معمعة التيّارات في دمشق
منذ استقلال دول الشرق الأوسط (الاستقلال المزعوم)، وخاصة الدول العربية التي استقلّت عن الاستعمار البريطاني والفرنسي ولكن ضمن اتفاقيات خاصة بحيث تبقى الوصاية قائمة وتضمن التبعية، ومع مرور الزمن تقلّص النفوذ الفرنسي والبريطاني مع بقاء التأثير قائمًا، في ظلّ أحادية القطبية الدولية لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، كان الشرق الأوسط ساحة مصالح للولايات المتحدة والقوى الدولية الحليفة، كلّ ذلك مرتبط بالنفوذ الإيراني وحماية إسرائيل وضمان استثمار النفط الخليجي لصالح الشركات الأجنبية وبقاء التبعية قائمة.
لعبت إيران على العاطفة العربية في تبنّي معاداة إسرائيل ومناصرة القدس، ولم يسعفها ذلك، بل يبدو أنّ التعاطف قد مال على أساس طائفي تحت غطاء أطلقوا عليه ” محور المقاومة” الذي سبّب وأطال الأزمة السورية؛ حيث يستمرّ نزيف الدم السوري بمختلف البقاع السورية، ناهيك عن معاناة الشعب السوري في ظل ظروف اقتصادية صعبة وتعنّت النظام السوري في تقديم تنازلات تسهم في انفراجات تخفّف المعاناة، هذا عدا عن الانتهاكات المستمرّة لحقوق الإنسان والتي تُرتكَب بالجملة، و يحتاج إيقافها لنظرة إنسانية وتوافق سياسي بين جميع الأطراف.
تبدو السياسة الخارجية السورية ثابتة متمركزة لا تهتزّ في موقفها تجاه الأزمة في سوريا؛ حيث رفعت طول سنوات الأزمة شعاراً تغنّت به ومفاده أنّ (سوريا تواجه مؤامرة كونية)، إلّا أنّ الحقيقة تقول أنّ ساسة النظام السوري قد أتقنوا تمثيل دور الثبات، وأثبتت القبضة الأمنية قوّتها وتمدّدها، وممّا لا شكّ فيه أنّ جميع أركان الدولة هم أبناء عائلة حزب البعث المتسمّرون على كراسيهم على حساب استمرار معاناة الشعب مع اختلاف التدخّلات الخارجية – كلٌّ حسب مصلحته – والمتمثّلة بروسيا الاتحادية وإيران اللتين تدخّلتا عسكرياً ومنحتا غطاءً سياسيًا، كما تدخّلت ميليشيات طائفية ” حزب الله” اللبناني وغيره من الميليشيات الشيعية في اللحظات التي انهار فيها الجيش السوري.
بقي النظام السوري قائمًا إلى الآن بفضل سلاح الجو الروسي، ومع كثرة هذه التدخّلات وارتباط كل منها بجانب عسكري أو سياسي في الداخل السوري تشكّل قادة وشخصيات سورية موالية لتلك الجهات الخارجية، وبناءً على ذلك؛ تشكّلت في دمشق تيّارات مختلفة يميل كلّ منها إلى جانب، ليكون العنوان المناسب لحقيقة سياسة التوجّه السوري هو “معمعة من التيارات داخل دمشق”.
- التدخّلات الخارجية:
-التيّار الروسي:
روسيا الاتحادية بقيادة” بوتين” لم تخفِ عدم تقبّلها لخسارتها الحرب الباردة إبّان انهيار الاتحاد السوفياتي، وأنّها قادمة بقوة لتصارع على تغيّر موازين القوى الدولية وإنهاء الأحادية القطبية وإعادة الأمجاد، فإن لم تكن ثنائية القطبية – وهي طرف – فلتكن متعدّدة الأقطاب، وذلك إرضاءً لتحالفها مع الصين بالدرجة الأولى، تصدّرت روسيا المشهد عندما سبحت عكس التيار الغربي الذي بدأ بفرض العقوبات والدعوى لإسقاط النظام السوري، إلّا أنّ روسيا قد بدأت تتدخّل عسكريًا وبكامل قدراتها، وممّا لا شكّ فيه أنّ ذلك التدخّل قد قلب الموازين وجرّد الدعم الخليجي من فائدته، وجعل الغرب يضع الوجود الروسي في سوريا بالحسبان دائما.
العلاقة العسكرية بين سوريا وروسيا تمتدّ لسنوات طويلة منذ زمن الاتحاد السوفياتي، والجدير بالذكر أنّ حافظ الأسد هو أحد الضباط السوريين الذين تتلمذوا على يد السوفييت، إذًا؛ روسيا لديها الخبرة اللازمة للدخول في هيكلية الجيش السوري، وهذا ما يسهّل توضيح أن يقع اختيار الروس من بين فرق الجيش السوري على الفرقة الرابعة والتي تُعَدّ دولة داخل دولة، وإن كانت هناك دولة عميقة في سوريا فإنّ الفرقة الرابعة هي جيشها، هنا في هذه النقطة لنتوقّف ونتأمّل مدى التأثير الروسي، إذاً؛ روسيا هي المؤثّر الأول في سوريا، وكلّ ذلك يتّضح من خلال لقاءات الرئيسين السوري والروسي في سوريا وفي قلب دمشق، عندما جلسا دون أي شعار أو صورة أو تلميح إلى أنّهم في غرفة على الأرض السورية، وقد تناقل الإعلام السوري الصورة بفخر، متجاهلًا قيم السيادة السورية، قد كان ذلك هيّنًا أمام مشاهدة ضابط روسي يوقف ” بشار الأسد” عند خط معيّن ويمنعه من مرافقة” بوتين” إلى المنصّة ويشير له “هذا حدّك”، وكان ذلك في قاعدة حميم (وهي أرض سورية)؛ فالولاء الذي قدّمه بشار الأسد لبوتين في الزيارة الأخيرة يختصر جميع التحليلات حول مدى استجابة القيادة السورية للتقارب مع تركيا، فإن كان هناك ما يؤخّر اللقاء المزعوم بين أردوغان وبشار الأسد فلا بدّ أن يكون لاعتبارات روسية ومكاسب تريد روسيا الحصول عليها من تركيا.
التيّار الموالي لروسيا في دمشق قويّ جدًّا ويتمثّل بقيادة الفرقة الرابعة” ماهر الأسد” وولاء كامل من” بشار الأسد” ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع ووزارة الاعلام، وهذا يتّضح من خلال غضّ النظر عن الاستهداف الإسرائيلي للمقرّات الإيرانية (المنافس الرئيسي للوجود الروسي) تجاوبًا مع التنسيق المُسبَق بين روسيا وإسرائيل.
ووصول التقارب السوري – التركي إلى مراحل متقدّمة بوساطة روسية – سواء علناً أو من خلف الكواليس-، وقد تختلف أدوات الوساطة، ولكن في المحصلة؛ روسيا هي الوسيط والمفاوض وسينتهي الأمر بالتقارب السوري – التركي وفق ما يرضي روسيا.
-التيّار الإيراني:
في هذه الفترة تخضع إيران لاختبار لشعاراتها وعلاقاتها مع أداوتها سياسياً وعسكرياً، ومحور المقاومة المزعوم في المنطقة يقع تحت خطر الانهيار، فالأزمة السورية وتدخّل إيران في سوريا عسكريًا كان بمثابة انتصار وهدف سعت إليه إيران، وبعد أن سجّلت وجودها في العراق كان لابدّ من استكمال “الهلال الشيعي” وإيصال ذلك بلبنان، والتدخّل في سوريا فرصة لم تفوّتها إيران؛ فتدخّلت على أعلى المستويات والمستشارين وبدأت بحملات التشيّع من دمشق إلى حمص وحلب ودير الزور، وذهبت إلى بناء قوى وميليشيات موالية لها في ظل سيطرة روسيا على الجيش النظامي، فكانت أولى تشكيلاتها” الدفاع الوطني” وقد سيطرت عليه من خلال دعم سلطات قادة الدفاع الوطني الذين كانوا يعملون خلال مسيرتهم في تهريب الأسلحة كما كانوا مطلوبين بسبب أعمال غير شرعية، استخدمت إيران هذه المليشيا لتأمين مقرّات خاصة بها لتكون بوّابة لدعوات التشيّع والترويج للمخدّرات، لقد فُضحت الممارسات الإيرانية عندما وصلت إلى دير الزور، وبدأت علناً بدعوات إلى التشيّع؛ حيث يتلقّى المتشيّعون لقاء ذلك أموالًا وسلالاً غذائية، وعلى ما يبدو إنّ إيران تتحضّر بشكل أو بأخر لانهيار النظام السوري وأخذ حصّتها من الوجود مثلما حدث في العراق.
المسؤولون والموالون في دمشق من مختلف المناطق السورية عبّروا عن اشمئزازهم من الوجود الإيراني بشكل غير مباشر، وكثير من التصريحات الشعبية ترى أنّ الوجود الإيراني هو إعاقة لإنهاء الحرب، خاصة أنّ التدخّل الأمريكي دائمًا ما يتمّ تحليله على أنّه لإيقاف النفوذ الإيراني وضمان عدم تمدّده، يجدر بنا أن نشير إلى موقفين يوضّحان التقليل من شأن استمرار الولاء لإيران والسماح بنفوذها، الأول: استهداف المسؤولين الإيرانيين في قلب دمشق وحلب والساحل السوري من قبل إسرائيل، واغتيال شخصيات عسكرية مهمّة من الحرس الثوري، وحتى استهداف اجتماع إيراني سياسي وعسكري مهم في مبنى السفارة الإيرانية في دمشق، وهذه الاستهدافات انتهت عمليات التحقيق فيها لتكشف عن تعاون استخباراتي سوري في تحديدها وإعطاء معلومات عن الهدف لإسرائيل، ويمكن فضح ذلك إذا ما بحثنا بتقرير استقصائي عن حقيقة وفاة” لونا الشبل” مستشارة الرئاسة السورية المحسوبة على التيّار الروسي، وتسريبات اتهامها بمعاداة التيّار الإيراني وأنّها توفّيت تحت التعذيب.
أمّا الموقف الثاني فنجده عندما ندقّق في أسلوب الاعلام السوري، والذي يشهد له أنّه موالٍ للقيادة بامتياز، ومجرّد من أيّة حريات ودائمًا ما كان مرآة للسياسة الخارجية السورية، سواء في تغطية الخبر أو في استخدام المصطلحات، وآخر ما يمكن الإشارة إليه هو كيفية تعامل الإعلام السوري مع الخطاب الأخير لـ” حسن نصر الله” الأمين العام لحزب الله وأحد أبرز أدوات إيران؛ حيث تجاهل الإعلام السوري الخطاب واكتفى بخبر أنّ “نصرالله” قد ألقى خطابًا، وترافق هذا التجاهل بمختصرات الأخبار المتعلّقة بإيران، هذا يشير إلى رغبة حقيقية في عمق السياسة السورية بتقليص النفوذ الإيراني، سواء كانت هذه الرغبة استجابة للإرادة العربية وتخوّف العرب من العلاقة الإيرانية – السورية، أو كانت استجابة للانزعاج التركي والروسي من التمدّد الإيراني، وأيضا لتردّد الغرب والأمريكيين في إعادة العلاقة مع النظام السوري بحجّة استمرارية وخطر النفوذ الإيراني.
ملخّص طبيعة التيّار الإيراني في دمشق وباقي الجغرافيا السورية هو تكتّلات متشيّعة تنهار مع انهيار الوجود الإيراني في سوريا وتوقّف الدعم المالي والإغاثي لها؛ لأنّ التشيّع قد حصل نتيجة الحاجة الاقتصادية والأمنية، كما أدرك المسؤولون السوريون أنّ إيقاف النفوذ الإيراني وتقلّصه تسهّل عليهم المفاوضات؛ كون الوجود الإيراني يشكّل ورقة ضغط تُستخدَم ضدّهم في جميع الجولات مع مختلف الأطراف.
التيّار الإيراني في دمشق يتّجه نحو الضعف، والخطر الحقيقي يكمن في احتمالية رغبة إيران في نقل نفوذها إلى الشرق السوري عن طريق العشائر وخلق الفتن هناك، وتقديم الدعم للحصول على فرصة للسيطرة على مناطق جديدة، وأحداث ديرالزور الأخيرة تؤكّد ما تمّ طرحه، والتي ستتصاعد وتختلف أشكالها إن لم يتم وأدها بحزم، لأنّ إيران أيضًا قد أدركت أنّها أصبحت ضمن قائمة “غير المرغوب بهم” في الداخل السوري، إضافة إلى ذلك فإنّه من مصلحة روسيا والنظام السوري تصاعد ممارسات إيران في الشرق السوري وضرب الاستقرار في مناطق الإدارة الذاتية ليكون ورقة حُسن نوايا تُستخدَم في مفاوضات التقارب التركي – السوري؛ كون الإدارة الذاتية هي محور مهمّ في جولات التقارب والمفاوضات، كما يشجّع روسيا للمضيّ قُدُما في الضغط على الولايات المتّحدة الأمريكية.
-التيّار العربي:
تغيّرت السياسة العربية تجاه النظام السوري من خلال وفد من البرلمانات العربية وفتح خط التقارب العربي – السوري عن طريق الإمارات والتي نجحت في نهاية المطاف، وبعد عدّة جولات، في إعادة سوريا الى الجامعة العربية وحضور بشار الأسد آخر قمّتين عربيتين، تركت سوريا الباب مفتوحًا دائما مع الدول العربية، وذهبت إلى أبعد من ذلك، فكان هذا التقارب وجولات المفاوضات مع الدول العربية، بقيادة السعودية، ورقة رابحة في مفاوضات النظام السوري مع تركيا. إنّ النظام السوري لم يهرول نحو تركيا كما تفعل تركيا، ويتسابق النظام التركي والمعارضة للقاء بشار الأسد؛ كلّ ذلك بفضل الهدوء وعدم الاستعجال السوري للتقارب في ظل فرصة وجود التوافق العربي لإنهاء الأزمة السورية، وهو ما أكسب النظام السوري فرصة البحث عن كلّ المكاسب والتنازلات الممكنة، في ذات الوقت حافظ النظام على الخط الذي فتحته الدول العربية من خلال تشكيل لجنة من البرلمان السوري (مجلس الشعب) من خلال تشكيل لجنة مصالحه عربية منها مع الامارات وأخرى مع السعودية والعراق، وتقوم هذه اللجنة بجولات دورية. إنّ التيّار العربي موجود وقائم في دمشق، ويرى كثيرون أنّ المصالحة العربية – السورية تفتح الباب أمام عودة الدول الأوربية للعودة لفتح قنوات التواصل مع النظام السوري، وهذا ما حدث فعلًا؛ وافتتاح السفارة الإيطالية مثال على ذلك، وتأخير تحقيق رغبة التيّار العربي والذي يشجّع على الاعتماد على الدول العربية في حلّ الأزمة السورية هي أوّلًا شرط تنحّي بشار الأسد مستقبلًا، وثانيًا إضعاف وإنهاء النفوذ الإيراني في سوريا، والنظام السوري لم يردّ سلبًا، وإنّما اعتمد سياسة المماطلة، كسبًا للوقت وتماشيًا مع الأحداث الجارية لإنهاء الاتفاق السوري – التركي.
التيّار الداعي إلى تبنّي استجابة إيجابية للمبادرة العربية في حلّ الأزمة السورية يتشكلّ من اقتصاديين بالدرجة الأولى، وجود الدول العربية، وخاصة الخليجية، على طاولة الحلّ السوري يضمن كمية كبيرة من الاستثمارات ومدخلات إنعاش الاقتصاد وإعادة الاعمار، هذه الاعتبارات مهمة لتسريع التعافي في سوريا، وما يمكن أن تقدّمه دول الخليج ماليًا بدون قيود لا يمكن أن يتواجد لدى أيّة جهة أخرى، وبذلك يمكن القول إنّ التيّار العربي داخل دمشق متصاعد، خاصة في ظلّ تزايد سوء الظروف الاقتصادية والمعيشية في سوريا.
-التيّار الغربي والأمريكي:
بدأ تغيّر سلوك الغرب عمومًا تجاه النظام السوري وإيقاف تصاعد حدّته أول مرّة عندما ظهر داعش في سوريا، مستغلًّا الأحداث في سوريا، وأرسل هذه التنظيم رسالة واضحة مفادها أنّ تنظيم داعش خطر حقيقي على العالم –وهو مستمرّ إلى الآن- وظهور تنظيم داعش قد أنقذ النظام من السقوط، لقد تخوّف الغرب من داعش واحتمالية ظهوره بمسمّيات أخرى بسبب الفوضى في سوريا؛ كون أوروبا هي الساحة الثانية المستهدفة حسب الخريطة الجغرافية التي روّج لها تنظيم داعش، وهذا ما عزّز رؤية الانتقال السياسي في سوريا وهي منضبطة أمنيًا، وتكرّر الولايات المتحدة الامريكية ربط وجودها في سوريا بمحاربة تنظيم داعش، متجاهله الاعتداءات المستمرّة بحق الشعب السوري من قبل تركيا وتنظيم داعش والنظام السوري وفصائل المرتزقة، كلّ التقارب الحاصل مؤخّرًا، سواء من الدول العربية أو الغربية أو تركيا، إنّما يحدث بضوء أخضر أمريكي، ويلاحَظ هذا أيضًا في اللهجة التي يستخدمها المسؤولون الأمريكيون في تصريحاتهم وبياناتهم؛ فبدّلًا من إنهاء حكم النظام وإسقاطه اكتفى بمصطلح
” تحسين سلوكه”، خفّض الغرب والأمريكيون مطالبهم بالتوازي مع التقارب التركي والعربي مع النظام السوري مطالبين فقط بتحسين السلوك، وباتوا يغضّون الطرف عن الانتهاكات ومسبّبات الأزمة السورية بالأصل، وذلك كلّه درءًا لمخاطر ظهور داعش بصورة تصعب مقاومته، في ظلّ موجات لجوء كبيرة للسوريين وموقف التيار اليميني المتصاعد في أوروبا من اللاجئين.
هناك تيّار في دمشق يرى بضرورة بناء علاقات إيجابية مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، ويرى أنّ اتّخاذ سلوك ونهج متوازن من جميع الأطراف الفاعلة يضمن قيم السيادة السورية، وأنّ إرضاء الأوربيين والأمريكيين يكون من خلال الابتعاد عن إيران ومنح حقوق الإنسان في سوريا الاعتبار الأول، أصحاب هذا التيار هم ذاتهم الذين لا يرون ضررًا من التفاوض مع الإدارة الذاتية ومنح الحقوق المحقّة والعمل على تطبيق اللامركزية في إدارة سوريا بإشراك الجميع، في غالب الأحيان يتعامل النظام السوري مع هؤلاء باعتبار بعضهم معارضة وطنية ويتم التعامل معهم بسلاسة إجهاضًا للمعارضة الأخرى، وبالتالي؛ إجهاض شرعية أيّ دعم مقدّم للمعارضة المسلّحة وغيرها ممّن يطالبون بإسقاط النظام.
- الخيار الوطني الداخلي
-التعدّدية الحزبية واللامركزية (الإدارة الذاتية نموذجًا)
السلطة الحاكمة في دمشق أدركت جيدًا استحالة الاستمرار بذات السياسة والنظام الإداري ما قبل 2011، ولكن تفضّل أن يحدث التغيير بما يضمن مصالحها أو على الأقل يضمن الجوانب المهمّة ببقاء حزب البعث قائدًا للدولة والمجتمع، ومنذ 2014 وخلال لحظة إعادة انتخاب بشار الأسد رئيسًا، يتكرّر مصطلح “الإدارة اللامركزية” ولكن دون أي فعل أو مرسوم أو إجراء رسمي يثبت حقيقة هذه الرغبة؛ فما يهمّنا هو أنّنا ندرك أنّهم يعلمون جيّدًا ” ضرر ومعضلة المركزية والإجماع الشعبي على اللامركزية للسلطة”.
شمال وشرق سوريا يعيش تجربة مثالية للحلّ السوري؛ من خلال هيكلية الإدارة الذاتية وإشراك جميع أطياف المجتمع في الإدارة والقرار، وبناء تنظيم اجتماعي زاد من قوة النسيج والروابط الاجتماعية التي تغنّى بها السوري دائمًا، على عكس المناطق الأخرى التي يتصاعد فيها خطاب الكراهية والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان، والتي تبعث دائمًا رسائل رغبتها بممارسة العنف والإبادة الانتقامية. إنّ تجربة الإدارة الذاتية تلقى احترامًا خاصّاً لدى السوريين في الداخل رغم الحرب الإعلامية الممنهجة؛ والدليل على ذلك هو أعداد المهاجرين داخليًا من حلب وحمص وحماة وإدلب إلى مناطق الإدارة الذاتية؛ بحثًا عن الأمان ومصادر الرزق.
كما أنّ شعارات مظاهرات السويداء المطالِبة بإدارة ذاتية تؤكّد نجاح التجربة وتأثيرها، وبذلك يضع الشعب السوري الكرة في ملعب النظام السوري لإجراء مفاوضات عادلة مع الإدارة الذاتية، والاستفادة من التجربة والذهاب بعيدًا في إحقاق العدالة وتطبيق نظام اللامركزية في إدارة البلاد.
التعدّدية الحزبية هي الحالة المثالية للديمقراطية، والتي تمنح الشعب بمختلف شرائحه فرصة المشاركة في حكم البلاد؛ وبناءً على ذلك؛ فإنّ إنهاء حكم الحزب الواحد يُعَدّ من أولويات الخيار الوطني لإنهاء الأزمة، كما يُعَدّ ضرورة ملحّة لإعادة بناء سوريا ديمقراطية جديدة.
- آفاق المستقبل السوري
-إزالة آثار الحرب:
آثار الحرب كبيرة جدًّا وليست إزالتها بالأمر السهل، ولكن ما يمكن فعله هو التخفيف من آثارها من خلال التعافي المبكّر خلال مرحلة عدالة انتقالية، المجتمع المدني هو أكثر المعنيين بهذا الأمر، وذلك من خلال النقابات والاتحادات والروابط المحلية ومنظمات المجتمع المدني، ولكن التوافق السياسي هو الأساس في عملية التخفيف من آثار الحرب من خلال إيقاف الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها وإعادة طوعية لتركيبة السكّان الذين مورس التغير الديمغرافي بحقهم.
إنّ إعادة إعمار سوريا بشكل عادل يضمن عودة طوعية بضمانات حفظ السلامة والأمن، كما أنّه من الضروري وضع خطط وموازنات الخدمات للشعب السوري ضمن سياسة التوزيع العادل للثروة.
– مؤتمر وطني جامع وشامل:
الدعوة لعقد مؤتمر وطني شامل خير إعلان لمرحلة سوريا الجديدة؛ وهذا الحدث يتطلّب جهودًا كبيرة لخلق توافق سياسي وحسن نوايا وضمانات، كما يستلزم عقد عدة جلسات واجتماعات تضع الحجر الأساسي بإشراك جميع أطياف المجتمع السوري، ويبدأ ذلك بدعوة مَن تبقّى خارج اللجنة الدستورية لصياغة دستور يتناسب مع هدف بناء سوريا ديمقراطية جديدة تعدّدية.
القوى الدولية الفاعلة (روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا) هي المسؤولة عن خلق توافق يدفع النظام إلى الدعوة لمؤتمر وطني شامل، يضمّ جميع الأطياف السورية متّفقة على إعلان اللامركزية في إدارة سوريا.