الصراع الأمريكي الصيني على المصالح والنفوذ في الشرق الأوسط

القمة الثلاثية التي انعقدت في الرياض في الفترة من / 7 – 9 / كانون الأوّل الماضي بين الزعيم الصيني (شي جين بينغ) وزعماء دول الخليج والدول العربية والسعودية، حملت معها تطورات اقتصادية وسياسية هامّة، حيث وقّع الطرفان الصيني والسعودي مجموعة من الاتّفاقيات الاقتصادية التي بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من ثلاثين مليار دولار، وهذا رقم كبير لم تحلم به الصين من قبل.

وهذا الانعطاف جاء بعد عقود من التردّد الصيني وجاء بعد الاتفاقية الإستراتيجية مع إيران في عام/ 2021/ وقد تحولت بكين بعد الاتفاقية المذكورة مع إيران الى اتّباع سياسة أكثر جرأة لتحدّي واشنطن.

 ليس هذا فحسب، بل إنّ الصين بدأت تدعم إيران للتصدّي للوجود الأمريكي في العراق ودول الخليج والسعودية، وعزّزت من قدرات إيران التجارية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، الأمر الذي ساعد الأخيرة على مواجهة الحصار الاقتصادي والتقني والسياسي الأمريكي المفروض عليها.

والحقيقة أنّ زيارة الزعيم الصيني الى السعودية في هذه الفترة بالذات لها دلالات اقتصادية وسياسية ، ويمكن أن نطلق عليها سياسة ملء الفراغ، خاصّة وأنّ منحى العلاقات بين أمريكا والسعودية تشهد انكفاءً و فتورًا وتغيّرات،  بعضها يتعلّق  بتغير طبيعة المصالح السياسية الأمريكية  في منطقة الشرق الأوسط، وبعضها الآخر يتعلّق بالسياسة الأمريكية التقليدية تجاه المملكة العربية السعودية، والتي كانت ترتكز على مبدأ الحماية مقابل النفط ( خاصة وأنّ أمريكا لم تعد بحاجة الى النفط السعودي )  وهناك أسباب أخرى للتباعد بين أمريكا والسعودية، وأهمّها مأخذ أمريكا على مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان في السعودية.

 وازدادت حدّة الخلاف بين الطرفين الأمريكي والسعودي نتيجة توقيع واشنطن للاتّفاق النووي مع إيران عام /2015 /  ورغم التحسّن النسبي في العلاقات الثنائية على نحو ملحوظ خلال حكم الرئيس الأمريكي ترامب، فإنّ فشل الإدارة الأمريكية في الردّ على الهجمات التي اتّهمت إيران بشنّها ضدّ السعودية، خصوصًا الهجمات على منشآت آرامكو في أيلول / 2019 / والتي أخرجت نصف  الإنتاج النفطي السعودي عن الخدمة، وأدّى كلّ ما سبق إلى تزعزع الثقة في العلاقة بين واشنطن ودول الخليج، الأمر الذي دفع السعودية الى تنويع شراكاتها الدولية مع روسيا  وخاصّة الصين التي باتت تعتمد على الخليج كمصدر رئيسي للطاقة.

 و أخذت الاستدارة السعودية نحو الصين منحىً أعمق مع وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض في تشرين الثاني /2020  / وكان الأخير قد أطلق خلال حملته الانتخابية تصريحات معادية للحكم في السعودية، وأخرج الحوثيين من قائمة المنظّمات الإرهابية، وأوقف تصدير الأسلحة الهجومية الى السعودية، واتّهم وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان باغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لكن إدارة بايدن غيّرت موقفها وأفرجت عن صفقات الأسلحة للسعودية بدافع حاجتها الى ضبط أسواق النفط بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وقام بايدن بزيارة للسعودية في تموز / 2022 / حاول خلالها رأب الصدع في العلاقة مع الرياض، ولكنّه لم ينجح في إيقاف وتيرة التقارب السعودي – الصيني، والخليجي – الصيني.

وتشهد العلاقات بين أمريكا والصين حاليا أكثر الفترات تشنّجا، وتتّهم الصين واشنطن بأنّها تستغل سطوتها العسكرية وقوّتها المادية لسحق الدول الأخرى تحت حجّة حماية الأمن القومي الأمريكي، وبالمقابل تتّهم أمريكا الصين بارتكاب الإبادة الجماعية للمسلمين الإيغور، والحدّ من الحقوق الديمقراطية في هونغ كونغ.

وعلى ضوء ما سبق يمكننا القول أنّ الصين تحاول أن تشكّل اليوم نوعًا من القطبية الثنائية مع روسيا في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، وأنّ العلاقات بين الصين وأمريكا قد وصلت الى الأسوأ منذ عدّة سنوات، ويبدو أنّها تتّجه نحو المزيد من التدهور.

وقد صرّح كورت كامديل وهو كبير مستشاري الرئيس بايدن للشؤون الأسيوية (في مقال نشرته مجلة فورين أوفريريز) بوضوح:

” أنّ حقبة التواصل مع الصين وصلت الى نهايتها “.

وقال جورج كيربي المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي لوسائل إعلام أمريكية:

 ” إنّ واشنطن تدرك أنّ الصين تحاول مدّ نفوذها الى الشرق الأوسط وتعزيزه “

زر الذهاب إلى الأعلى