استبيان عن التحريض والتضليل الإعلامي

تصاعدت في الآونة الأخيرة حملات التضليل الإعلامي والتحريض على الكراهية تجاه إقليم شمال وشرق وسوريا، وتنوّعت منشوراتها بين اتّهامات بالتخوين والتكفير والانفصالية والإرهاب؛ وهذا ما يُعَدُّ مؤشّراً يمكن الاستدلال به إلى الجهات التي تقف خلف هذه الحملات، وذلك من خلال مطابقات المفردات المستخدمة في التحريض مع أيديولوجية هذه الجهات وإعلامها الرسمي، كما أنّها تعكس أجندة هذه الجهات تجاه الإقليم، وممّا لا شكّ فيه أنّ إقليم شمال وشرق سوريا جزء حيويّ من سوريا، والاتجاه السياسي للإدارة الذاتية وعقدها الاجتماعي يدحضان الاتهامات الموجّهة خلال تلك الحملات.

من ناحية أخرى يُفترَض ألّا يتفاجأ الملمّ بالتاريخ السياسي الحديث لسوريا بالحجم الكبير للنوايا المُبيَّتة التي تنطوي عليها حملات التضليل الإعلامي والتحريض على الكراهية؛ فالدولة السورية تأسّست على أسس قومية فاشية تمجّد العِرق والدولة، ولم تبدِ أي اعتبار للشعوب والثقافات الأخرى الأصيلة في الجغرافيا السورية، خاصة تلك التي لا تشبه العِرق المُمجَّد، وخلال 60 عاماً الأخيرة خضع آلاف السوريين لعمليات إعادة برمجة ذهنية وفقاً للأيديولوجية المتطرّفة لحزب البعث العربي الاشتراكي، وساهم دعم العالم الغربي لحركات الإسلام السياسي حول العالم في تنامي الفكر الديني المتطرّف، والذي تميّز بنزعته القومية في سوريا من خلال جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم داعش، اللذَين أعلن شيوخهما الجهاد ضدّ الكرد والمسيحيين وطوائف الشيعة والدروز والإيزديين؛ حيث تغلغل هذا الفكر المتطرّف في الأوساط الاجتماعية للطائفة السُّنّية، ويمكن ملاحظة نتائجه من خلال عمليات العنف الطائفي الأخيرة في مناطق متفرّقة من سوريا، والانتهاكات المرتكَبة في المناطق المحتلّة من الشمال السوري، وحملات التحريض والتضليل الإعلامي التي تستهدف الكرد وشركاءهم العرب والمسيحيين في إقليم شمال وشرق سوريا.

بطبيعة الحال؛ هناك حملات تضليل إعلامي وحملات تحريض ممنهجة تُشنّ ضدّ إقليم شمال وشرق سوريا، ووفقاً لعملية رصد دقيقة لعيّنة من وسائل الإعلام المتنوّعة التي تستهدف الإقليم منذ مطلع العام 2025م أمكن الافتراض بوجود عدّة جهات تقف خلفها، وتم فرزها وفقاً لمدى التوافق بين سياسة نشرها وأيديولوجية الجهات التي تزعم وجود مشاكل لديها مع الإدارة الذاتية، وهي: تركيا، وإيران، وتنظيم داعش، وفلول النظام، وجماعة الإخوان المسلمين، وسلطة دمشق. واستناداً إلى هذا الأمر؛ فقد تم إعداد استبيان إلكتروني (نماذج Google) مكوّن من سؤال واحد، وتم نشره بتاريخ 2025.04.21 وتحديد انتهائه بتاريخ 2025.04.26، وشارك فيه المهتمّون بالشأن السياسي، وكانت نتائجه على الشكل التالي:

السؤال: برأيك مَن يقف حالياً خلف حملات التحريض والتضليل الإعلامي الموجّهة ضدّ إقليم شمال وشرق سوريا؟

1-تركيا  2-إيران  3-داعش  4-فلول النظام  5-الإخوان المسلمين  6-سلطة دمشق  7-غير ذلك…

وقد جاءت الإجابات على الشكل التالي:

اختارت غالبية العيّنة (90%) تركيا كجهة مسؤولة عن حملات التحريض والتضليل الإعلامي الموجّهة ضدّ إقليم شمال وشرق سوريا، تلتها من حيث نسبة الإجابة (67%) جماعة الإخوان المسلمين؛ إنّ التفسير الأقرب لهده النتيجة هو السياسة العدائية التي اتّبعتها تركيا والجماعة تجاه مناطق شمال وشرق سوريا، وتم الإعلان عن ذلك بشكل صريح في خطابهما الرسمي؛ حيث سخّرا إعلامها لدعم عمليات احتلال عفرين وسري كانيه (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض) وتهجير الكرد وأصدقائهم من العرب والمسيحيين منها، حتى أنّ موظفيهم الدينيّين أعلنوا الجهاد ضدّ الكرد وقرؤوا سورة الفتح في جوامعهم رغم أنّ أهالي المنطقة في غالبيتهم مسلمون سُنّة. وقد تكون لتبعية الجماعة لتركيا تأثير في تفاوت نتيجة الاستجابة. من ناحية أخرى تشير هذه النتائج إلى وجود اهتمام للعيّنة بمتابعة الإعلام التابع والموالي لتركيا والجماعة بدرجة أكبر من إعلام الجهات الأخرى المذكورة، وقد يكون لقلّة وسائل الإعلام التابعة لكلّ من داعش وفلول النظام وإيران في المنطقة دور في نسب الاستجابة المنخفضة نسبياً على الرغم من موقفهم المعلَن والمناهض للإدارة الذاتية.

أمّا بخصوص الإعلام المحسوب على سلطة دمشق؛ فقد حمّلت نسبة من العيّنة (57%) المسؤولية على عاتقها، وذلك على الرغم من الاتفاقات التي عُقدت بين قيادة قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية في حيّي الشيخ مقصود والأشرفية مع سلطة دمشق، والتي كان من البنود المتّفق عليها أو المُشار إليها “إيقاف حملات التحريض المتبادَل” قد يكون مردّ ذلك ضعف الإعلام الرسمي لسلطة دمشق أو عدم جدّيتها في إيقاف حملات التحريض الإعلامي على وسائل الإعلام المحسوبة عليها.

 من ناحية أخرى تعتقد نسبة (11%) أنّ هناك جهات أخرى، غير المذكورة في الإجابات المتعدّدة، تقف خلف حملات التحريض والتضليل الإعلامي، ويمكن تفسير هذه النتيجة في اتجاهين؛ الاتجاه الأول هو صعوبة تحديد هوية الجهة التي تقف خلف حملات التحريض والتضليل الإعلامي، خاصة أنّها تعتمد في معظم سردها الخبري على “الدعاية السوداء”، أمّا الاتجاه الثاني فهو الافتراض بأنّ الإعلام الخاص بتلك الجهات لا يعتبرها “حملات تحريض وتضليل إعلامي” وذلك استناداً إلى الاتجاه السياسي الذي لا يُعتبَر جزءاً من معادلة الصراع السياسي.

بخصوص التفاعل مع الاستبيان، يمكن تقييمه بالإيجابي، وجاءت معظم التعليقات والردود على شكل آراء تدعم السلام والديمقراطية في المنطقة وتقرّ بوجود تضليل إعلامي وتحريض؛ وهو ما يشكّل مطالبة غير مباشرة من خلال هذا الاستبيان من الجهات المعنية، المحلية والإقليمية والدولية، لتحمّل مسؤوليّاتها في إيقاف حملات التضليل الإعلامي والتحريض على الكراهية في المنطقة، تلك الحملات التي كان له دور سلبيّ كبير على مدار أكثر من عقد في فقدان نحو مليون إنسان لحياته وتهجير ونزوح وتشرّد نحو 6 ملايين مواطن سوري، ودمار هائل في المنازل والبنية التحتية، وغياب الخدمات الأساسية وارتفاع معدّلات الفقر بشكل غير مسبوق، وتبدو الأزمة مستمرة حتى هذه اللحظة…

زر الذهاب إلى الأعلى