الانسحاب الأمريكي بين الحقيقة والوهم

 

  • هل الولايات المتحدة جادة بالانسحاب من شمال وشرق سوريا بسبب التهديدات التركية.
  • لماذا تنسحب الولايات المتحدة من سوريا، وسوريا منطقة نفوذ روسية ومعادية للسّياسة الأمريكية.
  • ما مدى قدرة تركيا على شن هجوم على شمال وشرق سوريا.

أعلن أردوغان يوم السبت6/10/2019 أن بلاده ستنفذ عملية برية وجوية في شمال وشرق سوريا، قائلاً إنها “باتت قريبة إلى حد يمكن القول إنها ستحدث اليوم أو يوم غد”. ثم صرح ترامب يوم الاثنين 8/10/2019 قائلاً، إنه حان الوقت لإعادة الجنود الأمريكيين والخروج من هذه الحروب السخيفة التي لا نهاية لها والكثير منها قبلية. وبعد ساعات من إعلان الإدارة الأمريكية الانسحاب بدأت القوات الأمريكية في المنطقة بالانسحاب من نقاط مراقبة حدودية مع تركيا في منطقة تل أبيض شمال الرقة كما أخلت قاعدتها العسكرية في “تل أرقم” بمنطقة سري كانيه “رأس العين” شمال الحسكة بشكل كامل، تفاجئ العالم من القرار الأمريكي، ومحاولة إيران الدخول على الخط لإزالة التوتر بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية، خشية احتلال تركيا لمناطق جديدة مما قد يسمح بزيادة نفوذها في سوريا، وتصريح الإدارة الروسية بضرورة الحفاظ على وحدة التراب السوري وهي التي باعت عفرين لتركيا، وقيام بعض الأطراف لإشعال فتيل الحرب بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش التركي. يأتي الرد الأمريكي القوي بتعهد دونالد ترامب، بـ “تدمير وتحطيم اقتصاد تركيا في حال إقدامها على أي خطوة خارج الحدود في سوريا”، كما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) 8/10/2019 أن مركز العمليات الجوية المشتركة، أخرج تركيا من ترتيب المهام الجوية في سوريا. لذا فإن إعلان ترامب الانسحاب من سوريا مجرد تصريح من أجل إرسال رسائل تهديد حقيقية لتركيا في حال شنت الأخيرة عملية متهورة على شمال وشرق سوريا ومن دون موافقة أمريكية، فالسياسة الأمريكية تقوم على ضبط السياسة التركية المتهورة تجاه شمال وشرق سوريا والضغط على الدول الأوروبية لتحمل مسؤولياتها في المنطقة وتحمل مع دول الخليجية تكاليف نفقات قيام الولايات المتحدة بمحاربة تنظيم داعش الإرهابي وبقاء قواتها في شمال وشرق سوريا. لذا فإنه من غير المنطقي قيام الولايات المتحدة بسحب قواتها من شمال وشرق سوريا وتقديم المنطقة على طبق من ذهب لروسيا والتي بدأت تظهر كقطب جديد على الساحة الدولية، فقاعدتها “أنجرليك” تقع في تركيا التي باتت أقرب إلى روسيا منها، بل باتت تشكل خطراً على سياستها في المنطقة وتقابل قاعدة أنجرليك قاعدة حميميم الجوية الروسية المدعومة بمختلف الطائرات الحربية المتطورة وأنظمة الدفاع الجوي المتطورة “إس400” بالإضافة إلى تواجد إيران في المنطقة، مما يشكل تهديداً على مناطق نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الوسط، كما أن الدولة السورية بنظامها السياسي دولة حليفة لروسيا ومعادية للسياسة الأمريكية في المنطقة وحليفة إيران عدوة إسرائيل، كل ذلك ستجعل الولايات المتحدة أكثر تمسكاً بمناطق نفوذها، بالإضافة إن الانسحاب الأمريكي من المنطقة سيؤدي إلى زعزعة مكانة أمريكا السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط وفقدان ثقة حلفائها بها. كما أن إعلان تركيا بانتهاء الاستعدادات العسكرية على الحدود الجنوبية وإعلان أردوغان أن بلاده لم يعد بمقدورها الانتظار “ولو ليوم واحد”، وعن شن عملية عسكرية على شمال وشرق سوريا براً وجواً سيبدأ  “اليوم أو غداً”، كما أعلن في 7/10/2019 أن القوات الأمريكية بدأت الانسحاب من مناطق في شمال شرق سوريا بعد مكالمته الهاتفية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالرغم من تلك التصريحات إلا أن أردوغان لا يمكنه التقدم ولو خطوة واحدة في شمال وشرق سوريا ما لم يأخذ الضوء الأخضر من الولايات المتحدة، لأنها ستكون عملية انتحارية لأردوغان ضارباً بعرض الحائط علاقاتها مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، كما أن دخول تركيا إلى عفرين واحتلالها لعفرين جاء بعد أخذ الضوء الأخضر الروسي وإلا فإن تركيا لم تكن لديها الجرأة على القيام بذلك وتضع نفسها في مواجهة روسيا، فكيف بها مواجهة الولايات المتحدة من دون الحصول على موافقتها.

                                                                                                                               

زر الذهاب إلى الأعلى