أوكرانيا – روسيا وصراع النفوذ

تتأزم العلاقات بين روسيا وحلف الناتو في الكثير من الملفات سواء في ملف التجسس أو التدخل في الانتخابات وسحب السفراء وتقليص حجم البعثات الدبلوماسية, بالإضافة إلى مسألة شبه جزيرة القرم والسيطرة الروسية عليها ، مما أدى إلى توقف التواصل بين الجانبين “موسكو وحلف الناتو” بشكل كبير وحدوث جمود في العلاقات خاصة على مستوى التعاون الثنائي، وفقا لما أشار إليه جامي شيا، المسؤول السابق في حلف الناتو.

وقد تفاقمت هذه الأزمة مع قيام روسيا بحشد قرابة مئة ألف جندي على حدودها مع أوكرانيا، حيث تعتبر الأزمة الأوكرانية من أكثر الملفات تأزماً بين روسيا وأوكرانيا التي يدعمها حلف الناتو، فقد أعلن وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف إن موسكو حشدت أكثر من 94 ألف جندي بالقرب من الحدود ومستعدون للرد. إن حشد روسيا لقواتها على الحدود الأوكرانية وذلك وفق الرؤية الروسية على أنها قادرة في التأثير على الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو مستغلة انتصارها في سلخ شبه جزيرة القرم من أوكرانيا وضمها للأراضي الروسية وعدم وجود رد واضح وقوي من حلف الناتو والاتحاد الأوروبي الذي اكتفى بفرض بعض العقوبات الاقتصادية عليها وعدم الاعتراف بضم شبه جزيرة القرم “رغم قيام روسيا بإجراء استفتاء فيها”، إلى جانب وجود بعض الخلافات بين أعضاء حلف الناتو “نتاج سياسة ترامب” كمطالبة الولايات المتحدة الدول الأوروبية المنضوية في الحلف بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي- ورغبة الولايات المتحدة بتخفيض عدد قواتها في ألمانيا والتي انتهت بإعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن تعليق أي عملية انسحاب مزمعة للقوات الأمريكية من ألمانيا- وصفقة S400 بين تركيا وروسيا، والخلافات الأمريكية مع ألمانيا بما يتعلق بالسيل الشمالي نورد ستريم2 وغيرها من الملفات العالقة. كما أن لروسيا مطامع في أوكرانيا فهي تحاول السيطرة على أجزاء من أوكرانيا وخاصة “منطقة دونباس” مثلما فعلت في شبه جزيرة القرم، أو على الأقل حماية الموالين لها في دونباس. هذا إلى جانب مخاوف روسيا التي تتعلق بأمنها القومي، من تمدد حلف الناتو بالقرب من أراضيها ورغبة أوكرانيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، والأخيرة تساعدها في تعزيز قدراتها العسكرية وتزودها بأنظمة قتالية حديثة، علاوة على تدريبات لحلف الناتو بالقرب من الحدود الروسية، وقيام تركيا بإمداد كييف بالطائرات المسيرة حيث تستخدمها ضد المعارضة المدعومة من روسيا في شرق أوكرانيا، واتهام موسكو لكييف بعدم تنفيذ اتفاقية مينسك التي تنص على وقف الحرب في دونباس.

وفي خضم هذا المشهد ظهرت تصريحات غير مسبوقة لم يشهدها العالم منذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي. فقد حذر الأمين العام لحلف الناتو من تداعيات التهديدات والحشود العسكري الروسي والثمن الذي ستدفعه روسيا إذا لجأت إلى القوة ضد أوكرانيا. كما حصلت صحيفة واشنطن بوست على تأكيدات من مسؤولين أمريكيين بأن الكرملين يعمل على شن هجوم متعدد الجبهات على أوكرانيا في أقرب وقت، وسيشارك ما يقارب من 175 ألف جندي في هذا الهجوم. وبالمقابل قال وزير الدفاع الروسي إن القاذفات الأمريكية تدربت على توجيه ضربة نووية على روسيا من اتجاهين مختلفين. كل ذلك يأتي في إطار تصعيد الموقف والوصول إلى حافة الهاوية، بين أوكرانيا وروسيا.

ومن خلال هذه الرؤية، فإن التعاطي مع التحدي الروسي يتطلب من حلف الناتو تحديد الأولويات، لأن أوروبا هيَّ المسرح الرئيسي للمواجهة بين الشرق والغرب، وتشكل تحدياً أقل خطورة لمصالح الولايات المتحدة. لذلك فأوروبا لا ترغب بنشوب أي حرب في وقت تتجه فيه معظم الدول الأوروبية إلى تحسين اقتصاداتها والخروج من أزمة كوفيد19 التي أثرت على اقتصادها بشكل كبير.

وفي هذا السياق فإن سيناريوهات الأزمة الأوكرانية ستتجه نحو:

  • حدوث تصعيد وتوتر في محاولة من كلا الطرفين التأثير على الآخر، فالتعقيدات الموجودة وتشابك الملفات الخلافية والصراعات السابقة، تؤثر على المشهد الحالي، لذلك احتمالية حدوث حرب واسعة على الجغرافية الأوكرانية غير واردة، ولكن من المحتمل أن تحدث استفزازات عسكرية، بالإضافة إلى تفعيل كل طرف (الفواعل المحلية) المضادة للطرف الآخر “دونباس، القوقاز”… وفي هذا الصدد تشكل تركيا إحدى أوراق الضغط القوية بيد أوروبا فهي تضمن عدم مهاجمة المجاهدين القوقاز لروسيا وأبرمت عقود تجارية ضخمة مع روسيا، كما وتشكل ضمانة للاستقرار في مناطق النفوذ الروسي.
  • حدوث مفاوضات بين موسكو والغرب لإنهاء الأزمة، كتطبيق كييف لاتفاقية مينسك، والتوقف عن دعم كييف بالسلاح، وإبعاد حلف الناتو عن حدودها، مقابل الانسحاب الروسي، وفي هذا الطرح فقد رفض بايدن أي خطوط حمراء روسية لإنهاء الأزمة.

ومن خلال هذه النظرة تتباين الأهداف بين كِلا الطرفين فروسيا تحاول حماية أمنها القومي وإبعاد الحلف عن حدودها الغربية والسيطرة على المناطق المؤيدة لها وضمها إليها أو الحفاظ على مؤيديها في الدول المجاورة لها “أوكرانيا”، ولا تريد الخوض في حرب مفتوحة تؤثر عليها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وبالمقابل يخشى الحلف والاتحاد الأوروبي من التمدد الروسي والسيطرة على أجزاء من أوروبا الشرقية على غرار شبه جزيرة القرم، بينما ترغب في استدراجها إلى المستنقع الأوكراني. لذا فإن الأزمة الأوكرانية قد تستمر خلال المرحلة المقبلة وقد تتفاقم ما لم يتم الجلوس إلى طاولة المفاوضات والوصول إلى حلول تنهي حالة التوتر بين الطرفين.

زر الذهاب إلى الأعلى