حراك السويداء إلى أين؟

بعد اندلاع ثورات ما تُسمى بـ “الربيع العربي” واستباقاً للأحداث وتأثّر محافظة السويداء بهذا الحدث، قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارتها والاجتماع بالسكان ونشر الابتسامات والكلام المعسول هنا وهناك، كما أطلق وعودًا بنهضة اقتصادية كبرى، لكن رأس النظام أخطأ هذه المرة أيضاً؛ فالثورة انطلقت من درعا جارة السويداء رغم أنّ الأخيرة كان لها نصيب كبير في مناصب النظام السوري.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو:

لماذا توقعّ النظام السوري انطلاق الثورة من السويداء؟!!!!

للإجابة على هذا السؤال يجب أن نعود الى التاريخ، فالمظالم التي وقعت على جبل الدروز كانت سببًا لسلسلة طويلة من التمرّدات والانتفاضات، وكان الجبل على مرّ التاريخ معقلا للثورات ضدّ كل المغتصبين، وتاريخيا لم يرفع الجبل سلاحه إلا ضدّ المستعمرين.

فقد شهد الجبل ثورة الدروز ضدّ إبراهيم باشا المصري عام 1837 – 1838 الذي حاول فرض الجندية على أبناء السويداء، وقد خسر المصريون في هذه الثورة آلاف الجنود، وقُتِل وزير الحربية المصري، كما قيل: إنّ إبراهيم باشا قد سمّم مصادر المياه في الجبل.

وكانت مشاركة الدروز في الثورة العربية الكبرى مميّزة وفعّالة (بناء على طلب الأمير فيصل) حيث دخل فرسان السويداء الى دمشق مبكّرا، ورفعوا العلم العربي في “ساحة المرجة” قبل دخول الجيش العربي بيوم واحد.

بعد ذلك قامت الثورة السورية الكبرى بقيادة السلطان باشا الأطرش ضد فرنسا كثورة درزية خالصة في البداية (ثورة الدروز العصاة حسب تعريف فرنسا) ثم تحوّلت إلى ثورة وطنية على مستوى سوريا.

والناس جميعا يعرفون كيف كانت حياة سكان السويداء (قبل انقلاب حزب البعث في عام 1963) فقد حصل الدروز على خمس وزارات دفاع متعاقبة، بل إنّهم وصلوا إلى قيادة الجيش وأوشكوا أن يصلوا الى رئاسة الوزارة في عهد السيد عادل أرسلان.

وضمن هذه المعطيات، فقد كان الجبل معقلا للثورات ضد المعتدين، وكان شبه مستقل لمئات السنين حتى في العهد العثماني، وكان الدروز يتمتعون باحترام كبير في سوريا.

ولكن دوام الحال من المُحال؛ فعندما حصل انقلاب حزب البعث في عام 1963 جرى فورًا إقصاء رئيس الأركان الذي كان من جبل الدروز، كما تم تسريح الضباط الدروز، وردًّا على حملة التسريح تلك قال سليم حاطوم ” أصبح الجيش السوري ملكية خاصة بإحدى الطوائف” ووصفه بالنظام العلوي، وفي مرحلة لاحقة تم إعدام الضابط سليم حاطوم بطريقة وحشية.

وردّا على هذه السياسات والممارسات الجائرة بحق الدروز أرسل سلطان باشا الأطرش برقية الى حافظ الأسد في عام 1966 جاء فيها:

” لقد اعتاد الجبل وما يزال أن يقوم بالثورات لطرد المستعمرين ولكن شهامته تأبى عليه أن يوجّه سلاحه ضدّ أخيه “.

في عام 2000 هبّت السويداء ضدّ سياسات النظام الطائفية، وفتح أحد الجنود النار على المتظاهرين، وأشاع النظام في درعا بأنّ الدروز يحرقون مساجد المسلمين، وانتهت تلك الهبّة بمزيد من القبضة الأمنية على السويداء وسكانها.

وعندما بدأت الثورة السورية في عام 2011 لم تتأخّر السويداء كثيرًا عن المشاركة والتأييد، حيث قامت نقابة المحامين بالتظاهر في 28 آذار 2011 واستمرّت المظاهرات وحدثت انشقاقات عسكرية أيضا، ولكن اللعبة الطائفية التي مارسها النظام كانت من أهم أسباب عدم تطوّر الثورة في السويداء، ولم يطلق النظام رصاصة واحدة على المتظاهرين، ولكنّه كان يطلق قطعانًا من أزلامه بين الحين والآخر ضد المنتفضين.

في عام 2015 اتخذت حركة الشيخ الشهيد وحيد البلعوس موقفًا سياسيًا واضحًا ضد النظام في دمشق؛ حيث رفض التجنيد الإجباري لشباب السويداء ومنع الشباب من الدخول الى الخدمة العسكرية، وقد وصل عددهم الى أكثر من خمسين ألفًا؛ وعلى أثر ذلك قام النظام باغتيال الشيخ وحيد البلعوس، وبعد مقتل الشيخ دخلت السويداء في مرحلة خطيرة، وقام النظام بنقل مقاتلي داعش من مخيم اليرموك إلى شرق السويداء، ولكن سكان أهل السويداء حاربوا هؤلاء واقتلعوهم من المنطقة نهائيا في عام 2022

الوضع الاقتصادي لجبل الدروز في عهدَي الرئيس السوري حافظ الأسد وبشار الأسد:

على أثر التضييق السياسي والاقتصادي أصبح أكثر من نصف سكان السويداء مهجرين إلى أصقاع العالم، ورغم أنّ معظم حدود محافظة السويداء تقع في جهة الجنوب مع الأردن إلّا أنّ النظام لم يسمح بفتح معبر بين السويداء والأردن حتى الآن.

وضمن سياسة التضييق تلك منع النظام النشاطات الاقتصادية المهمة في محافظة السويداء، كما منع حفر الإبار ومارس سياسة إفقار الناس، و كان هدفه  على الدوام إفراغ الجبل من سكانه.

الحراك الجديد في السويداء وأهم الأسباب الداخلية:

جاء الحراك كمحصّلة لحالة القمع السياسي والتدهور الاقتصادي وهبوط الليرة إلى القاع، وانعدام الأمل والحل في المدى المنظور، وانسداد الأفق أمام السوريين سواء كانوا في المعارضة أو المولاة.

وكانت مقابلة الرئيس السوري مع قناة سكاي نيوز بمثابة “القشّة التي قصمت ظهر البعير” فقد بدا الرئيس وكأنّه منفصل عن الواقع، أو أنّه قد جاء من عالم آخر؛ حيث كان يتحدّث بلغة خشبية “أكل عليها الدهر وشرب”.

وأقفل الرئيس في هذه المقابلة جميع الأبواب أمام أي حل ممكن للأزمة السورية، وخاصة الحل العربي، وممّا “زاد الطين بلّة” قرار زيادة أسعار المحروقات بنسبة 300%

ولكن حراك السويداء انطلق متطوّرًا ومتسارعًا ومتكاملًا في هذه المرة، وكان سقف المطالب عاليا، من قبيل: سوريا لكلّ السوريين، يسقط الرئيس، …الخ، وهو الأمر الذي أذهل الجميع.

ولكن الجديد والمهم في هذا الحراك هو المطالبة بتطبيق القرار الأممي 2254 والمطالبة بتطبيق نظام الإدارة الذاتية في محافظة السوداء، والدعوة الى تطبيق الإدارة اللامركزية في سوريا.

وتؤكّد الشعارات أنّ مطالب الثوار السوريين لم تتغيّر منذ انطلاقة الثورة، ويمكن أن نقول أنّ حراك السويداء هو ميلاد جديد للثورة السورية.

الأسباب الإقليمية والدولية لحراك السويداء:

تتمتع محافظة السويداء بموقع جغرافي وجيوبولوتيكي هام في جنوب سوريا؛ حيث تقع على الحدود الأردنية من الشمال ولا تبعد كثيرًا عن قاعدة “التنف” الأمريكية من جهة الشرق، كما تتصل السويداء بدروز الجولان وإسرائيل عبر محافظتي درعا والقنيطرة.

وعلى هذا الأساس فإنّ المحافظة تكتسب أهمية استراتيجية لجميع أطراف الأزمة السورية، وحسب الدكتور “كمال لبواني” (وهو أحد زعماء الثورة السورية) فإنّ منطقة جنوب سوريا بما فيها محافظتا درعا والسويداء مرشّحة لتكون منطقة الصراعات والحروب الإقليمية في الفترة القادمة، خاصة بين وكلاء إيران ودولة إسرائيل…..الخ.

ولن تهدأ مستقبلا ما لم يتم تدارك التطوّرات فيها.

ولتجنّب الصراعات والحروب الإقليمية في المستقبل (حسب الدكتور اللبواني) يجب إنشاء منطقة آمنة في جنوب سوريا تحت مظلة الأمم المتحدة، بحيث تضمّ ثلاث محافظات، وهي: السويداء ودرعا والقنيطرة وجزء من محافظة ريف دمشق حتى الخط العسكري الفعلي الذي يفصل بين القوات السورية والإسرائيلية، وإذا تم تطبيق المنطقة الآمنة المذكورة يمكن أن تكون بداية لتطبيق القرار الأممي 2254 وستساعد على عودة معظم اللاجئين السورين من الأردن ولبنان وقسم من لاجئي تركيا، وسوف تستوعب خمسة ملايين سوري أو أكثر.

ووفقا للمنظور السابق، فإنّ المنطقة الآمنة المفترضة ستكون جزءًا من خارطة الطريق لإسقاط النظام السوري، وستكون خطوة عملية لمحاربة عصابات الجريمة والإرهاب المنظّم وتجارة المخدّرات باتجاه الأردن والسعودية ودول الخليج.

وضمن هذا السياق يرى الدكتور “اللبواني” بأنّ المنطقة الآمنة هذه يجب أن تُدار من قبل سلطة انتقالية بالتعاون مع الدول المجاورة، ويقصد إسرائيل والأردن، على أن يتم الاعتراف بها كجزء من السلطة الانتقالية وفق القرار 2254 وتكون السويداء عاصمتها كونها لم تدمّر من قبل النظام.

إنّنا نعتقد بأنّ فكرة المنطقة الآمنة المطروحة بقوة في هذه الأيام من قبل المعارضين السوريين يمكن أن تشكّل جزءًا من المشروع الذي تتحدّث عنه أمريكا في الوقت الحاضر، وهو إنشاء منطقة عازلة في الجنوب السوري تمتد حتى الحدود السورية العراقية.

والهدف التكتيكي لأمريكا هو: قطع الطريق أمام إيران وميليشياتها باتجاه البحر الأبيض المتوسط ولبنان، وتقويض الاتصال بين إيران ودمشق وحزب الله، وكفّ يد إيران عن سوريا ولبنان.

أمّا الهدف الاستراتيجي فهو: إخراج إيران من المعادلة السياسية السورية والجغرافية السورية نهائيًا كبداية لحل الأزمة السورية.

السويداء الى أين؟؟؟!!!

الحراك دخل أسبوعه الثالث بنجاح، وهو الآن يتجه نحو تشكيل جسم سياسي، وإذا ما دخلنا الى عمق الحراك فإنّ أهلنا في السويداء ومنذ بداية هذا العام كانوا يخطّطون لإقامة هيئة سياسية مدنية لإدارة المحافظة على أساس المبادئ التالية:

– تأكيد وحدة الأراضي السورية.

– رفض أي مشروع انفصالي.

–  تعزيز مفهوم الإدارة اللامركزية.

– طرح مفهوم الإدارة الذاتية.

وأفادت قنوات محلية في السويداء أنّ زعماء وقادة الحراك  سيجتمعون في الأيام القادمة  لتشكيل الهيئة السياسية المدنية، وقالت تلك المصادر أنّ الهيئة  ستنبثق عن  مؤتمر سياسي سيُعقَد في السويداء، وأنّ الهيئة المرتقبة ستقوم  بتنظيم الحياة  اليومية في السويداء بعيدًا عن سلطة دمشق،  وسوف  تقدّم إلى المجتمع الدولي رؤيتها  السياسية  لمستقبل سوريا.

زر الذهاب إلى الأعلى