تداعيات وأهداف زيارة وزير الخارجية التركي إلى العراق

الحقيقة كان متوقعاً زيارة وزير خارجية تركيا ورئيسه أردوغان إلى العراق منذ أشهر بعد فوز الأخير بالانتخابات في شهر أيار الماضي ،وقد تم تأجيل ذلك لكثرة الملفات الشائكة والعالقة بين الطرفين أو ريثما يتم التقارب والتفاهم على بعض الملفات الهامة التي تهم الطرفين والتي لايزال يعمل عليها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ويضع اللمسات الأخيرة عليها ، ممهداً بذلك لزيارة مرتقبة لأردوغان سيتم تحديد موعد لها لاحقا ،والرغبة التركية جامحة في الهيمنة على العراق بل واحتلاله بما يتوافق مع مخططه الاتفاق الملي إلا أن الدولة المنافسة والمعيقة لهذه الأحلام هي إيران وتواجدها في العراق وهيمنتها على النظام العراقي عبر الأحزاب والكتل الشيعية أخرت التغلغل التركي ، الذي يسيل لعابه على الموصل ونفط كركوك والادعاء بالهيمنة على المكون التركماني والمكون السني العربي باعتبارهم ورثة السلطنة العثمانية السنية وربما الاستدارة التركية التي حصلت بعد الانتخابات والتقرب من الناتو والقبول بانضمام السويد إلى الحلف والحصول على صفقة طائرات ف16 وتحديث سلاح الجو التركي من الولايات المتحدة محاولة من تركيا للخلاص من أزمتها الاقتصادية المستفحلة بعد تدهور الليرة التركية والتضخم الكبير الذي بلغ درجات قياسية أكثر من 80% ومن أجل ذلك قام الرئيس التركي بجولاته إلى الدول الخليجية والحصول على الصفقات التجارية والاستثمارات ورفع الميزان التجاري مع السعودية وقطر والإمارات بلغ درجة المشاركة في تصنيع المسيرات خاصة مع المملكة العربية السعودية ،ويبدو أن هذه الاستدارة تريد منها تركيا أن تصل إلى العراق يبدأ بها وزير خارجية تركيا في لقائه مع وزير خارجية العراق فؤاد حسين والرئاسات الثلاث العراقية ورئيس الوزراء العراقي وقد تم البدء بذلك يوم الثلاثاء 22 م شهر آب وقد تناول الجانبان الملفات الهامة مثل ملفات المياه حول نهري دجلة والفرات والتي تتحكم بها تركيا عبر سدودها الكثيرة المبنية على منابع كل من دجلة والفرات والتي تغاضى عنها الوزير التركي ، لما تسببه من أضرار على الزراعة والمزروعات في كل من العراق وسوريا والجفاف والتي أرجعها إلى التغيرات المناخية في العالم والمنطقة دون الاشارة إلى أضرار السدود كما اقترح الوزير التركي تشكيل لجنة دائمة لبحث مشكلات المياه وشحها ، ومحاولة إعطاء العراق حصتها من المياه ولكن الغالب لن يكون دون مقابل ، بل جعل الوزير التركي تشكيل اللجنة الدائمة لبحث موضوع المياه كالعصا الغليظة المشهرة على العراق لأنه وصف مشكلة المياه التي سوف تنظر إليها تركيا ستكون لأسباب إنسانية وليس حقاً مشروعاً للعراق بموجب قانون الأنهار العابرة دولياً كما تقرها القوانين الدولية والأممية أما رد الوزير العراقي كان دبلوماسيا بأن العراق يسعى لحل المشاكل العالقة مع الجيران بالحوار والتفاهم وشكر الوزير التركي حول تشكيله للجنة دائمة لبحث مشكلة المياه من نهري دجلة والفرات ، رغم انخفاض منسوب النهرين إلى درجة مثيرة للقلق رغم وعد الرئيس التركي بإطلاق مزيد من المياه في نهري دجلة لكن هذا الوعد تبخر مع حرارة هذا الصيف ورغم أهمية ملف المياه سيبقى عالقاً دون حل جذري وفق القانون الدولي ويبقى ملفاً معرضاً للابتزاز تستغله تركيا متى أرادت ذلك، أما ملف الصادرات النفطية من كردستان العراق بأنابيب عراقية وتركية إلى ميناء جيهان سيحل بعد رفع دعوى أممية من العراق والذي جرى توقف العمل به بقرار دولي ترغب تركيا باستعادته ، وهذا ممكن التوافق حوله من الجانبين العراقي والتركي مع حكومة إقليم كردستان، كما أن هناك أموال مجمدة لحكومة الإقليم في البنوك التركية لم يفرج عنها حتى الآن، ويمكن التفاهم حولها أيضا، ما لم تربطها تركية بملف حزب العمال الكردستاني، كأن تفرض  تركيا على حكومة الإقليم اتخاذ مواقف ضد حزب العمال الكردستاني، وتحظر نشاطه في شنكال ومخمور والسليمانية وغيرها من المناطق ، وهي مناطق أغلبها تابعة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني المختلف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني ، غير أن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني على علاقات وطيدة مع إيران مما يجعل مهمة الوزير التركي شاقة في ملف النفط والديون الكردستانية المجمدة وكذلك ملف حزب العمال الكردستاني ، الذي يقود مقاومة أسطورية تجاه الهجمات التركية ، ومخططاتها في كردستان الجنوبية لقد وصف وزير الخارجية التركي حزب العمال الكردستاني بأنه العدو المشترك للعراق وتركيا وهو وصف غير دقيق ، لأن الحزب يقوم بحماية المدنيين والقرويين الكرد ويدافع عن مصالحهم ووجودهم وطلب الوزير التركي من نظيره العراقي ضرورة إعلان حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية ورد الوزير العراقي بدبلوماسية أن الدستور العراقي لا يسمح لأي حزب أو منظمة بالهجوم على أراضي الجيران حسب زعمه .علما أن لدى تركيا أكثر من 30 قاعدة عسكرية في كردستان الجنوبية لتصل إلى قرب دهوك وشنكال وهي تستمر بهجماتها العدائية على قوات حركة التحرر الكردية والتي يعلم عنها العالم والأسرة الدولية أنها غير إرهابية، بل حركة مقاومة ضد الإبادة وضد التطهير العرقي الذي يطال الكرد بكل مكان، والمسيرات التركية لم تهدأ هجماتها في باشور كردستان وفي سوريا وفي شمال شرقها ضد المدنيين الكرد والسكان الآمنين ، أما على صعيد العلاقات الاقتصادية والتجارية فيبلغ عدد الشركات 850 شركة تركية وهي في تنامي وتزايد وتم التفاهم بين الجانبين على تسهيل إجراءات الدخول من مواطني الجانبين لتعزيز الاستثمارات العراقية للعراقيين في تركيا ويبلغ حجم التبادل التجاري أكثر من 25 مليار دولار ، ورغم التنامي في العلاقات التجارية ، تسعى تركيا بزخم أكبر لتحقيق ميزان تجاري أكبر وتحقيق أرباح مهولة من العراق ، فقد تزامن وجود وزير النفط العراقي في تركيا ، لتوقيع العديد من الاتفاقات مع وزير النفط والطاقة التركي ، لرفع وتيرة الفائدة التركية والاستثمارات ، لتتغلب تركيا على أزماتها المالية والاقتصادية والداخلية والسياسية رغم وجود المعوقات الكبيرة الاقليمية والدولية فهناك ايران ذات الاهداف المنافسة لتركيا ومخططاتها ، وهناك الشعب الكردي الرافض للأجندات التركية ثم هناك الحشد الشعبي والأحزاب الشيعية الحذرة من الأطماع التركية ثم هناك المقاومة وحركة التحرر الكردية ، قد تنجح تركيا بعقد بعض الصفات النفطية والتجارية بمساعدة أمريكا والحزب الديمقراطي الكردستاني بشكل مؤقت لكن من الصعوبة بمكان تحقيق كل أهدافها واجنداتها .

 

زر الذهاب إلى الأعلى