النووي الإيراني والأزمة الأوكرانية

انعكست الأزمة الأوكرانية على تجاذبات القوى الدولية، في عدد من الملفات المعقدة، ومنها الملف النووي الإيراني، فوجدت الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن في ذلك فرصة لا تخلو من الحذر للعودة إلى اتفاق 2015 مع إيران بعد انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منه عام 2018، فارضاً أقصى الضغوط على طهران.

تصريحات المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين وحتى الإيرانيين، تكشف عن قرب التوصل إلى اتفاق بخصوص إحياء الاتفاق النووي الموقع بين إيران والقوى العالمية، والذي يفرض قيوداً على البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات المفروضة على اقتصادها.

ومن خلال استعراض مواقف الأطراف المعنية بالملف النووي الإيراني يتبين أن الولايات المتحدة لديها مقاربة جديدة للتعامل مع مسار مباحثات فيينا، وذلك بالتعجيل بالاتفاق، لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي وإغلاق هذا الملف وما له من تداعيات على المنطقة، والتركيز على استراتيجية المنافسة بين القوى العظمى.

كما تحرص إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في حال العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران لتحقيق مكاسب سياسية في الداخل الأمريكي قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، فضلاً عن الحاجة الأمريكية والأوروبية إلى عودة النفط والغاز الإيراني إلى الأسواق العالمية للتخفيف من حدة الأزمة (سعراً وإمداداً)، خاصة مع إعلان جو بايدن حظر واردات النفط الروسي إلى الولايات المتحدة، وكذلك محاولة دول الاتحاد الأوروبي تخفيض ومن ثم وقف الاعتماد على إمدادات الطاقة الروسية.

ومن جهة أخرى، تعاني روسيا من عزلة غربية وعقوبات اقتصادية صارمة بسبب تدخلها في أوكرانيا، حاولت أن تجعل من الاتفاق النووي الإيراني موضوعاً للمقايضة مع الغرب، من خلال المطالبة بضمانات مكتوبة تعفيها من العقوبات المتعلقة بتدخلها العسكري في أوكرانيا، وهذا ما يؤكد مدى الحاجة الروسية لإيران الآن في حال تم إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات عنها. ولكن أمام الرفض الأمريكي لهذه المطالب والتلميح بإيجاد بدائل تستثنيها من هذا الاتفاق، تراجعت موسكو لتفتح الطريق أمام الاتفاق.

وبدورها، ترغب طهران في تحقيق أكبر استفادة ممكنة من حاجة الغرب لنفطها وغازها، فتشترط رفع الحرس الثوري من قوائم الإرهاب الأمريكية مقابل العودة إلى الاتفاق النووي، في خطوةٍ يمكن أن تعرقل سير محادثات فيينا. كما يزيد هذا المطلب الذي هو خارج إطار الاتفاقية النووية من الضغوط الداخلية والخارجية على الرئيس جو بايدن والذي يعتبر ذلك خطوة رمزية نظراً لأن هذه المؤسسة العسكرية (الحرس الثوري) وأغلب قياداته، كانوا أساساً تحت عقوبات أميركية مختلفة.

وبالمقابل، جاء رفض الإمارات والسعودية لطلب الرئيس الأمريكي بزيادة إنتاج النفط بالأسواق العالمية للضغط على روسيا، كخطوة ضاغطة على واشنطن لتعديل موقفها من برنامج إيران النووي ولإعادة النظر في موقفها تجاه الحرب في اليمن.

أما بالنسبة لإسرائيل، فهي من أبرز المعارضين للاتفاق النووي الإيراني وإعادة إحيائه، خصوصاً إذا ما ترافق ذلك مع موافقة واشنطن على طلب طهران إزالة اسم الحرس الثوري من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية الأجنبية.

وفي رسالة موجهة بالأخص لحلفاء واشنطن في المنطقة، في حال فشل إحياء الاتفاق النووي أو تم تهديد مصالح إيران في المنطقة، جاء تعليق طهران لمحادثاتها مع السعودية واستهداف أربيل بزعم ضرب المقرات الإسرائيلية الموجودة هناك، فيما أكد مسؤولون عراقيون وأتراك تحدثوا إلى رويترز أن الدافع الرئيسي لذلك، كان خطة لضخ الغاز إلى تركيا وأوروبا بمشاركة إسرائيل.

ويبدو أن الغرض من اللقاءات السابقة في عمان والقاهرة، ومؤخراً قمة “النقب”، التي جمعت الولايات المتحدة وإسرائيل والدول المطبّعة معها، تشكيل جبهة إقليمية، ضاغطة وموحدة لمواجهة نشاطات إيران في المنطقة وإعادة تشكيلها، فضلاً عن إرسال رسائل لواشنطن للتشدد أكثر تجاه طهران فيما يتعلق بالملف النووي ومشروعها الاقليمي.

أخيراً..

أمام فرص إحياء الاتفاق النووي تحديات تتمثل بمجريات الأزمة الأوكرانية ومواقف حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط التي ترى في إحياء الاتفاق النووي الإيراني ورفع الحرس الثوري من قوائم الإرهاب الأمريكية، تقييداً لقدرات طهران النووية، بالمقابل إطلاق يدها في المنطقة بلا رادع.

وتجنباً لأي عراقيل في مسار إحياء الاتفاق ورفع العقوبات، وفي محاولة لفك الارتباط ما بين الاتفاق النووي والحرس الثوري، اقترحت طهران التوقيع على الأخيرة في اتفاق جانبي منفصل عن الاتفاق النووي.

ويبدو أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى تل أبيب وغيرها من المساعي، تأتي في إطار تدوير الزوايا لطمأنة إسرائيل وحلفائها العرب، بأن واشنطن رغم دبلوماسيتها مع طهران، فهي مستمرة في التصدي لأي تهديد إيراني.

زر الذهاب إلى الأعلى