المتغيرات الدولية الجديدة وتأثيرها على الأزمة السورية

تتأثر الأزمة السورية بالمتغيرات السياسية والعسكرية على الصعيد الدولي والإقليمي بحكم تواجد القوى العظمى “الولايات المتحدة وروسيا” إلى جانب الدول الإقليمية “تركيا وإيران” على الأراضي السورية فالانسحاب الأمريكي من أفغانستان وتسليمها لتركيا سيؤثر على الأزمة السورية فالولايات المتحدة تحاول دعم تركيا في أفغانستان وقد تدعم المجلس التركي “الدول الناطقة باللغة التركية ” لتشكيل اتحاد شبيه بالاتحاد الأوروبي للوقوف في وجه المشروع الصيني “حزام واحد طريق واحد” وإضعاف النفوذ الروسي في آسيا الوسطى وتعيد نشر قواتها في المنطقة لمحاصرة روسيا في سوريا إلى جانب الخطر الإيراني وميليشياتها في سوريا، حيث أعلن الجيش الأمريكي في بيان له عن إغلاق قواعد عسكرية له في قطر “معسكر السيلية الرئيسي، إلى جانب معسكر السيلية الجنوبي، ونقطة إمداد بالذخيرة تسمى فالكون”، كانت تستخدم كمستودعات للذخيرة والأسلحة، ونقلت قواتها ومعداتها إلى الأردن، وقد تعمل في المستقبل القريب على توسيع قواعدها في مناطق الإدارة الذاتية وتقويتها بالأسلحة والدفاعات الجوية. وبالمقابل تحاول تركيا تشويه صورة الإدارة الذاتية من خلال تغيير الحقائق واتهام الإدارة الذاتية وقسد بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين والعسكريين ” المقبرة الجماعية في عفرين” التي هي في الأساس مقبرة للشهداء تم استحداثها على عجل نتيجة الاجتياح التركي ووصولهم على مشارف المدينة وعدم تمكن قسد من دفن شهدائهم في مقابر الشهداء وهي مدعومة بالصور ومراسم بعض الشهداء واعترافات ذوي الشهداء وأهالي المنطقة، إلى جانب قضية الناشط أمين عيسى وقصف مشفى عفرين. فتركيا من خلال تغيير الحقائق وتشويه صورة الإدارة الذاتية تحاول الضغط على الولايات المتحدة واستغلال حاجة الولايات المتحدة إليها في أفغانستان لمنحها الضوء الأخضر لاجتياح مناطق الإدارة الذاتية ومنعها من الحصول على اعتراف دولي.

أما روسيا التي تطالب الإدارة الذاتية بأن تكون أكثر استقلالية ” أي فك ارتباطها بالولايات المتحدة ” والبدء بالحوار مع النظام للوصول إلى تسوية تسمح بعودة قوات النظام وميليشياتها إلى المنطقة، فهي ليست بعيدة عن السياسة التركية فهي من جانب تتعاون مع تركيا لتشويه صورة الإدارة الذاتية وتفرض حصاراً عليها وتمنع وصول المواد الغذائية إليها وتمنع الكرد من دخول مناطق النظام وذلك لخلق فتنة داخلية وتأليب بعض الأطراف على الإدارة الذاتية وتمنع إدخال المساعدات الأممية إلى مناطق الإدارة الذاتية عن طريق معبر تل كوجر، ففي يناير/كانون الثاني 2020، ألغى مجلس الأمن التفويض الممنوح للأمم المتحدة باستخدام معبر تل كوجر ” اليعربية” الحدودي بين العراق وشمال شرق سوريا بسبب تهديد روسيا باستخدام الفيتو ضد التفويض. ومن جانب آخر تخشى روسيا من الغدر التركي خاصة بعد تسلم تركيا للملف الأفغاني فهي تدرك مخاطر تمدد الجماعات الجهادية على حدودها الجنوبية مما قد يعني تصدير الفكر الجهادي إلى بقية المناطق بعد أن أصبحت تركيا المصدر الأول في العالم للمرتزقة “ليبيا وأذربيجان وباشور كردستان وحالياً أفغانستان….”، كما أن ازدياد التحرك التركي مع الدول الناطقة باللغة التركية “المجلس التركي” وفي حال عودة تركيا إلى الحاضنة الأمريكية ستصبح روسيا محاصرة وتهدد أمنها القومي لذا تحاول روسيا زيادة نفوذها في أفغانستان والسيطرة على الحركات الجهادية وتهديد تركيا وبشكل غير مباشر بمنح مناطق الإدارة الذاتية حكماً ذاتياً شبيه بنظام الحكم في العراق “نظام فيدرالي”، حيث أكد لافروف أثناء مؤتمر صحفي عقده في موسكو مع نظيره البحريني عبد اللطيف الزياني أن موسكو منذ بداية النزاع السوري تشجع على إجراء اتصالات مباشرة بين الكرد والنظام بهدف التوصل إلى اتفاقات بشأن كيفية التعايش معاً في دولة واحدة، مشيرا إلى أن العراق المجاور يشكل مثالا جيدا يمكن الاستفادة منه في هذا الصدد. لذا فإن فشل تركيا في التعامل مع المصالح والأهداف الروسية في أفغانستان سينعكس على الوضع في سوريا خاصة في مناطق درع الفرات مع ازدياد وتيرة القصف على إدلب.

الصين ونتيجة تدخل تركيا في أفغانستان تحاول إيجاد موطئ قدم لها في سوريا يمكنها من دعم مشروعها الاقتصادي ” حزام واحد طريق واحد ” للتأثير على تركيا بشكل غير مباشر كون الأخيرة بدعمها لجماعة الإيغور وتدخلها في أفغانستان يشكل خطراً على وضعها الداخلي إقليم شينجيانغ “تركستان الشرقية”، وسوريا هي البديل لتركيا نحو الأسواق الأوروبية والشمال الأفريقي في حال ساءت العلاقات بين الطرفين إلى جانب دعم النظام عسكرياً ولو بشكل محدود للضغط على تركيا، فزيارة وزير الخارجية الصيني للعاصمة السورية دمشق 17/ تموز يدخل ضمن هذا السياق ويأتي دعماً للأسد. إلا أن الصين حتى لا تنخرط أكثر في الأزمة السورية وتسبب مزيداً من الخلافات مع الولايات المتحدة فهي تطالب النظام مقابل الدعم المالي وإعادة الإعمار بتطبيق قرار الأمم المتحدة 2254.

أما إيران فبعد تنامي علاقاتها مع تركيا اقتصادياً نتيجة العقوبات الأمريكية وتعاونهما الشبيه بالتحالف “آستانا وسوتشي” في الأزمة السورية قد يتحول إلى صراع غير مباشر بين الطرفين نتيجة تضارب المصالح والأهداف فإيران تسعى لمد نفوذها في أفغانستان والوصول إلى أسواق آسيا الوسطى لتخفيف العقوبات الأمريكية عليها والتحكم بالقرار السياسي في كابول وفي نفس الوقت تخشى من حدوث تحالف تركي باكستاني أي تحالف سني خصوصا وأن تركيا اشترطت مشاركة باكستان والمجر معها في أفغانستان مما قد يهدد الأمن القومي الإيراني. أما تركيا فتتدعي بأن تعزيز نفوذها في منطقة أسيا الوسطى هو امتداد ثقافي وعرقي طبيعي لها مما قد ينعكس الوضع سلباً بين الطرفين في سوريا.

وفي هذا السياق قد تتحول الأزمة الأفغانية إلى أزمة شبيها بالأزمة السورية فالدول التي تحاول مد نفوذها في أفغانستان هي نفسها الدول المنخرطة في الأزمة السورية مما قد يعني تضارب المصالح الدولية أصدقاء الأمس أعداء اليوم وبالتالي استحالة وصول الأطراف المعنية بحل الأزمة السورية إلى حل نهائي وقد يصبح الوضع أكثر تعقيداً ومن الممكن في الفترة المقبلة ونتيجة تضارب المصالح الدولية عودة سياسة المقايضة أو بروز خلافات تركية روسية إيرانية في المستقبل القريب تكون بداية لعمليات عسكرية لاسترجاع الأراضي المحتلة تبدأ بمناطق درع الفرات “جرابلس والباب” وتنتهي بإدلب. أو أن يتجه المجتمع الدولي نتيجة زيادة الأزمات الدولية نحو الاعتراف بمناطق الإدارة الذاتية ومناطق ما يسمى بالائتلاف السوري بعد تصفية الجماعات الإرهابية المنضوية تحت مسمى الجيش الوطني وتحويل سوريا إلى نظام فيدرالي شبيه بالعراق.

زر الذهاب إلى الأعلى