المرحلة الجديدة في الأزمة السورية؟

المرحلة الجديدة في الأزمة السورية؟
بعد دخول روسيا إلى سوريا أواخر عام 2015م سرعان ما اصطدمت بتركيا بسبب إسقاط تركيا لطائرة سوخوي الروسية وظهور خلافات بين الدولتين وبسببها تذرعت روسيا بضرب المرتزقة والتي كانت تحسب نفسها على المعارضة السورية ومدعومة تركياً، مما أدى إلى تغييرات كبيرة على الساحة لصالح النظام، حيث عملت روسيا للسيطرة على المشهد السياسي في سوريا بعد أن حققت نجاحات عسكرية على الأرض. استطاعت روسيا دفع تركيا بعد محاولة الانقلاب المزعوم في تركيا للعمل تحت مظلة آستانا والقبول بمشروع خفض التصعيد, حيث عكس التفاهم بين الطرفين على الأرض حدوث صفقات لصالحهما وعلى حساب الشعب السوري, نجمت عنها حصر المرتزقة في بقعة معينة بغية محاربة المشروع الديمقراطي في شمال سوريا (احتلال عفرين) وتنفيذ الأجندة التركية.

بعد انحسار مناطق سيطرة الفصائل المسلحة على الأراضي السورية وتحويل “الجيش الحر” الذي شكله المقدم حسين هرموش إلى جماعات وفصائل مرتزقة تنفذ الأجندة الدولة التركية والبعيدة عن أهداف الثورة, بالإضافة إلى ما يسمى بالائتلاف السوري المعارض الذي أصبح عبارة عن بيادق بيد المخابرات التركية (الميت) والمرتبطة بالسياسة و الأجندة التركية في سوريا.

تتمسك تركيا بالمناطق التي احتلتها من الشمال السوري (جرابلس والباب وعفرين وإدلب) حيث هدفت تركيا باحتلالها للشمال السوري إلى إنهاء المشروع الديمقراطي في شمال سوريا ووقف عمليات قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب في تحرير الشمال السوري من التنظيمات الإرهابية المدعومة اصلاً من قبل تركيا، واحتلال المناطق الكردية مثل منطقة عفرين وإحداث تغيير ديمغرافي فيها, فبعد احتلال عفرين من قبل تركيا اصبحت مركزاً لاستقدام وتوطين الجماعات المسلحة من جميع المناطق السورية وخاصة تلك المناطق التي وقعت مع النظام اتفاقية المصالحة وبموجبها تم نقل المسلحين وعوائلهم إلى الشمال السوري وخاصة إلى عفرين بغية محو الهوية الكردية فيها وفي عموم غربي الفرات، وهذا يذكرنا بقانون التشتيت والإصلاح ( قانون إصلاح الشرق) الذي أقرته تركيا في 24 أيلول عام 1925 بعد قيام ثورة الشيخ سعيد حيث كان الهدف منه محو الهوية الكردية في مناطق غربي الفرات في تركيا, لذا تقوم تركيا حالياً بالتنسيق مع روسيا باستكمال نفس السياسة في عفرين وباقي مناطق روج آفا.

بعد تصفية الجماعات المسلحة في الغوطة استطاعت قوات النظام شن عملية عسكرية بدعم روسي على الجنوب السوري (درعا) والتي كانت تعتبر إحدى مناطق خفض التصعيد مقابل شروط واتفاقيات تضمن الأمن الإسرائيلي، ومن المتوقع بعد الانتهاء من الجنوب التوجه نحو إدلب التي تسيطر عليها جبهة النصرة والمدرجة دولياً في قائمة الإرهاب والخاضعة للأجندة التركية والقيام بعملية عسكرية للقضاء عليها.

استطاعت قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب من تحرير جزء كبير من مناطق الشمال السوري من تنظيم داعش الإرهابي.

وعليه تكون الخارطة السورية في الوقت الحالي موزعة على النحو التالي:

أولاً: منطقة عفرين وجرابلس والباب وإدلب مناطق محتلة من قبل المرتزقة الموالية لتركيا أي مناطق الاحتلال التركي.

ثانياً: مناطق شمال سوريا المحررة من قبل قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب المدعومة أمريكياً.

ثالثاً: ما تبقى من سورية (غرب الفرات وحتى الساحل السوري ) مناطق النظام تحت الحماية الروسية.

تعارض تركيا قيام النظام بعملية عسكرية في إدلب حيث تعتبرها ضمن مناطق نفوذها وإحدى مناطق خفض التصعيد فتحاول جاهدة الحفاظ على هذه المنطقة، حيث تهدف تركيا إلى:

زيادة رقعة أراضيها على حساب الأراضي السورية من خلال سعيها لتطبيق معاهدة (الميثاق المِللي) واستغلال الأزمة السورية لتحقيق أهدافها على حساب الشعب السوري.
ضرب المشروع الديمقراطي في الشمال السوري.
الحفاظ على الجماعات الإرهابية لتنفيذ أجندتها بضرب الكرد في المناطق المحررة (عمليات انتحارية) لزعزعة استقرار المنطقة، وفي استخدامهم في عملياتها في جبال قنديل.
ديمومة احتلال عفرين وجرابلس و الباب، باعتبار إدلب بوابة الدخول إلى عفرين والمناطق الواقعة تحت الاحتلال التركي، وخاصة في حال مشاركة قوات سوريا الديمقراطية في تحرير إدلب المجاورة لعفرين والتي ستسهل تحريرها.
في حال فشلت تركيا بمنع قيام حملة تحرير إدلب, قد تغضُّ طَرْفها عن إدلب مقابل صفقة مع روسيا على حساب المرتزقة. حتى تبقى تركيا أطول فترة ممكنة واعّتبار مناطق الاحتلال الأخرى مناطق تابعة لِما تسمى بالمعارضة وحتى تدخل أيضاً في مساومات مع النظام وروسيا في ما يخص الدستور و بالأخص الاعتراف بفدرالية شمال سوريا وذلك بإعاقة أي محاولات تهدف إلى منح الكرد وبقية المكونات حقوقهم السياسية المشروعة في سوريا, كما أنها لن تسمح بتسليم إدلب سلمياً لذا قد تعمل على تحريض جبهة النصرة ودعمها في محاربة النظام حيث تهدف تركيا من خلال ذلك إلى:

إبعاد تهمة دعمها للجماعات الإرهابية دولياً من خلال عدم السماح لجبهة النصرة بالاستسلام والقيام بتسوية شبيهة بتسوية الغوطة والجنوب السوري, ومن جهة أخرى إظهار تركيا بأنها لا تمانع قيام النظام السوري بضرب جبهة النصرة.
كسب المزيد من الفصائل المسلحة المنسحبة من إدلب وإخضاعها بشكل كامل للسياسة التركية وضمها لمرتزقة درع الفرات ومن ثم إدخالها إلى عفرين لتنفيذ الاجندة التركية.
تدفق النازحين نحو منطقة عفرين والذي سيؤدي إلى المزيد من التغيير الديمغرافي فيها خاصة أن تركيا ستغلق حدودها أمام النازحين وبالتالي التوجه نحو منطقة عفرين المحتلة مما سيزيد من خطر التغيير الديمغرافي.
تدمير البنية التحتية لإدلب بحيث تزيد من أعباء النظام في إعادة الاعمار.
استنزاف قوات النظام.
تعتبر روسيا إدلب منطقة استراتيجية لها لحماية قاعدة حميميم الجوية من الطائرات المسيرة والتي تشكل خطراً على تلك القاعدة وبالسيطرة على إدلب تبعد شبح تلك الطائرات.

أما بالنسبة لمناطق النظام والخاضعة للنفوذ الروسي ورغم سيطرتها على أغلب المساحة الجغرافية السورية إلا أنها من الناحية الاقتصادية فقيرة بالموارد الطبيعية (الزراعة والثروات الباطنية) لذا يحاول النظام الوصول إلى حل لكامل الأزمة السورية لتوحيد الاقتصاد السوري مع الحفاظ على حقوق المناطق المحررة وخصوصيتها.

بالرغم من التصريحات المتضاربة التي يدليها النظام بالنسبة لمناطق شمال سوريا المحررة من قبل قوات سوريا الديمقراطية بأنها “قوات ارهابية” ومن ثم أنهم شركاء في مكافحة الارهاب و الحديث عن حكم ذاتي وغيرها من التصريحات إلا أنه على ما يبدو ينتظر الموقف الأمريكي في ما يخص بقائه في شرق الفرات وخاصة أن الرئيس الأمريكي قد صرح سابقاً برغبته بالانسحاب من سوريا أو أنه يأمل من روسيا عقد صفقة مع الولايات المتحدة تسحب من خلالها الولايات المتحدة يدها من شرق الفرات التي تحميها وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية والتي لم تقف إلى جانب أي من الأطراف المتصارعة في سوريا بل انتهجت سياسة مغايرة (المشروع الديمقراطي) والذي يهدف إلى منح كافة المكونات حقوقهم المشروعة, كما لعبت دوراً كبيراُ في محاربة تنظيم داعش الإرهابي وتحرير مساحات واسعة من سوريا وخاصة مدينة الرقة عاصمة الخلافة المزعومة لتنظيم داعش الإرهابي حيث  يعود الفضل إليها في القضاء على هذا التنظيم الإرهابي وبشهادة أغلب دول العالم.

ورغم معارضة البنتاغون لتصريحات ترامب بالانسحاب والتي تعتبره نصراً لروسيا على حساب الولايات المتحدة في شرق الفرات إلا أن الولايات المتحدة مازالت متمسكة بمناطقها وتؤكد على أن مسألة انسحابها من سوريا مرتبط بتسوية سياسية شاملة في سوريا وآخرها قيام التحالف الدولي في محاربة النظام بضرب رتل عسكري للنظام كان متجهاً نحو بلدة هجين الواقعة شرق الفرات والذي يعتبره التحالف خطاً أحمر لا يمكن اجتيازه. وبسبب إصرار المجتمع الدولي على حل سياسي في سوريا ينهي الأزمة السورية ورفضها تقسيم سوريا والذي يتوافق مع رؤية مجلس سوريا الديمقراطي الرافضة لفكرة التقسيم فخارطة الطريق في شرق الفرات قد تكون على الشكل التالي:

اعتراف النظام بفدرالية الشمال السوري.
الاعتراف باللغة الكردية بشكل رسمي في سوريا.
الإدارة المشتركة للثروات الباطنية بما يضمن مخصصات المنطقة.
الإدارة المشتركة للمعابر الحدودية.
اعتبار قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب جزء من الجيش السوري لسوريا الجديدة مع الحفاظ على استقلاليته وتخصيص ميزانية خاصة به (وهو ما يسمح للولايات المتحدة بالحفاظ على شريكه في المنطقة).
كما أن نظرة المسؤولين الكبار في الإدارة الأمريكية كانت سلبية من اللقاء الذي جمع ترامب مع بوتين (اجتماع هلسنكي) حيث ظهر فيه الولايات المتحدة بالموقف الضعيف بنظر المعارضين لسياسة ترامب وحتى بعض المؤيدين له من الحزب الجمهوري  لذا وإن سحبت الولايات المتحدة جنودها من شمال سوريا قد تعمل على بقاء مستشاريها في شرق الفرات مع الحفاظ على بعض القواعد العسكرية وزيادة دور التحالف الدولي فيها (فرنسا) لتقديم الدعم العسكري لقوات سوريا الديمقراطية ولضمان عدم ظهور داعش من جديد والحفاظ على هيبتها وعدم التنازل لروسيا.

بناء على ذلك فإن سيطرة النظام على أغلب المناطق الخاضعة للمرتزقة في سوريا لا يعني بالضرورة أن الأزمة السورية قد انتهت بل يمكن القول بأن الأزمة السورية قد دخلت في مرحلة جديدة تتنافس فيها القوى العظمى و الإقليمية على تقاسم مناطق نفوذهم فيها وإن هذه المرحلة هي مرحلة كيفية تشكيل نظام جديد مع الحفاظ على هرم السلطة وبما يتوافق مع مصالح القوى العظمى.

 

زر الذهاب إلى الأعلى