيا، العراق، إيران، وسوريا)، ويواجهون تحدّيات متعدّدة تتراوح بين التهميش السياسي إلى القمع الثقافي ومحاولة صهرهم بشكل ممنهَج.

ومع التغيّرات الجذرية اليوم في المنطقة، برزت القضية الكردية كملف أساسي مؤثّر على الأمن والاستقرار الإقليميَّين؛ فالتغيرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة حالياً من حيث التوقيت ودلالاته قد تجعل الوقت مناسبًا لحلّ القضية الكردية.

 والسؤال البارز هنا هو: ما هي المستجدّات الواضحة لحلّ القضية الكردية؟

يمكننا تناوله وإظهاره على الشكل التالي:

-إعادة تشكيل الخرائط السياسية:

التغيّرات على ميزان القوى في الشرق الأوسط، سواء بسبب الحروب الداخلية او الإقليمية التي ما زالت تجري عن طريق الوكلاء أو التدخّلات الدولية (حرب غزة وجنوب لبنان أنموذجاً)، تكون قد فتحت بكل تأكيد المجال لإعادة النظر في الملفات العالقة، ومنها القضية الكردية.

-الدور الكردي المتنامي:

لعب الكرد دورًا بارزًا في مكافحة الإرهاب (محاربة “داعش”)؛ وهو ما أكسبهم شرعية دولية ودعمًا من بعض القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة ودول أوروبية (ضمن تجربة قوات البيشمركة في العراق وقوات سوريا الديمقراطية في سوريا).

ومع سقوط النظام السوري تغيّرت معادلات الحكم تباعاً، كما مرّ معنا؛ فقد أصبح من الضروري مناقشة وطرح مستقبل الكرد في سوريا ضمن أي تسوية شاملة في البلاد.

الأسباب الرئيسية التي تدفع القوى الكبرى إلى السعي لحلّ القضية الكردية:

  1. 1. حلّ القضية الكردية يمكن أن يسهم في تحقيق استقرار أكبر في المنطقة، خاصة في ظل النزاعات المستمرّة التي تؤثّر على الأمن الإقليمي والعالمي؛ فالكرد من أكثر الشعوب التي تنشد السلام، ولديهم مرونة وقابلية للتأقلم مع المتغيّرات ويتقبّلون القيم الغربية.
  2. بحسب العقلية الغربية والمصالح الجيوسياسية للقوى الكبرى؛ ترى أنّه ولضمان نفوذها في الشرق الأوسط يمكن أن يكون دعم الحقوق الكردية والمساهمة لحلّها أداة تسيّر هذه المصالح ومحاربة الإرهاب؛ وبالطبع على الكرد استغلال ذلك والاستفادة من هذه السياسة.
  3. تدّعي وتنشد القوى الدولية، بشكل دائم، حماية المكتسبات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحلّ القضية الكردية يتماشى مع هذا التوجّه، خاصة بعد المكاسب السياسية التي حقّقها الكرد في العراق وسوريا مؤخّراً.

إذاً؛ فالسياسة التي تتّبعها القوى الكبرى “التي ترى أنّ من مصلحتها حلّ القضية الكردية” الآن هي كالتالي:

البدء بتطبيق مخطّط شامل ورؤية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار حقوق الكرد دون المساس بوحدة الدول التي يعيشون فيها، وتقديم ضمانات دولية للكرد والدول الإقليمية بأنّ أي حلّ لن يكون على حساب أحد.

وأيضاً دعم وتشجيع حوار الكرد فيما بينهم، والحوار بين الكرد والدول التي يعيشون فيها للوصول إلى حلول توافقية.

-السؤال المطروح بقوة في هذا الشأن هو: ما الذي يمكن أن يدفع هذه القوى العالمية لحلّ القضية الكردية الآن تحديداً؟

ويمكننا الخوض في الإجابة من خلال تكثيفها على شكل نقطتَين أساسيتَين:

التغيّرات الحاصلة في سوريا وتبعاتها؛ فأيّة تسوية سياسية في سوريا قد تتطلّب وضع حلّ نهائيّ للقضية الكردية في سوريا.

الضغط الشعبي والدولي الكبير مع تزايد دعم الشعوب في العالم لحقوق الأقليات، وفي هذا الشأن قد تواجه القوى الكبرى ضغوطًا للتدخّل بجدية في حلّ القضية الكردية.

وبالنظر إلى الظروف الراهنة؛ يمكن القول إنّ الفرصة قد أصبحت مواتية أكثر من أي وقت مضى لطرح القضية الكردية على طاولة القوى الكبرى.

ومع ذلك، وبالرغم من الظروف والأجواء الإيجابية المتوفّرة والناضجة في الشرق الأوسط، فإنّ الظفر بحلّ القضية الكردية يعتمد بشكل اساسي على قدرة الكرد على توحيد صفوفهم، وتقديم رؤية واضحة وموحّدة لمستقبلهم، حيث إنّ اللحظة الراهنة قد تكون فرصة نادرة لتحقيق تطلّعاتهم السياسية والحقوقية والإنسانية، واستعداد الدول الإقليمية لتقديم “تنازلات”، وإرادة القوى الكبرى للعب دور فاعل في حلّ هذه القضية التي أرّقت الكثيرين وباتت حلماً يتناقله الكرد، جيلا يعد جيل، لتحقيقه للأسباب العديدة التي ذكرنها في سياق مساهمتنا هذه.

وفي النهاية، ومن خلال قراءتنا المكثّفة، يمكن القول:

إنّ القضية الكردية ليست مجرّد قضية محلّية أو إقليمية، بل هي جزء من المعادلة الدولية في الشرق الأوسط.

 وإنّ القوى الكبرى تمتلك الأدوات اللازمة لحلّ هذه القضية، ولكن الأمر يتطلّب إرادة سياسية حقيقية وتعاونًا إقليميًا ودوليًا، وأعتقد أنه قد آن أوانها.

والاستنتاج هو أنّه:

في ظلّ التغيّرات العميقة التي يشهدها الشرق الأوسط وسوريا خاصة، تُعَدُّ وحدة الصفّ والخطاب السياسي للكرد أكثر من مجرّد خيار، بل تُعَدُّ ضرورة إستراتيجية، كما تُعَدُّ السبيل الوحيد لضمان حقوق الكرد في سوريا وحماية مكتسباتهم، وكذلك لإثبات قدرتهم على المساهمة في بناء مستقبل ديمقراطي لكلّ سوريا.

ولتحقيق هذه الوحدة يتطلّب من القوى الكردية المؤثّرة جهودًا شجاعة وقرارات تاريخية تتجاوز المصالح الحزبية الضيّقة لصالح الهدف الأسمى للكرد عامةً، وهو حلّ قضيتهم والعيش بحرية وسلام مُستدام مع الشعوب والالمكوّنات المتعدّدة والمتنوّعة والمختلفة ثقافياً كنواة لشرق أوسط ديمقراطي.

ملاحظة: المقال كتب قبل لقاء السيد مسعود برزاني والسيد مظلوم عبدي؛ لذا اقتضى التنويه.

زر الذهاب إلى الأعلى