التراجع التركي المتدرج من الهجوم إلى الدفاع

تصَدر المشهد خلال الأيام الماضية سلسلة من الأحداث والتحركات الشعبية والتي كانت عبارة عن مطالب شعبية بخصوص بعض القرارات التي أصدرتها الإدارة الذاتية حيال بعض الأمور ومنها ارتفاع أسعار المحروقات وواجب الدفاع الذاتي ولعل هذه المطالب من جهة قوبلت بنوع من الحذر والصمت من قبل الإدارة المدنية والقوى الأمنية التي أخلت عدة نقاط وأماكن حفاظاً على السلم الأهالي.

وكان من ضمن سلسلة الاحتجاجات الشعبية لأهالي مدينة منبج بريف حلب الشرقي، حيث ظهرت محاولات من قبل بعض الأشخاص  الملثمين، كانوا يغطون وجوههم وذلك عبر تحريض المحتجين على الاعتداء على الأملاك العامة وقوى الامن الداخلي مستخدمين الأحجار والعصي ولعل هذه التحركات جاءت متزامنة بشكل كبير مع ضخ إعلامي من قبل صفحات ومواقع إعلامية موالية للنظام البعثي والدولة التركية على حدٍ سواء، وهذه الشائعات التي كانت تبثها مواقع ومجموعات تابعة لفصائل المرتزقة شكلت نوعاً من الشك لدى المتابعين والراصدين لأوضاع المدينة، حول ما يحصل داخل المدينة.

ومما لا شك فيه فأن الدولة التركية كانت في مقدمة هذه الدول التي تستخدم أسلوب التضليل والترويج الإعلامي فإنها تحتل المرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط من خلال استخدام الحرب النفسية كونها تحاول إضعاف الطرف المقابل لها وعبر بث المعلومات المغلوطة بغية تضليل الرأي العام وما يلفت الانتباه ويؤكد هذه الفرضية هو أن الدولة التركية ركزت وبشكل كبير على محاولات تأليب العشائر العربية المتواجدة داخل مدينة منبج بهدف دفعهم للخروج ضد قوات سوريا الديمقراطية والأجهزة الأمنية على وجه الخصوص، ولعل الهدف الأبرز للدولة التركية وفصائل المرتزقة يكمن في محاولة تأجيج المنطقة ودفعها باتجاه عدم الاستقرار وليس دخول المدينة والسيطرة عليها بالرغم من سعي الدولة التركية تهيئة الأجواء المشحونة من الناحية الإقليمية وذلك من خلال القوات الروسية إلا أن الدولة التركية تسعى في الوقت الحالي وبشكل أكبر من ذي قبل على تحريض الناقمين والرافضين للديمقراطية في مناطق شمال شرق سوريا.

مما يثير الانتباه أيضاً هو إنه وفي حال النظر إلى الأوضاع الداخلية للمناطق الخاضعة لسيطرة الدولة التركية في ريف حلب الشمالي والغربي، نجد ارتفاعاً كبيراً في  لم الاحتجاجات وحالة الغضب من قبل أهالي المناطق المحتلة تجاه الدولة التركية والفصائل المرتزقة في قضايا تتعلق بالانتهاكات التي تقوم بها الفصائل بحق المدنيين والنساء على وجه الخصوص بالإضافة إلى الفساد المستشري ضمن الهيكلية العسكرية لفصائل المرتزقة والتي أصبحت تتزايد بشكل أكبر عن ذي قبل وبشكل خاص فيما يتعلق بعدم قدرة الفصائل على توجيه فوهات بنادقهم تجاه نقاط التماس مع النظام البعثي، هذه المعطيات تأتي في الوقت الذي أصبحت فيه المؤسسة العسكرية التي اسستها الدولة التركية في الشمال السوري بالإضافة إلى المئات من الضباط الأتراك المتورطين  وهم بالعشرات من الملفات المتعلقة بالابتزاز الجنسي والمثلية الجنسية المنتشرة بكثرة في مناطق سيطرة جيش الاحتلال التركي، الأمر الذي يعتبر من أحد المحرمات لدى المجتمع وخاصة في الشمال الغربي من سوريا.

وفي سياق الأحداث التي تشهدها مناطق الشمال السوري فإن الوضع في الداخل التركي ليس بعيداً عن سياسة الدولة التركية  كما أنه ومن خلال النظر أيضاً إلى الوضع الداخلي في تركيا، سيُرى بشكل واضح التخبط الذي تعاني منه الحكومة التركية بعد ظهور ملفات تؤكد تورط الحكومة وحزب العدالة والتنمية بملفات تتعلق بغسيل الأموال وتمويل التنظيمات الإرهابية في الداخل السوري ولعل هذه الملفات من شأنها تحريك الشارع التركي في الوقت الذي يحاول فيه حزب العدالة والتنمية تدارك أي خطأ من شأنه لفت أنظار الإدارة الامريكية وتحريك بعض من أعضاء الكونغرس الملفات  قمع الديمقراطية في الداخل التركي، كما أن التصريحات التي أصدرها متزعم المافيا التركية سادات بكر دفع بالرئيس التركي أردوغان للظهور على وسائل الإعلام وتكذيب لكامل الروايات التي أدلى بها متزعم المافيا التركية كما إن تحركات الدولة التركية لم تتوقف إلى هذا الحد بل وصلت أيضاً إلى محاولات التشويش عبر حذف الفيديوهات التي يتم نشرها من قبل سادات بكر وحظر المواقع التي تنشر هذه الملفات الساخنة في الداخل التركي.

من خلال النظر إلى هذه المؤشرات نستطيع أن نستخلص بأن تركيا تسعى بشتى الاشكال على تصدير الأزمات الداخلية التي تعاني منها سواءً في الداخل السوري وبشكل خاص المناطق الخاضعة لسيطرتها أو الداخل التركي ومن خلال تجييش مناطق شمال وشرق سوريا من الممكن أن تؤدي المخططات التركية إلى إشعال المزيد من الفتن في المنطقة بأكملها، إذ تحاول في الوقت الحالي على استثمار الحرب النفسية أو ما يعرف محلياً بـ “الذباب الالكتروني” لخلق الفوضى ضمن مناطق شمال وشرق سوريا، ومن الممكن أن تستخلص التجربة التي استخدمتها في وقتٍ سابق في مدينة عفرين، لذا تركز وبشكل كبير جداً على مناطق الشهباء وفي منبج في الوقت الحالي.

زر الذهاب إلى الأعلى