اعتداءات نادي “بورصة سبور” على نادي “آمد سبور”

ما بين السياسة والرياضة

إنّ أحداث الشغب قُبَيل وأثناء وبعد مباريات كرة القدم تكاد تكون أمرًا اعتياديًا ألِفَتها الملاعب، وهذا الأمر يحدث كثيرًا حتى في الملاعب العالمية الكبرى، ولكن ماهو غير طبيعي وغير اعتيادي أن يتمّ إقحام السياسة وتداعياتها في أجواء المباريات الرياضية، وأن يقوم جماهير أحد الطرفين باستفزاز جمهور الطرف الآخر من خلال الإساءة اللفظية لأحد رموزه أو أعلامه أو قادته، ومن الطبيعي أن تتوتّر الأجواء في مثل هذه الحالة حيث التجمّع الكبير في مكان واحد، أضف لذلك حالة الغليان والحماس التي تشهدها ملاعب كرة القدم، خصوصًا أنّ غالبية الجمهور من فئة الشباب والمراهقين.

ضمن مباريات الدوري التركي لأندية الدرجة الثانية شهدت المباراة التي جمعت ناديي ” بورصة سبور” و” آمد سبور” أحداثًا عنيفة وعنصرية قُبَيل وأثناء وبعد المباراة، حيث تجاوزت تلك الأحداث حدود الرياضة وامتدّت إلى الساحة السياسة والقومية.

في هذه الورقة التحليلية سنحاول تسليط الضوء على ما حدث في ملعب بورصة، كما سنبيّن أبرز الأسباب التي أدّت إلى ما حدث هناك، وبعد ذلك سنعرّج على تداعيات وتأثيرات الحادث على الساحة السياسية التركية على العموم وعلى المناخ والأجواء الانتخابية خصوصًا، ولن ننسى التذكير بأحداث ملعب قامشلو /2004/ الشبيهة لدرجة كبيرة بأحداث ملعب بورصة /2023/وسنجري مقارنة سريعة بين الحدثَين.

  • أحداث ملعب “بورصة” في تركيا:

بدأت الأحداث منذ الليلة التي سبقت المباراة، حيث تجمّع جماهير نادي بورصة أمام الفندق الذي تقيم فيه بعثة نادي “آمد سبور” من لاعبين وإداريين وفنّيين، وقامت تلك الجماهير بإلقاء الألعاب النارية على الفندق وترديد شعارات عنصرية ضدّ الفريق الضيف كعربون حسن ضيافة واستقبال للضيوف القادمين من مدينة آمد.

قُبَيل بدء المباراة التي ستجمع نادي مدينة بورصة التركية “بورصة سبور” مع نادي مدينة آمد (دياربكر) الكردية “آمد سبور” قام جماهير نادي “بورصة سبور” بترديد ورفع شعارات عنصرية ضدّ الشعب الكردي، كما قاموا برفع صور أشخاص متّهمين بقتل واعتقال العشرات من الشعب الكردي، لم يكتفَ جماهير النادي التركي المُضيف بذلك بل قاموا باقتحام أرضيّة الملعب واعتدوا على لاعبي وإداريي نادي “آمد سبور” وهذا ما أدّى إلى تأخير بداية المباراة، كما قام بعض مشجّعي “بورصة سبور”برفع صور محمود يلدريم وهو أحد أفراد العصابة المتّهم بارتكاب جرائم قتل ضدّ شخصياتٍ كردية في تركيا،ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، بل قامت جماهير بورصا سبور برمي الزجاجات الفارغة على لاعبي “آمد سبور” أثناء المباراة، وهذا ما أدّى إلى توقّف المباراة لفترة ثم استؤنفت وسط أجواء متوتّرة.

كما كشف نادي آمد سبور عن تعرّض لاعبيه للاعتداء في ممرّات غرف تبديل الملابس من قبل مسؤولي ملعب بورصة سبور وتحديدًا مشرف الأمن الخاص بأصحاب الأرض وضابط الأمن وحتّى الموظّفين وضبّاط الشرطة.

ورغم كل ما سبق إلّا أنّ النادي التركي المُضيف لم يعتذر عمّا بدر من جماهيره تجاه النادي الضيف على أرض الملعب أو خلف الكواليس.

  • الأسباب والدوافع لتلك الممارسات العنصرية التركية ضد نادي “آمد سبور”:

كما أسلفنا فإنّ أحداث الشغب تحدث كثيرًا خلال مباريات كرة القدم، ولكلّ منها أسبابها ودوافعها، ففي المباراة التي نحن بصدد الحديث عنها (المبارة التي جمعت آمد سبور وبورصة سبور) يمكن الحديث عن مجموعة من الأسباب والدوافع التي تقف خلف ما حدث، ومنها:

1- ليس خافيًا على أحد أنّ نادي “آمد سبور” يمثّل مدينة آمد (Amed) الكردية، وتلك المدينة تكتسب رمزية وخصوصية لدى الكرد جميعًا، ولربّما تكون تلك الرمزية لمدينة آمد لدى الكرد أحد أسباب تلك الأحداث العنصرية الأخيرة التي شهدها ملعب بورصة سبور، لذلك وجدنا أنّ جماهير “بورصة” قد رفعت صورًا لشخصيّات معروفة بأنّها قد أساءت للكرد، وأرادت استفزاز جماهير النادي الضيف من خلال الشعارات الاستفزازية العنصرية وكذلك الصور والرموز التي رفعتها تلك الجماهير في الملعب.

2- تغيير اسم النادي من (دياربكر سبور) إلى “آمد سبور” قبل عدّة سنوات وبالتحديد في /2015/ قد رفع من منسوب العنصرية لدى الأتراك تجاه “آمد سبور”، فالمراقب لمسيرة النادي لابدّ أن يلاحظ تزايد أحداث العنف والمعاملة العنصرية التي يتمّ التعامل معهعلى أساسها، فبعد تغيير اسم النادي تعرّض لمختلف أنواع التمييز والعنصرية على النادي بشكل عام وعلى لاعبيه بشكل منفرد، ورغم ذلك فإنّ الطرف الآخر الذي يمارس تلك العنصرية لم يواجه أيّ عقاب على سلوكه ضدّ”آمد سبور” على وجه التحديد، كماأنّ النادي واجه عقوبات بالغرامة المالية بسبب هتاف مشجعيه طلبًا للسلام، وتمّ إغلاق ملعب النادي عدّة مرات لأسباب أمنية.

3- أحد الأسباب ربّما يكون بعيدًا عن عالم السياسة وله علاقة بالرياضة نفسها ونتائج مباريات الفريقين وترتيبهما في لائحة أندية الدرجة الثانية للموسم الحالي، حيث يحتلّ نادي “آمد سبور”المركز الثالث في مجموعته أمّا نادي “بورصة سبور” فيأتي في المركز الخامس عشر في لائحة الترتيب، وربّما يكون هذا الفارق الكبير بين ترتيب الفريقين هو ما أثار جماهير نادي “بورصة” بل وحتى اللاعبين والجهاز الإداري والفني للنادي، للتأثير على نفسيات ومعنويات نادي “آمد سبور” وبالتالي تؤثّر على نتيجة المباراة، وفعلًا تمّ ذلك حيث فاز “بورصة سبور” بنتيجة (2-1) في تلك المباراة التي استمرّت رغم ما شابها من أحداث شغب من بدايتها وحتى النهاية ورغم أنّها توقّفت مدّة من الزمن ثمّ استمرّت.

  • تداعيات الحدث على الانتخابات التركية:

ليس خافيًا على أحد أنّ تركيا على موعد مع انتخابات قريبة جدًّا، وهي الدولة الخارجة من تحت رُكام الزلازل المتتالية التي تعرّضت لها، وخلّفت الآلاف من القتلى والجرحى إضافة إلى الخسائر المادية الباهظة، لم تكن تركيا قبل الزلزال على ما يُرام، وجاء الزلزال “ليزيد الطين بِلّة” وليخلط الأوراق من جديد وقد يصعب إعادة ترتيبها.

كلّ شيء يحدث في تركيا خلال هذه الفترة مهما كان صغيرًا لابدّ أن تكون له تداعيات على الانتخابات، وما حدث مؤخّرًا من أحداث شغب وعنف في ملعب بورصة ليس ببعيد عن السياسة، خصوصًا أنّ الأمر يتعلّق بالكرد كطرف رئيسي في الحدث،فالأصوات الكردية في الانتخابات التركية لا يُستَهان بها مطلقًا بل تشكّل ثقلًا انتخابيا كبيرًا ربّما تكون بمثابة” بيضة القبّان” وتسهم في ترجيح كفّة الطرف الذي يتحالف معه الكرد في تلك الانتخابات، لذا يحاول كلّ طرف أن يكسب الكرد وأصواتهم في الانتخابات المقبلة، سواء كان حزب العدالة والتنمية الحاكم أو المعارضة التركية بأحزابها الستّة، وكلا الطرفين (الحزب الحاكم والمعارضة) يعلمان أنّ أي موقف أو حتى تصريح بخصوص الكرد لابدّ وأن يوثّر على المناخ السياسي في تركيا خاصّة في هذه الفترة الحسّاسة التي تمرّ بها تركيا.

ولذلك نجد أنّ بعض التصريحات والإشارات من الطرفين في الفترة الأخيرة تصبّ في خانة ” التقرّب من الكرد” لكسبهم في المعركة الانتخابية، فالحكومة أعلنت اعتقال بعض الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا سببًا في أحداث الملعب، كما أعلنت أنّ ما حدث في الملعب غير مقبول، كذلك المعارضة أيضًا أعلنت من جانبها عن نيّتها عقد لقاءات مع حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) للتباحث حول موضوع الانتخابات.

كذلك سبّبت أحداث ملعب بورصة موجة غضب عارمة لدى الشارع الكردي في المدن الكردية في (باكور كردستان) فقد تفاعلت الجماهير الكردية مع الحدث وعبّرت عن تضامنها مع “آمد سبور” في وجه الاعتداءات العنصرية التي تعرّض لها في ملعب بورصة، كما خرجت الجماهير الكردية في استقبال نادي” آمد سبور” أثناء عودته من مباراته الأخيرة، ولم يقتصر الاستقبال على جماهير الرياضة فقط بل انضمّت كافة الفئات إلى مراسيم الاستقبال وعبّرت عن تضامنها مع ناديها.

إنّ ما حدث في ملعب بورصة لابدّ أن يؤثّر بشكل من الأشكال على الحالة الانتخابية وخاصّة في المناطق الكردية.

صلاح الدين دميرتاش الرئيسُ السابقُ لحزبِ الشعوبِ الديمقراطي (HDP)والمُعْتقَل لدى السلطات التركية قد وجّه رسالة إلى نادي “آمد سبور” وجماهيره حيث دعاهم فيها إلى الاعتزاز والشموخ،صلاح الدين دميرتاش قال من مكان اعتقاله لنادي وجماهير آمد سبور: “لم نستسلم لآبائهم، فهل نستسلم لبقايا أوساخهم، عليكم أن تبقوا رؤوسكم مرفوعة كما هو الحال دائماً وأن تلعبوا كرة القدم الرائعة الخاصة بكم”.

  • وأخيرًا… التاريخ يعيد نفسه من قامشلو /2004/ إلى بورصة /2023/

ونحن على أعتاب الذكرى السنوية الأليمة لأحداث /12/ آذار في ملعب قامشلو /2004/ والتي سرعان ما تحوّلت إلى انتفاضة شعبية ضدّ ظلم واستبداد أجهزة الأمن السورية، والتي أدّت إلى انتفاضة شعبية ليس فقط في المناطق الكردية في سوريا بل تعدّتها إلى حلب وحتى قلب العاصمة دمشق، بل وتجاوزت حدود سوريا لتشمل كل دولة يعيش فيه الكرد في العالم، تأتي أحداث ملعب بورصة في تركيا المشابهة لأحداث ملعب قامشلو /2004/ ويتكرّر نفس السيناريو تقريبًا.

تتقاطع أحداث ملعب بورصة مع أحداث ملعب قامشلو /2004/ كثيرًا، فكلا الحدَثَين كانا بسبب الشعارات الاستفزازية من قبل الفريق الخصم ضدّ الكرد ورموزهم وقادتهم، وكلاهما كان في شهر آذار ذي الخصوصية لدى الكرد، كلا الحدثين شهدا تساهلًا من قبل قوى الأمن والشرطة التي تتولّى مهام الحماية في الملعب، بل أكثر من ذلك فقد شارك الأمن في قمع الكرد في كلا الحدَثين كما تساهل مع الطرف المقابل.

مع فارق أنّ الاعتداء والهجوم في ملعب قامشلو /2004/ كان من جماهير النادي الضيف، أمّا في ملعب بورصة /2023/ فقد وقع الهجوم من النادي صاحب الأرض (المُضيف).

زر الذهاب إلى الأعلى