الموقف الإقليمي من الكرد

من جديد تكشر الدول الإقليمية الأربعة عن أنيابها بالرغم من الضعف والوهن الذي تعاني منه هذه الدول كلما حقق الكرد تقدماً أو انتصاراً في المنطقة وتجلى ذلك بشكل واضح بعد الإعلان عن الانتصار العسكري على تنظيم داعش الإرهابي في الباغوز، وذلك خلال الاجتماع الثلاثي بين رؤساء أركان كل من إيران والعراق وسوريا بتاريخ 17 مارس المنصرم، حيث كان فحوى الاجتماع  التعاون الأمني والعسكري لمواجهة قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب، حيث أكد وزير الدفاع السوري علي أيوب خلال الاجتماع أن “دمشق” ستتعامل مع هذه القوات إما بأسلوب المصالحات أو بتحرير الأراضي التي تسيطر عليها قسد، وتزامن مع هذا التصريح تأكيد تركيا على القيام بعملية عسكرية مشتركة مع إيران ضد حزب العمال الكردستاني، وهذا ما يؤكد على وجود تناغم وتوافق إقليمي على مواجهة الكرد والمشاريع الإصلاحية التي يقدمونها للأزمة التي تعصف بالمنطقة منذ أكثر من ثماني سنوات.

تحاول الدول الإقليمية التي حكمت الكرد لعقود إعادة السيطرة الشوفينية والفاشية على المناطق الكردية والتحكم بالإرادة الكردية عبر إحياء النظام السوري في المناطق الكردية والمناطق العربية التي حررتها قوات سوريا الديمقراطية من تنظيم داعش الإرهابي.

ويعود هذا التناغم ثانية لفرض طوق التحكم والإبادة الثقافية والجسدية على الكرد في شمال وشمال شرق سوريا كما كان في السابق من قبل الأنظمة الإقليمية الرجعية لأن الكرد في هذا  الجزء من كردستان استطاعوا كسر هذا الطوق المفروض عليهم من قبل نظام البعث في سوريا من خلال حماية المنطقة وتأسيس إدارة ديمقراطية تشاركية يعتمد على مفهوم الأمة الديمقراطية بدلاً من التسلط والحكم الاستبدادي الذي فرضته الأنظمة المتعاقبة في سوريا، ويضاف إلى ذلك تصدي الكرد في روج آفا وشمال سوريا من خلال تمثيلهم العسكري وحدات حماية الشعب والمرأة للإرهاب بمختلف أشكاله ابتداءً من هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) إلى تنظيم داعش الإرهابي،  وبهذه المقاومة البطولية أستطاع الكرد كسب وجذب أنظار القوى العالمية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت تدعم حينها ما يسمى بالجيش الحر عبر غرفة الدعم المشترك في تركيا برعاية الاستخبارات التركية والأمريكية وانتهت بالفشل الذريع.

إن التمسك بالأرض وعدم التراجع والتشبث بالقضية من قبل وحدات حماية الشعب والمرأة من جهة والحاجة إلى قوة عسكرية متماسكة وقوية من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى أدى إلى بروز التنسيق والتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، حيث استطاعت قوات سوريا الديمقراطية بفضل صمودها وبسالتها تحقيق النصر العسكري على داعش الإرهابي وكسب التأييد والتعاطف الدولي إلا أن هذا التعاطف والتضامن لم يتبلور حول مسألة الاعتراف السياسي والقانوني بهذه المنطقة.

لذا نجد أن الدول الإقليمية المحيطة بروج آفا وشمال سوريا ترى في الوجود السياسي والعسكري  الناشئ لقوات سوريا الديمقراطية والذي يحظى بالدعم العسكري الدولي من التحالف خطراً عليها، حيث تحاول هذه الدول الإقليمية المتواجدة في سورياـ تركيا وإيران وروسيا والنظام السوري أيضاً تأليب الشعوب في المنطقة ضد قوات سوريا الديمقراطية من خلال العمل على خلق النعرات القومية والطائفية ومحاولات التلاعب وتحريض العشائر العربية ضد قوات سوريا الديمقراطية لإرساء الفوضى بين مختلف المكونات في مناطق شمال وشرق سوريا التي حررتها قسد من تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابية لإفشال هذا المشروع الديمقراطي الذي يحتذى به كبديل لنمطية واحدة أي النظام القومي المركزي الذي حكم سوريا لعقود ويقوم على إمحاء التراث والثقافات المحلية لكل الاثنيات الموجودة في سوريا، ومن أجل ذلك يسعى النظام والدول الإقليمية لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية وتعزيز لسياسة تضييق الخناق على الكرد في أجزاء كردستان الأخرى، خاصة في الأونة الأخير في باشور كردستان حيث تسعى المليشيات الشيعية المرتبطة بإيران والحكومة العراقية وبالتنسيق مع تركيا لمحاصرة شنكال وإنهاء قوات الحماية الذاتية في هذه المنطقة الكردية، وفي كركوك تعمل تركيا على إذكاء النزعة العنصرية من خلال التركمان وإضفاء الطابع العنصري على المدينة بكون كركوك يعود لهذا المكون التركماني فقط.

وفي تركيا عملت حكومة العدالة والتنمية من خلال شماعة مواجهة الإرهاب في الخارج على قمع الكرد في باكور كردستان من خلال سلب البلديات في السنوات الأخيرة وزج أعضاء ورئيس وقيادة حزب الشعوب الديمقراطي في السجون حيث يواجه هذا الحزب سياسة التصفية ومنع العمل السياسي بين الشعب.

وعلى ضوء هذا الواقع من المحتمل أن تندلع حرب كبرى بين الكرد وهذه القوى التي تسعى لإفناء الكرد خاصة تركيا سواء في شمال سوريا أو في باكور كردستان وهذا من شأنه التأثير على مسار الأحداث والتحالفات في المنطقة برمتها، أما في سوريا ستحاول إيران ونظام الأسد محاربة مجلس سوريا الدمقراطية المظلة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية والسعي إلى عدم إشراك هذا المجلس في أي تسوية سياسية للمسألة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى