علاقة الإدارة الذاتية مع الحكومة الجديدة في دمشق تنافر أم تناغم
بعد أن حكم آل الأسد أربعة وخمسين عامًا سقط نظام بشار الأسد في سوريا، وكان قد تولّى الحكم بعد وفاة والده حافظ الأسد، وفرّ الأسد الابن إلى روسيا؛ وقد سقط نظام الأسد بعد هجوم شنّته هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) بزعامة أبو محمد الجولاني الذي أعلن لاحقاً عن اسمه الحقيقي (أحمد الشرع)، مع فصائل أخرى معه، شنّت الهجوم من إدلب باتّجاه مدينة حلب وسط انسحاب منظّم لقوات الجيش السوري أمام تقدّمه مع الفصائل الأخرى المتحالفة معه، والتي تقدّمت سريعاً نحو حماة ومن ثم إلى حمص، ولاحقًا وصلت إلى دمشق بعد أن كانت قد تقدّمت إليها فصائل محلّية تحت مسمّى غرفة العمليات العسكرية في الجنوب السوري، وهي في الغالب مدعومة من قوات التحالف، مع مشاركة تركية عبر قوات تابعة لها تحت مسمّى الجيش الوطني والفصائل غير المنضبطة.
وصل أحمد الشرع إلى دمشق وزار الجامع الأموي وهناك تحدّث قليلاً إلى الحضور حول الآمال في سوريا الجديدة، وكان ذلك في 8 ديسمبر 2024م إيذانًا بنهاية نظام ديكتاتوري مرعب قائم على السجون والقتل والرعب وأقبية المخابرات وكمّ الأفواه، وخير دليل على ذلك هو كثرة السجون المرعبة في أغلب مدن البلاد السورية، خاصة سجن صيدنايا الذي تناولته وسائل الاعلام كثيرًا، والذي يشابه قلعة باستيل أيام الثورة الفرنسية، ناهيك عن سجن تدمر وسجن البالونة في حمص وسجن كفر سوسة وغيرها من السجون على الأراضي السورية.
حكومة دمشق الجديدة:
رغم وصول هيئة تحرير الشام إلى دمشق واستقبالها من قبل الكثير من السوريين بحفاوة، ورغم إطلاق تصريحات إيجابية من قبل أحمد الشرع رئيس هيئة تحرير الشام؛ إلّا أنّه لاتزال المخاوف تراود السوريين، وذلك يعود إلى خلفية هيئة تحرير الشام وارتباطها بحركة الإخوان المسلمين سابقاً وجبهة النصرة وتنظيم داعش، بالإضافة إلى العمل سابقاً مع أبو مصعب الزرقاوي وأيمن الظواهري وأبو بكر البغدادي، ورغم الترتيب الذي أجري في محطة (سي إن إن) وإعلانه الانفتاح والتغيير الذي يمكن أن يحصل في المستقبل، وبوصول حكومة دمشق إلى الحكم والسلطة ومحاولة إرسال رسائل للخارج والداخل السوري، إلّا أنّه لابدّ من توضيح بعض المؤشّرات التي وقعت ولا تزال تتفاعل في المحيط الدولي والإقليمي والداخلي؛ ومنها أنّ إسرائيل كان لها الدور الأبرز في القضاء على أذرع إيران في المنطقة بالتعاون مع الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا والتحالف الدولي، ومن ثم قطع طريق الإمداد إلى حزب الله في بيروت، والذي كان يُعتبَر الشريان الأساسي لإيران وحزب الله، ثم القضاء على حزب الله ومستودعاته العسكرية في سوريا وفي لبنان ؛ وهو ما مهّد الظرف لتركيا لتقوم بالهجمات على منبج وعفرين وكوباني لممارسة الضغط والابتزاز الذي يبرع فيه الرئيس التركي أردوغان الساعي إلى قضم مزيد من الأراضي السورية التابعة للإدارة الذاتية في الحدود الشمالية في منبج وعفرين وكوباني، ولا تزال ضغوطه مستمرة على الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الاتجاه على الرغم من المرونة التي تبديها قوات سوريا الديمقراطية، كما يُلاحَظ أنّ تقدّم فصائل هيئة تحرير الشام بهذه السرعة إلى المدن السورية حتى الوصول إلى دمشق كان بترتيب وتفاهم أمريكي وبريطاني مع التحالف الدولي؛ بدليل أنّ الفصائل المحلّية الموالية للتحالف وغرفة العمليات العسكرية في الجنوب هي التي دخلت إلى دمشق لحين وصول أحمد الشرع، بمعنى أنّ الأزمة السورية قد وصلت إلى حدّ لا يمكن معه أن يبقى الوضع في سوريا على ما هو عليه، لذا؛ لا بدّ من تحريك الواقع والمستنقع السوري، وما حدث ليس بفعل الثورة السورية وفصائلها (كما يزعمون على الإعلام) وإنّما هو ترتيب دولي وبمشاركة تركيا الساعية لتحقيق أجندتها في الاتفاق الملّي؛ ففصائل الجيش الوطني التابع لتركية وجماعة الائتلاف – ومن ضمنهم بعض الكرد – قد أبدوا مواقف مهينة لا تليق بالشعب الكردي وتاريخه.
الأمر الآخر فيما يتعلّق بالمؤشّرات إنّ المخاض لايزال مستمرًّا وقد يفضي إلى سيناريوهات سلبية وأخرى إيجابية، ومن الملاحَظ أيضًا أنّ حكومة دمشق وهيئة تحرير الشام قد وقعت في خطأ استراتيجي، فكما ورد على لسان الكثير من قادة المعارضة في موسكو أنّه لا يجوز تشكيل حكومة دون مشاورة الأطراف الأخرى من المعارضة السورية؛ فقد قام أحمد الشرع بتكليف حكومته السابقة في إدلب لتتولّى تشكيل الحكومة السورية التي كانت تحت مُسمّى “حكومة الإنقاذ” برئاسة البشير دون الأخذ برأي المكوّنات السورية، بل بالاستناد والتشاور مع حكومة الجلالي التي كانت في عهد بشار الأسد؛ تُعَدّ هذه الإجراءات مبعَث خوف وإثارة الشكوك حول ما يحصل في دمشق، ومن المؤشّرات أيضًا صمت حكومة هيئة تحرير الشام أمام احتلال إسرائيل لأراضٍ من الجنوب السوري حول هضبة الجولان وجبل الشيخ، مخترقة المعاهدة السابقة بين سوريا وإسرائيل حول فضّ الاشتباكات، ناهيك عن الضربات الإسرائيلية التي تطال كلّ مكان في الأراضي السورية بحجّة ضرب المواقع العسكرية للنظام السابق لتحقيق أمنها؛ لأنّ هذه المواقع قد تحوي أسلحة وموادّ كيماوية كي لا تقع هذه الأسلحة في يد الفصائل المتطرّفة، ويبدو أنّ الولايات المتحدة وبريطانيا موافقة على الضربات الإسرائيلية لذلك تصمت حيال هكذا أعمال، ومن الملاحظات أيضا:
انسحاب القوات الروسية وأسلحتها الثقيلة من المواقع التي كان لها نفوذ فيها، وقد لاحظت ذلك من خلال مشاهدة خاصة في مطار القامشلي على مدى يومَين متتاليَين، لقد تمّ سحب الكثير من الآليات والجنود لتتجمّع في قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم، حتى يتوضّح موقف دمشق والتحالف حيالها نهائياً في الأيام القادمة.
كما تم القضاء بنسبة كبيرة على النفوذ الإيراني وقطع طريق خط الإمداد لحزب الله اللبناني من أبو كمال والميادين وحمص والقصير ومن ثم إلى لبنان.
كما أدلى أحمد الشرع بتصريح إيجابي تجاه وجود الشعب الكردي وحقوقه في شمال وشرق سوريا، وأنّهم قد تعرّضوا لظلم كبير ويجب أن يُزال هذا الظلم، وأشار كذلك إلى أنّ السكّان المهجّرين من عفرين سيعودون إلى مدينتهم.
ومن الملاحَظ أيضًا أنّ كلّ الأطراف الإقليمية والدولية وحتى العربية تتواصل مع حكومة الشرع، بما فيها إيران وروسيا، وذلك للسعي إلى الحفاظ على مصالحها في الداخل السوري؛ فقد عُقِد مؤتمر في الأردن في العقبة حضرتْه تركيا ممثّلةً بوزير خارجيتها هاكان فيدان الذي أبدى عداءً للكرد عبر تصريحه ضدّ حزب العمال الكردستاني، وحضره كذلك ممثّل للأمم المتحدة وممثل لدول الاتحاد الأوربي، أمّا الدول العربية التي حضرت العقبة فهي: مصر والإمارات والسعودية والبحرين والعراق، والتي أكّدت على وحدة الأراضي السورية وتقديم الدعم اللازم لوجستيا ومالياً وتأييد حقوق الشعب السوري وسلامة أراضيه؛ وهو ما يعني ظهور الدور العربي البارز من السعودية وقطر والإمارات رغم مناهضتها للإسلام السياسي ودوره في البلاد العربية، عدا قطر التي تتوافق مع تركيا أكثر في هيمنة الإسلام السياسي على البلاد العربية. وكان من الضروري أن يكون ممثّل سوريا موجودًا لتكون التفاهمات أو القرارات أكثر واقعية رغم الأحداث السياسية والعسكرية العاصفة بسوريا. من الملاحَظ ومن المفارقات أنّ أحمد الشرع رئيس هيئة تحرير الشام والمتعاونين معه يصدرون القرارات المتتالية بشأن منح الجنسيات للمقاتلين الأجانب دون مرجعيات قانونية وشرعية، وفي المجمل يمكن اعتبارها قرارات سياسية عاجلة في أحسن الأحوال، وتُعَدّ قرارات غير ناضجة وغير متكاملة، ومن الملاحَظ أيضاً أنّ أحمد الشرع (الجولاني) قد اشتاق إلى ثوبه القديم؛ فهو متناغم مع الجيش الوطني التابع لتركيا والفصائل الأخرى ذات الجنسيات الأجنبية (الإيغور والأفغان والتركستان وغيرهم) ويدعو إلى منحهم الجنسية السورية وانخراطهم في فصائل موالية له ولتركيا وزرعهم لمجابهة قوات سوريا الديمقراطية لتحقيق الأجندات التركية وأجندات الهيئة شرط تمويههم تحت مسمّيات وتنظيمات جديدة؛ لتوجيه الضربات إلى قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الامريكية.
الهجمات التركية:
تقوم تركيا وما يُسمّى بالجيش الوطني والفصائل التابعة له بشنّ هجمات ضدّ الحدود الشمالية للإدارة الذاتية في مناطق ريف حلب الشمالي، وتشنّ كذلك هجمات ضدّ جسر قره قوزاق ومدينة منبج ومناطقها، وكذلك ضدّ كوباني التي صارت رمزاً للمقاومة الكردية ضدّ تنظيم داعش ودحره والانتصار عليه، كما تُعَدُّ رمزًا عالميًا لدحر الإرهاب وخطره.
ورغم الهدن التي تحصل عليها الولايات المتحدة لمحاولات وقف التصعيد ووقف إطلاق النار، إلّا أنّ تركيا وفصائلها تخرق الهدن وتتابع في شنّ الهجمات على مناطق الإدارة الذاتية، مستغلّةً الأحداث المتسارعة الأخيرة التي وقعت في سوريا بعد فرار الديكتاتور بشار الأسد، وتقوم بحشد قواتها وإرسال تعزيزات إلى المناطق الحدودية وتهدّد بشنّ عمليات عسكرية ضدّ مناطق الإدارة الذاتية، وربّما يكون ذلك لممارسة أقصى الضغوطات على التحالف الدولي وعلى الإدارة الذاتية؛ في ظلّ غياب حكومة سورية وطنية جامعة لا ترضى بهذه الخروقات والتجاوزات، وهشاشة الوضع الاقتصادي السوري، وعدم وجود قوىً عسكرية منظّمة تابعة للحكومة الوطنية الجامعة في سوريا، وانسحاب إيران وقواها وأذرعها من سوريا كقوة منافسة للنفوذ والأطماع التركية، وتراجع وغياب النفوذ الروسي مع سقوط نظام بشار الأسد.
من المرجّح أنّ الهدف التركي هو الشعب الكردي برمّته في الشرق الأوسط، رغم تذرّعها بالمناطق الحدودية وأمنها، كما تتذرّع تارة أخرى بوجود عناصر من حزب العمال الكردستاني في مناطق الإدارة الذاتية، وبحسب قولها؛ يجب فكّ الارتباط مع حزب العمال الكردستاني وترحيلهم، وتارة تتّهم وحدات حماية الشعب، وتارة أخرى تتّهم وحدات حماية المرأة؛ فذرائعها لا تنتهي وابتزازها مستمرّ ضدّ الإدارة الذاتية والولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق أجندتها في الميثاق الملّي، وأطماعها لا تتوقّف فقط عند حدود مناطق الإدارة الذاتية، بل تمتدّ إلى أبعد من ذلك حيث تصل إلى الموصل وكركوك وغيرها، ولحكومة العدالة والتنمية غايات من ذلك؛ فبصرف النظر عن الوضع الاقتصادي المتدهور في ظل تراجع الليرة التركية أمام الدولار وحالة التضخّم الاقتصادي الذي بلغ مداه، يرغب أردوغان بتحسين صورته في الداخل التركي؛ لأنّه يرغب في ولاية جديدة ويرغب في تعديل الدستور التركي.
ربما تصل المخاوف التركية إلى الحدّ الذي يثير القلق من التجربة الفيدرالية وانتقالها إلى الداخل التركي، خاصة أنّ تركيا بدورها لديها العديد من المكوّنات الهامة التي تسعى إلى توسيع الديمقراطية، فهناك الكرد الذين يشكّلون المكوّن الثاني الرئيسي في الدولة التركية، وهناك العلويّون الذين ينقسمون عرقياً بين الأتراك والكرد أيضاً، وهناك العرب والأرمن والبلغار واليونانيون وغيرهم.
الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا هل تتناغم أم تتنافر مع الحكومة الجديدة في دمشق:
ظهرت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا في نوفمر 2013 م ويشارك فيها عدد من المكوّنات؛ منهم العرب والكرد والسريان والآشوريين والأرمن وغيرها من المكونات الدينية، ولديها عقد اجتماعي، ومجالس تشريعية وإدارة تنفيذية تشارك فيها جميع المكوّنات، مع المؤسسات الأمنية والعسكرية لحماية مواطنيها، قوام قواتها العسكرية هي قوات سوريا الديمقراطية المتحالِفة مع الولايات المتحدة ضدّ تنظيم داعش، والمتحالِفة كذلك مع الدول الأخرى في التحالف الدولي لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
وقد أظهرت الإدارة الذاتية بعض التناغم مع حكومة دمشق الجديدة؛ فقد أصدرت الإدارة الذاتية بيانًا قالت فيه أنّ إقليم شمال وشرق سوريا جزء لا يتجزّأ من الأراضي السورية، كما أعلنت رفع العلم السوري الجديد بنجومه الثلاثة الحمراء ورفعه فوق الإدارات والمؤسسات والمرافق العامة في مناطق الإدارة الذاتية، وقوبلت بعض تصريحات أحمد الشرع بخصوص الكرد على نحو إيجابي بخصوص الوجود الكردي، أمّا فيما يتعلّق بتأسيس جيش سوري جديد فمن المرجّح أنّ قوات سوريا الديمقراطية لا تعارض الأطر الوطنية والقانونية والدستورية التي سوف يقرّها الدستور السوري القادم، وتلعب دول التحالف، خاصة أمريكا وفرنسا، دور الوسيط بين قوات سوريا الديمقراطية وهيئة تحرير الشام؛ وذلك بغرض الوصول إلى تفاهمات لإشراك الكرد والإدارة الذاتية في سوريا الجديدة لتحقيق الاستقرار، ومن المرجّح أنّ الإدارة الذاتية تتحضر في قادم الأيام لتشكيل وفد من بعض قياداتها مع ممثّلي المكوّنات الأخرى للقاء مسؤولين في إدارة العمليات السياسية في دمشق، وهناك بعض العقبات التي تعترض عمليات التفاهم؛ والسبب كما يبدو هو التفاهم التركي مع هيئة تحرير الشام حول إخراج كلّ كوادر حزب العمال الكردستاني وفكّ الارتباط به، كما سبق وأشرنا إلى ذلك، على أساس أنّهم غير سوريين وأنّهم مصنّفون على قائمة الإرهاب، والجدير ذكره أنّ هيئة تحرير الشام والجولاني نفسه لايزال على قائمة الإرهاب مع فصائله التي تضمّ جنسيات مختلفة غير سوريّة، ويرغب الجولاني في منحهم الجنسية السورية، وهذا غير جائز لا قانونيا ولا دستوريا؛ لأنّ الهيئة وأحمد الشرع يفتقران إلى الشرعية القانونية والدستورية.
الجدير بالذكر أنّ قسد تمتلك أوراقًا قويةً في مواجهة تركيا والتحالف الدولي؛ فهناك الآلاف من عناصر تنظيم داعش في سجونها، كما أنّ هناك عشرات الآلاف من عوائلهم في مخيّمات الإدارة الذاتية، ولذلك تحاول تركيا سحب هذه الورقة من يد الإدارة الذاتية، وذلك من خلال عرض نفسها لمحاربة التنظيم ووضع يدها على سجون ومخيّمات الدواعش، إلّا أنّ تركيا ليست مؤهّلة ولا تحظى بالثقة الدولية، والنقطة الثانية هي أنّ قوات سوريا الديمقراطية تعلم مدى حاجة المجتمع الدولي إليها في محاربة داعش والقضاء عليه، وقد أثبتت تلك القوات جدارتها في تجارب سابقة.
الإدارة الذاتية تحاول تحقيق وحدة الصف الكردي وتجاوز خلافاته، ومن ثم اللقاء بقادة دمشق وحكومة الإنقاذ برئاسة محمد البشير، كما ترغب الإدارة الذاتية في تحقيق وحدة الصف الكردي لأسباب استراتيجية لمواجهة التحديات التركية، فقد فتحت الإدارة الذاتية قنوات اتّصال عبر الأصدقاء الدوليين الأمريكيين والفرنسيين مع قادة كردستان الجنوبية، ومنهم مسعود ومسرور البرزاني، لوحد ة الصف الكردي لمواجهة التطوّرات الجديدة خصوصاً بعد وصول هيئة تحرير الشام إلى دمشق وتولّيها السلطة، وممّا لا شكّ فيه أن تركيا ستسعى لإفشال كلّ مصالحة واتّفاق ووحدة للصف الكرديّ، وأغلب الظنّ تكون هذه المصالحة صعبة جداً إلّا إذا حاولت الولايات المتحدة إرغام كلّ الأطراف للتقارب والتصالح (كما فعلت وزيرة الخارجة مادلين أولبرايت التي حقّقت التصالح بين جلال الطالباني ومسعود البرزاني) ولكن العمل جارٍ على تشكيل المبادرات النخبوية الكردية وحتى على صعيد المؤسسات والعاملين فيها في مناطق شمال وشرق سوريا؛ لتحقق التقارب بين الأطراف الكردية نظرًا لخطورة الوضع في ظلّ التهديدات التركية والقلق من تولّي هيئة تحرير الشام السلطة في دمشق.
بطبيعة الحال؛ هناك الكثير من اللغط حول التفاهم أو التناغم مع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا تداوله كثير من الناشطين، ولكن لا يؤخذ به، ويدور حول تبادل المناطق في دير الزور والطبقة والرقة مقابل ضمانات بعودة أهالي عفرين ورأس العين وتل أبيض وانسحاب تركيا وأعوانها من هذه المناطق وغيرها، وأمور تتعلّق بعوائد النفط مقابل الاعتراف بها، حيث رفعت العلم السوري فوق مؤسسات الإدارة الذاتية (كما نوّهنا سابقاً).
التناغم والتفاهم له أرضية موجودة، ولكن يُخشى من الدور السلبي الذي ستلعبه تركيا؛ فالمرحلة جديدة والمعطيات جديدة وتتطلّب العمل عليها بدءًا من اسم الدولة والميزانية وشكل الإدارة مستقبلاً.
لا شكّ أنّ الإدارة الذاتية تتجهّز لتشكيل وفد مفاوض مع إدارة دمشق الجديدة، ويُفضَّل أن يكون برعاية أممية ومشاركة الولايات المتحدة والتحالف الدولي والدول الإقليمية والعربية؛ لأنّ التفاهم ضروري لتحقيق الأمن والاستقرار بشكل مُستدام، ومن الأهمية بمكان أن تجد المطالب الكردية ومطالب المكوّنات الأخرى مكاناً لها الدستور القادم، وتتشكّل حكومات لامركزية في معظم الأقاليم والمناطق، وتُجرى انتخابات شفّافة ونزيهة برعاية الأمم المتّحدة.