زيارة مارك ميلي الأخيرة لشرق الفرات (التداعيات والأسباب والنتائج)

 

ها قد مضت على الأزمة السورية المستفحلة اثنا عشرة ربيعاً مخلّفة وراءها المزيد من القتل والتهجير والتشرّد ودماراً في البُنى التحتية وخراباً في البنى الاقتصادية وغلاءً في أسعار المواد الغذائية الأولية؛ حيث لم يعد بمقدور المواطن تأمين لقمة حياته اليومية، ناهيك عن أعمال البطش والترهيب والقصف بالبراميل على البيوت الآمنة في المدن والأرياف تحت عنوان “المؤامرة الكونية وملاحقة الإرهابيين” بذرائع مختلفة، فاكتظّت السجون بالمعتقَلين وتمزّق النسيج الاجتماعي السوري تحت مسمّيات جاهزة كانت غائبة عن المواطن السوري، وأصبحت العائلة موزّعة شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً في شتّى أصقاع المعمورة هرباً من أتون الحروب.

وأفرزت هذه الحرب الشرسة خرائط جديدة في سوريا وانقسمت شرقاً تحت مظلّة التحالف وقوّات سوريا الديمقراطية، والتي قارعت الإرهاب حتى آخر معقل له وبذلت الغالي والنفيس في سبيل دحر هذا التنظيم الإرهابي الذي قلّ مثيله في العالم، هذه القوات التي استطاعت بكل قوة وبسالة دحر هذه التنظيمات الإرهابية الدخيلة على البلاد والعباد، وسجّلت بصمة في التاريخ ألا وهي الحفاظ على السلم الاهلي وإنشاء مؤسّسات ديمقراطية وكذلك الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وعلى الأمن العالمي بتصدّيها للإرهاب العالمي المتمثّل بداعش، والأكثر من ذلك ضحّت بخيرة أبطالها وبطلاتها في التصدّي لهذا الإرهاب.

كما أتاحت هذه الأزمة المجال لتدخل دولي وإقليمي وداخلي بعد الاحتلال التركي لبعض المدن في الشمال الغربي من سوريا، وكنتيجة لذلك تعقّد المشهد السياسي وتشابكت خيوطه كثيراً واستعصى الحل، ومن هذه الزاوية سنتطرق إلى زيارة هيئة الأركان الأمريكية الثانية إلى منطقة شرق الفرات في غضون ٤٥ يوماً، جاءت هذه الزيارة في ظلّ تبلور تحالفات جديدة في المنطقة بعد التقارب المحتمَل بين روسيا والصين وبعد  التقارب “الإيراني السعودي” وكذلك التقارب “التركي الإيراني السعودي السوري”، وزيارة البرلمان العربي إلى دمشق والزيارات المكوكية الإماراتية وزيارة وزير خارجية مصر وكذلك الأردن .

هذه الزيارة إذًا تحمل في طيّاتها دلالات وإشارات ورسائل؛ فهي ذات بعد دولي وإقليمي وداخلي.

لنتطرق أولاً إلى البُعد الدولي: فأمريكا تحاول جاهدةً إغراق روسيا أكثر فأكثر في المستنقع الأوكراني وعدم فسح المجال لروسيا للاستثمار في الأزمة السورية، وكذلك تحاول إيصال رسالة للصين التي تتحرّك كثيراً في المنطقة من خلال البوابة السعودية بأنّها لا تستطيع أبداً أن تحلّ محلّها في المنطقة.

أمّا البُعد الإقليمي: فهو للإيضاح والإيعاز للمجموعة العربية المنقسمة أصلاً ما بين رافض وموافق، بأنّهم لا يستطيعون نفخ الروح في جثّة الأسد الهامدة وإعادة الحياة لهذا الجسد المتهالك أصلاً والقائم على جماجم الضحايا وغرس كرسيه في بركة دماء السوريين.

وكذلك رسالة إلى الجانب الإيراني المتوغّل في مفاصل الدولة السورية وما ينتج عن هذه المخطّطات من قصف يومي متبادل، موضحاً بأنّها لا تستطيع أن تحقّق أحلامها في الهلال الشيعي ولا تستطيع أن تنجز برنامجها النووي من خلال تصدير أزمتها الداخلية إلى الساحة السورية، ولا يغيب في هذا المحور الجانب التركي المنضوي في هذا الحلف والمقبل على الانتخابات المصيرية لأردوغان وحاشيته بأنّهم عاجزون عن أي حلّ في المنطقة ما لم يمرّ من بوّابة أمريكا وأوروبا والقرار الأممي (2254).

أمّا البعد الداخلي لهذه الزيارة فيمكن استخلاصه من حديث ميلي لوكالة (رويترز) حيث ربط ميلي المهمة بأمن الولايات المتحدة وحلفائها، وبهزيمة دائمة لداعش والاستمرار في دعم الأصدقاء والحلفاء في المنطقة واعتقد ميلي أنّ هذه المهام مهمة ويجب القيام بها.

 فمهما حاول عناصر هذا التحالفات الجديدة فإنّها تبقى مجرّد محاولات محدودة وبدون نتائج محقّقة، فهذه مآلات الزيارة الأمريكية الثانية للمنطقة كما ترى، فهي للتنسيق والتخطيط مع حلفائها في المنطقة وبالتالي فهي زيارة توجيه واطمئنان وذات أبعاد وأهداف.

زر الذهاب إلى الأعلى