الاحتجاجات في السويداء وانعكاساتها

الاحتجاجات في السويداء ليست وليدة اللحظة، إنّما توالت وتواترت دراماتيكياً بين الفينة والأخرى، وقادها ناشطون احتجاجًا على تردّي الأوضاع المعيشية وارتفاع أسعار المواد الأساسية ونفاد المحروقات كلّيًا وتفاقم تسلّط الأجهزة الأمنية.

 وأصبحت حياة  المواطن السوري جحيمًا لا يُطاق؛ نتيجة لهبوط قيمة الليرة السورية أضعافًا مضاعفةً، ملامِسة أرقامًا قياسية، ولم يعد هناك ربط ما بين دخل المواطن والأسعار، هذه الأسباب أدّت إلى انفجار الوضع في السويداء ذات الأغلبية الدرزية في الجنوب السوري، فانطلقت الاحتجاجات بشعارات سلمية وبمطالبَ محقّة، وسرعان ما تحوّلت إلى شعارات سياسية مناوئة للنظام؛ حيث توجّهوا إلى مبنى المحافظة وحطّموا صور رموز النظام المنتشرة على المبنى، وسط هتافات وتصفيق وتحطيم الأثاث وإضرام النار بالمبنى والسيارات الموجودة، بالمقابل لجأ النظام كعادته إلى استخدام الذخيرة الحيّة لتفريق المحتجّين؛ مما أدّى إلى مقتل شخص وإصابة العديد إصابات متفاوتة، ما زاد من رقعة وزخم الاحتجاجات، وبدأ النظام يكيل الاتّهامات يمينًا ويسارًا، أحيانًا يربطها بإسرائيل، وأحيانًا برئيس طائفتها وليد جنبلاط، وأحيانًا يربطها بالخارجين عن القانون، ممّن يتلقّون الدعم من جهات خارجية وداخلية هدفهم ضرب الأمان وزعزعة الاستقرار في المدينة التي نأت بنفسها وحيّدت شبابها عن الخدمة الإلزامية، ناسية الأسباب التي دفعت إلى قيام مثل هذه الاحتجاجات والتي لم ولن تقتصر على السويداء فقط، بل سوف تنتشر عاجلًا أم آجلًا في كلّ المحافظات السورية، لأنّ الأمور ساءت ولأنّ الظرف الذاتي قد تهيّأ وتكامل مع الظرف الموضوعي للقيام بمثل هذه الاحتجاجات.

 لقد أعلنت الدولة عن عجزها التام لضبط إيقاع الوضع الداخلي المعيشي للمواطنين وتأمين الحاجات الضرورية الأساسية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالدول التي كانت تدعم النظام اقتصاديًا وعسكريًا باتت تعاني نفس المعاناة، فعلى سبيل المثال روسيا لم يعد بمقدورها أن تلعب دورها بنفس الوتيرة كما كانت في السابق؛ بسبب انغماسها في الحرب الأوكرانية، وكذلك إيران منهمكة ومنهارة اقتصاديًا ومتأزّمة؛ نتيجة المظاهرات العارمة التي عصفت بها وباتت تبحث عن مخرج لها.

كنتيجة، إنّ انهيار المنظومة الاقتصادية لدى الحكومة السورية وعجزها عن وضع حدّ لهذا الانهيار، سيدفع البلاد إلى قعر الهاوية أكثر، وستنهار الدولة من الداخل بعد أن استعادت جزءًا من عافيتها بالنسبة إلى وضعها الخارجي، كما أنّ إصرار النظام السوري على عدم إيجاد الحلول السلمية للتداول السلمي للسلطة، وفقًا للقرار الأممي /2254 / وتعامله مع مواطنيه بالذهنية السابقة، واللجوء إلى الحلول العسكرية، ورفض الحوار، والمراهنة على الزمن، والمناورة والمراوغة في الداخل، ورفض حتى الحلول التوافقية مع من يملك القوة ومشاريع الحلّ على الأرض، بل ويتمادى في غيّه وضلاله، ويكيل الاتّهامات على مَنْ دافع وحافظ على وحدة الأراضي السورية، لذلك يمكننا القول أنّ النظام السوري هو مَن يؤجّج النار ويزيد من لهيبها لحرق ما تبقّى من البلاد.

زر الذهاب إلى الأعلى