تداعيات سقوط النظام السوري على إيران
خسارة العمق الاستراتيجي ومسارات التكيّف
لطالما كانت أهمية سوريا في الاستراتيجية الإيرانية تشكّل حجر الزاوية في الاستراتيجية الإقليمية لإيران منذ تأسيس تحالفها مع نظام حافظ الأسد، ولم يكن هذا التحالف مجرّد توافق سياسي، بل امتدّ ليشمل أبعادًا عسكرية وأيديولوجية واقتصادية. ومع اندلاع الثورة السورية، تطوّرت العلاقة بين إيران ونظام بشار الأسد إلى شراكة عسكرية مباشرة؛ بهدف الحفاظ على النظام وضمان استمرار النفوذ الإيراني في سوريا. وسقوط هذا النظام في ديسمبر 2024 يشكّل نقطة تحوّل كبرى في توازن القوى في الشرق الأوسط، كما يضع إيران في موقف استراتيجي حَرِج.
أهمية سوريا في العقيدة الاستراتيجية الإيرانية
. البُعد الجيوسياسي:
كانت سوريا المَعْبَر الأساسي لإيران إلى البحر المتوسط، كما كانت مركزًا لتوسيع نفوذها في المشرق العربي؛ وهذا الممرّ الاستراتيجي يسمح لإيران بربط محورها الذي يضمّ كلّاً من العراق وسوريا ولبنان.
. البُعد العسكري:
كانت سوريا قاعدة لوجستية لتمويل وتسليح حزب الله في لبنان، وهو الذراع الأقوى لإيران في المنطقة.
وجود القواعد العسكرية الإيرانية على الأراضي السورية أعطى طهران القدرة على مواجهة إسرائيل بشكل مباشر من الحدود السورية.
. البُعد الأيديولوجي:
تبنّى النظام السوري خطاب “المقاومة والممانعة” الذي كان متوافقًا مع الرؤية الإيرانية لمواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل؛ وهو ما جعل سوريا شريكًا أيديولوجيًا حيويًا.
. البُعد الاقتصادي:
كانت سوريا سوقًا استهلاكية وشريكًا تجاريًا لإيران في ظلّ العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران.
استثمارات إيران في البنية التحتية السورية كانت جزءًا من استراتيجية لإرساء النفوذ الاقتصادي المُستدام.
تداعيات سقوط النظام السوري على إيران:
- خسارة العمق الاستراتيجي:
سقوط النظام السوري واستبداله بإدارة جديدة معادية لإيران يعني نهاية الجسر البرّي الإيراني نحو لبنان؛ وهذا من شأنه أن يُضعف قدرة إيران على دعم حلفائها عسكريًا، ويهدّد نفوذها الإقليمي بشكل جذري.
- العزلة الإقليمية:
مع انضمام الإدارة السورية الجديدة إلى المحور العربي والإقليمي المناهض لإيران، ستواجه طهران عزلة متزايدة.
وقد تعود سوريا إلى محيطها العربي بشكل قويّ؛ ممّا يحدّ من قدرة إيران على اختراق الدول العربية.
- التهديد الإسرائيلي المتزايد:
وفّر سقوط النظام السوري فرصة لإسرائيل لتكثيف عملياتها العسكرية في المنطقة دون أي مقاومة تُذكَر؛ وبات التواجد الإيراني في سوريا مهدّدًا تمامًا وغير مُتاح.
- تأثيرات اقتصادية:
باتت استثمارات إيران في سوريا في مهبّ الريح، وستجد طهران صعوبة في استعادة أي من هذه الاستثمارات في ظلّ الإدارة الجديدة.
ما الذي يمكن أن تفعله إيران لتخفيف آثار الخسارة؟
. إعادة توجيه التحالفات:
تسعى إيران لتعزيز علاقاتها مع العراق ولبنان لتأمين بدائل جزئية عن العمق السوري.
كما تحاول بناء تحالفات جديدة مع قوى غير حكومية في سوريا للحفاظ على موطئ قدم محدود لها هناك.
. تكثيف النشاط الاستخباراتي:
قد تلجأ إيران إلى العمل السرّي عبر شبكات استخباراتية لضمان استمرار نفوذها في بعض المناطق السورية.
كما تدعم ميليشيات محلّية تعمل خارج إطار الدولة الجديدة كأداة لاستنزاف الإدارة الجديدة.
. استراتيجية اقتصادية بديلة:
قد تركّز إيران على توسيع علاقاتها التجارية مع دول أخرى في المنطقة؛ وذلك لتعويض الخسائر الاقتصادية في سوريا.
وقد تبحث عن شراكات مع قوى دولية؛ مثل الصين وروسيا لتعزيز مكانتها الإقليمية.
. تكثيف الحملات الإعلامية والدبلوماسية:
استخدام الآلة الإعلامية الإيرانية للتأثير على الرأي العام السوري والعربي، وتصوير الإدارة الجديدة كساعية في خدمة المصالح الإسرائيلية والغربية.
توظيف الدبلوماسية لإيجاد تسويات مع الدول العربية تعيد بعض النفوذ الإيراني في المنطقة.
. تفعيل القوة الناعمة:
الاستثمار في الأنشطة الثقافية والدينية في بعض المناطق السورية؛ لمحاولة إحياء علاقات شعبية مع بعض المكوّنات الاجتماعية.
السيناريوهات المستقبلية
- زيادة التصعيد العسكري:
قد تلجأ إيران إلى التصعيد العسكري غير المباشر؛ عبر دعم خلايا نائمة وميليشيات لزعزعة استقرار سوريا الجديدة.
- إعادة تموضع إقليمي:
ستعمل إيران على تحويل تركيزها نحو مناطق أخرى مثل الخليج واليمن لتعويض خسارتها في سوريا.
- إعادة التفاوض الدولي:
قد تسعى إيران لإعادة التفاوض مع القوى الكبرى للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية تعوّضها عن خسائرها الاستراتيجية في سوريا.
إنّ سقوط نظام بشار الأسد يمثّل ضربة موجعة لإيران على الصعيد الإقليمي؛ حيث فقدت إحدى أهم ركائزها الاستراتيجية. وفي ظلّ المعطيات الجديدة، ستحتاج طهران إلى استراتيجية شاملة تجمع بين الأدوات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية لتقليل الأضرار وتعويض الخسائر، ويعتمد مستقبل الدور الإيراني في المنطقة على قدرة إيران على التكيّف مع هذا الواقع الجديد وتجنّب مزيد من التراجع.