مع دخول الأزمة السورية عامها الرابع عشر كيف تنظر الأطراف الداخلية والخارجية للأزمة السورية

في إحاطته أمام جلسة لمجلس الأمن بشأن الوضع في سوريا عبّر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا “غير بيدرسون” عن قلقه العميق إزاء الوضع على الأرض في سوريا والأثر المدمّر الذي يخلّفه على المدنيين، منبّها إلى أنّ الوضع يسوء هناك وفقا لجميع المؤشّرات، وأنّ الوضع الراهن غير مستدام ولا يمكن السيطرة عليه.

فمع اقتراب السنة الرابعة عشر من عمر الأزمة السورية، ومحاولات جميع الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية لإيجاد حلّ للأزمة السورية، وعلى الرغم من وجود قرار دولي 2254 يتعلّق بحلّ الأزمة السورية، إلّا أنّ جميعها قد باءت بالفشل، هذا الفشل لم يأتِ من فراغ؛ حيث يرتبط بأسباب عديدة تتعلّق باختلاف الرؤى الدولية والإقليمية والمحلية، والمرتبطة بمصالح وأهداف وأطماع الدول المشاركة في الأزمة السورية.

فكلّ دولة من هذه الدول “الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران” لديها تصوّر خاص بها، ومرتبط بمصالحها واستراتيجيتها وأطماعها في سوريا لحلّ الأزمة السورية، وهو ما جعل الأزمة السورية من أعقد الأزمات في العالم والعصية على الحل حتى الآن، وهو ما حوّل الأزمة السورية من أزمة داخلية إلى أزمة دولية برزت فيها الحسابات الجيوسياسية والمصالح الاستراتيجية.

الأهمية الجيوسياسية لسوريا

تشكّل سوريا بموقعها الاستراتيجي أهمية كبيرة لدى الدول العظمى والدول الإقليمية، فهي تتوسّط قارات العالم (آسيا وأوروبا وأفريقيا )، وتُعتبَر بوّابة غرب آسيا على البحر المتوسط، وصلة الوصل بين شبه الجزيرة العربية وأوروبا، وتمرّ عبرها أقصر الطرق التجارية، إلى جانب غناها بالثروات الباطنية وغيرها، وهو ما جعلها عرضة للتدخّلات الخارجية، خاصة في ظلّ غياب استراتيجية واضحة في السياسة الخارجية السورية، وعدم تحقيق توازن في علاقاتها الدولية بين القوى الإقليمية في المنطقة وبين النظام الدولي، وبالأخص القوى العظمى، في وقت بات العالم يشهد تحرّكات وتغيّرات سياسية واقتصادية وعسكرية سريعة تتخبّط فيها الدول ولا تعلم كيف تواكب هذه المتغيّرات، وتحاول أن تكون بمنأىً عنها “ومن أبرز هذه المتغيّرات احتلال أفغانستان عام 2001 وسقوط نظام صدام حسين عام 2003، وما يسمّى بالربيع العربي وسقوط حكومات عربية، إلى جانب ظهور مشاريع وتكتّلات اقتصادية دولية، وأهداف بعض الدول لإعادة أمجادها السابقة، مثل روسيا كدولة عظمى وشريكة في النظام العالمي، وتركيا التي تسعى إلى إحياء الميثاق الملّي، والصين التي تريد التمدّد والسيطرة على العالم اقتصادياً من خلال مشروعها الضخم (مبادرة الحزام والطريق). تجعل من الدول المحيطة أو المعنية -وفي ظلّ غياب استراتيجية واضحة ومتّزنة- لقمة سائغة وفريسة لأطماع ومصالح الدول الكبرى.

لذا فإنّ السؤال الذي يتبادر للأذهان هو: لماذا فشلت الدول الإقليمية والدولية في إيجاد حلّ للأزمة السورية حتى الآن؟ ولماذا تريد بعض الدول إبقاء سوريا على ما هيَّ عليه اليوم؟

الأطماع الدولية والإقليمية في سوريا

لا بدّ من التطرّق أولاً إلى الدول التي لها علاقات قوية مع سوريا، والتي تصف تواجدها العسكري في سوريا  اليوم بأنّه شرعي وبطلب من النظام، وهذا لا يعني أنّ وجودها في خدمة سوريا والشعب السوري، بل يعني أنّ لديها أطماعاً واستراتيجية واضحة تجعلها متمسّكة بالشكل الحالي للأزمة السورية، وترفض الحلول التي قد تؤثّر على مصالحها في سوريا على حساب وأطماع دول أخرى.

روسيا

لروسيا علاقات تاريخية قوية مع سوريا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ومجيء فلاديمير بوتين عمل على إعادة بناء روسيا من جديد وإعادة مكانتها على الساحة الدولية، والتوجّه من جديد إلى منطقة الشرق الأوسط، وإقامة علاقات جديدة مع دول المنطقة ومن بينها سوريا بما يخدم تطلّعاتها ورؤيتها المستقبلية كقطب ثانٍ، خاصة بعد خسارتها لبعض الدول المؤيّدة لها كالعراق وليبيا.

ومع بداية الأحداث في سوريا وظهور بوادر أزمة نتيجة تحوّل الاحتجاجات إلى صراع مسلّح؛ حيث استغلّ بوتين الأزمة السورية بشكلٍ غير مباشر ولم يمارس الضغوط على النظام السوري لاحتواء الأزمة، وبقي يراقب الأزمة من بعيد مع تقديم الدعم المالي للنظام على الرغم من سيطرة الجماعات والتنظيمات الإرهابية على مساحات واسعة، ولم يتدخّل عسكرياً حتى عام 2015 عندما بات النظام على وشك السقوط، هذا التدخّل جاء فقط لفرض إملاءاته على النظام السوري والسيطرة على سوريا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً؛ حيث استطاع بوتين الحصول على امتيازات غير مسبوقة في تاريخ سوريا، حتى أنّها تجاوزت صلاحيات رئيس الجمهورية، ومكّنته من تحييد سوريا فيما يتعلّق بالمشاريع الاقتصادية الغربية الرامية لنقل الغاز الشرق أوسطي عبر سوريا إلى أوروبا والتي كانت تهدّد أمنها القومي كأكبر مصدّر للغاز إلى أوروبا، إلى جانب غنى سوريا بالغاز وحاجة الغرب إلى مصادر جديدة تخرجها من تبعيّتها للغاز الروسي.

أمّا عسكرياً فقد نجح بوتين في جعل سوريا قاعدة عسكرية متقدّمة، من خلال بناء قاعدة حميميم الجوية، وتوسيع قاعدة طرطوس البحرية لمواجهة حلف الناتو الذي بدأ بالتغلغل في دول أوروبا الشرقية التي كانت فيما مضى جزءاً من الاتحاد السوفيتي؛ وبالتالي استطاع بوتين منع الغرب من تطويق روسيا عسكرياً. فبوتين يدرك مدى أهمية سوريا وإطلالتها على البحر المتوسط “المياه الدافئة” لتحويل روسيا إلى دولة عظمى، خاصة أنّ سوريا تشكّل بوّابة الولوج إلى دول الخليج العربي وشمال أفريقيا.

إيران

تتمتّع إيران أيضاً على غرار روسيا بعلاقات تاريخية قوية مع سوريا، وقد ازدادت هذه العلاقة مع وصول بشار الأسد إلى سدّة الحكم، حيث أصبحت سوريا شبه خاضعة للنظام الإيراني، ومع انطلاقة الأزمة السورية تدخّلت إيران عسكريا عن طريق ميليشياتها إلى جانب النظام، ووضعت كلّ ثقلها للحفاظ على النظام السوري، ومقابل هذا الدعم حصلت إيران على امتيازات ثقافية واقتصادية وعسكرية على غرار الامتيازات الروسية في سوريا، وجعلت النظام السوري خاضعاً أيضاً للقرار السياسي الإيراني؛ فإيران تسعى لأن تكون دولة إقليمية مهيمنة خاصة بعد سقوط النظام العراقي 2003 وزيادة نفوذها في العراق، وسيطرة حزب الله على لبنان.

فإيران لديها أطماع قديمة، وهذه الأطماع ظهرت بشكل واضح بعد الغزو الأمريكي للعراق وسقوط صدام حسين، ومع بدايات الأزمة أو ما يسمّى بالربيع العربي بدأت إيران بمدّ أذرعها في البلاد العربية المتأزّمة، وتنفيذ مشروعها الشيعي الذي يهدف إلى ربط طهران بالبحر المتوسط عن طريق بغداد ودمشق وبيروت؛ لذا ترغب إيران باستمرار الأزمة السورية لاستكمال مشروعها الشيعي، ولا تسعى إلى حلّ الأزمة السورية كونها ترى في النظام السوري الضامن الحقيقي في تحقيق مشروعها التوسّعي.

وفي الجهة المقابلة لها يظهر المشروع العثماني والمنافس لها في السيطرة على المنطقة العربية.

دولة الاحتلال التركي

على الرغم من وجود حدود مشتركة بين تركيا وسوريا ووجود علاقات طيبة بينهما، إلّا أنّ تركيا لم تتوانَ عن تأزيم الأزمة السورية وتحويل الاحتجاجات إلى صراع مسلّح ودعم الجماعات والفصائل والتنظيمات الإرهابية لإسقاط النظام وتحويل سوريا إلى مستعمرة عثمانية، وذلك من خلال تمكين تنظيم الإخوان في الحكم، إلّا أنّ التدخّل العسكري الروسي المباشر والوجود العسكري الإيراني قد حال دون وصول تركيا إلى أهدافها، وبدأت معها الأهداف التركية الكبيرة بالتقلّص، وانحصرت في الشمال السوري وتوجّهت صوب مناطق الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية التي كانت تلحق الهزائم بتنظيمها الإرهابي “داعش” وتحرّر المناطق من براثن الإرهاب.

فتركيا ترى في سوريا -على حد زعمها- جزءًا من سلطنتها العثمانية، وترى أيضًا في الشمال السوري -بما فيها حلب- جزءًا من أراضيها ضمن ما يسمّى بالميثاق الملّي، فهي على غرار إيران تحاول أن تكون دولة إقليمية مهيمنة، ومن خلال سيطرتها على الشمال السوري إلى جانب سيطرتها على باشور كردستان تستطيع مدّ نفوذها على بقية المناطق وعلى العواصم العربية المجاورة لها؛ وبالتالي فإنّ الجغرافيا السورية باتت أمام مشروعَين متناقضَين: العثماني والشيعي من جهة، ومصالح وأطماع الدول العظمى من جهة أخرى؛ لذا فإنّ استمرار الأزمة السورية سيخدم مشروعها العثماني في سوريا، وبالتالي لن تسمح بحلّ الأزمة السورية طالما أنّ الحلّ سيقوّض مشروعها الاستعماري.

الولايات المتحدة الأمريكية

لم تكن سوريا ضمن أولويات الولايات المتحدة واستراتيجيتها في الشرق الأوسط، إلّا أنّ تبعية أوروبا لروسيا بملف الغاز، ومحاولات روسيا للعودة كقطب ثانٍ، كون  سوريا تشكّل بوّابة روسيا نحو منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونظراً لأهمية سوريا كمعبر لنقل الغاز من منطقة الخليج إلى أوروبا، وامتلاكها احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي في البحر المتوسط وعلى أراضيها، ورفض النظام السوري للمشروع القطري المدعوم بشكل كبير من الولايات المتحدة لنقل الغاز القطري عبر الأراضي السورية إلى أوروبا، والذي كان يهدف لإنهاء الهيمنة الروسية على أوروبا، فقد أدّى إلى فشل المشروع نتيجة العلاقات الوثيقة التي تربط النظام السوري بروسيا وإيران التي كان لها مشروعها الخاص “خط الغاز الإسلامي الإيراني”؛ فحصول روسيا على حقّ تنقيب الغاز في شرقي المتوسط “على السواحل السورية” واستئجار ميناء طرطوس لمدة طويلة 49 عاماً جاء للوقوف في وجه المشاريع الغربية في تنويع مصادرها من الطاقة. كلّ ذلك قد جعل الولايات المتحدة متمسّكة بوجودها العسكري في سوريا،  كما أنّ الوجود العسكري الأمريكي جاء لمحاربة التنظيمات الإرهابية التي باتت سوريا وكراً لها، أيضاً للوقوف في وجه التمدّد الإيراني وعدم السماح لها بربط طهران بالبحر المتوسط وحتى الوقوف في وجه التمدّد العثماني وإن كانت تركيا حليفتها في الناتو؛ فتنامي العلاقة التركية الروسية والتنسيق الكبير بينهما في الأزمة السورية، ورفض البرلمان التركي استخدام الولايات المتحدة للأراضي التركية لضرب نظام صدام حسين، قد جعل من تركيا حليفاً غير موثوق به، إلّا أنّ تشابك المصالح وظهور بوادر أزمة دولية تجاه سياسة القطب الواحد جعلت من الولايات المتحدة تغضّ النظر عن السياسة العدائية التركية في الشمال السوري، وبالأخص مناطق الإدارة الذاتية، وأن تمنح الضوء الأخضر لتركيا لاحتلال عفرين ومنطقتَي كري سبي وسري كانيه.

إنّ اختلاف الأهداف والمشاريع الإقليمية والدولية، وخاصة الدول المنخرطة في الأزمة السورية، قد جعل من الأزمة السورية عصية على الحلّ، فلكلّ دولة أطماع في الجغرافية السورية، وترفض أي حلول قد تؤثّر على مكتسباتها التي استحصلتها في سوريا، أو أنّها تسعى لتقديم بعض التنازلات مقابل تضييق الخناق أو إنهاء أطراف أخرى تشكّل تهديداً على مصالحها في المنطقة، دون السعي وراء إيجاد الحلول لأنهاء الأزمة السورية.

فهذه الدول، وبالأخصّ دولة الاحتلال التركي وإيران، ترغب في إبقاء الوضع كما هو عليه، بل على العكس من ذلك تريد تأزيم الوضع أكثر من ذلك في سبيل الحفاظ على مكتسباتها وتحقيق أطماعها في سوريا، كتركيا التي ما تزال تطمع باحتلال مناطق جديدة في الشمال السوري، وتسعى للحصول على الضوء الأخضر لاستكمال مشروعها العثماني في سوريا.

أسباب غياب بوادر الحلّ في سوريا

1- دوغمائية النظام الذي يرفض أي مبادرة وطنية لا ترضخ للنظام، وخارجة عن النظام المركزي، وتؤثّر على سياسة الحزب الواحد.

2- فقدان النظام للقرار السياسي الذي يمكّنه من إيجاد الحلول أو قبول المبادرات سواء الداخلية أو العربية لحل الأزمة السورية؛ نتيجة تحكّم كلّ من روسيا وإيران بالقرار السياسي السوري.

3- عدم قيام روسيا بدور الضامن الحقيقي في الحوارات التي كانت تجري بين النظام ومسد، وعدم ممارسة الضغوط على النظام لإنجاح الحوار بين الطرفين.

4- تضارب المصالح بين روسيا والولايات المتحدة جعلت الأزمة السورية بعيدة عن الحل.

5- اختلاف الرؤى في شكل الحكم في سوريا.

6- الوجود العسكري الأجنبي على الأراضي السورية، بغضّ النظر عن تواجدها المشروع وغير المشروع.

7-  تضارب المشروعَين التركي والإيراني في سوريا.

8- ارتباط ما يسمّى بالائتلاف السوري بالأجندة التركية، وابتعاده عن المبادئ الوطنية والحلول الوطنية.

حلول الأزمة السورية

مع مرور السنة الرابعة عشر على الأزمة السورية، وعلى الرغم من جميع المحاولات التي كانت تظهر بأنّها تعمل على حلّ الأزمة السورية، كمؤتمرات آستانا التي تجاوزت واحدًا وعشرين مؤتمراً، ولقاءات اللجنة الدستورية وقمم سوتشي والمبادرات العربية جميعها باءت بالفشل، وحتى القرار الأممي 2254 بقي حبرًا على ورق، حتى المبادرات الداخلية لم تلقَ الدعم على الرغم من اعتمادها المبدأ الوطني وتحافظ على وحدة الأراضي السورية؛ إلّا أنّ هذا لم يمنع من ظهور اتجاهَين واضحَين لحلّ الأزمة السورية، أو يمكن القول بأنّ جميع الأطراف منقسمة بين محورَين على الرغم من صعوبة إيجاد توافق إقليمي ودولي تجاه هذين الاتجاهَين أو المحورَين.

الاتجاه الأول- حلّ الأزمة السورية في إطار نظام لامركزي:

وأنصار هذا الاتجاه هم الإدارة الذاتية بمشروعها الديمقراطي ومبادرتها لحلّ الأزمة السورية، وأيضاً الولايات المتحدة الأمريكية وحتى بعض الدول الأوروبية إلى جانب وجود قاعدة واسعة في الشمال والجنوب السوري، باستثناء الفصائل العسكرية المرتبطة بالأجندة التركية.

يؤمن أنصار هذا الاتجاه بأنّ النظام اللامركزي سيضمن الحقوق الثقافية والاقتصادية لشعوب المنطقة، وينهي هيمنة الحزب الواحد، ويحوّل سوريا إلى بلد ديمقراطي تتمتّع فيه جميع القوميات والطوائف بحقوقها بحرية تامة ضمن جغرافية سوريا موحدة؛ فالديمقراطية كما تراها الإدارة الذاتية كطرف داخلي وبمنظور المفكّر عبد الله أوجلان “قادرة على مشاطرة المساحة مع الدولة، وعلى تحجيم الدولة لصالح توسيع مساحة حرية المجتمع، وبإمكانها أيضاً التقليل من قيم الدولة وتقريبها أكثر من المساواة؛ وبالتالي يمكن القول بأنّها حالة إدارة المجتمع الخارج عن إطار الدولة لنفسه بنفسه؛ أي أنّ الديمقراطية هي شكل الإدارة التي ليست بدولة، وهي قوة المجتمعات والمجموعات في إدارة نفسها بنفسها من دون دولة.”

كما أنّ الولايات المتحدة وحتى الغرب، وإن خالفت رؤية الإدارة الذاتية، ترى في سوريا لامركزية حماية لأمنها القومي، وتحدّ من التمدّد الروسي والصيني في الشرق الأوسط؛ فهي ترى أنّ الدول القومية قد انتهت صلاحيتها ولا جدوى من ترميمها، كونها استنفذت مدّتها وباتت تشكّل تهديداً على أمنها القومي “كون هذه الدول القومية تم إنشاؤها من قبل الغرب وفق مقتضيات تلك المرحلة” وبات من الضروري إيجاد بديل لها، حيث بدأت بالعراق وتتّجه كلّ من ليبيا واليمن وسوريا نحو هذا الاتجاه “نظام لامركزي”.

الاتجاه الثاني- حلّ الأزمة السورية ضمن إطار نظام مركزي:

وأنصار هذا الاتجاه هم روسيا وإيران وتركيا وبعض الدول العربية المعنية بالأزمة السورية، والتي ترغب في الحفاظ على شكل النظام وترفص أيّ شكل آخر. هذه الدول ترفض الديمقراطية الناشئة في قلب الشرق الأوسط وترى فيها تهديداً لأنظمتها الحاكمة “تركيا وإيران وروسيا” وترفض شكل النظام اللامركزي، وتحبّذ بقاء الأنظمة المركزية وتدعمها حتى وإن كانت في حالة صراع معها، كما هو الحال بين تركيا والنظام السوري، فتركيا وأمام توسّع المشروع الديمقراطي الذي تنادي به الإدارة الذاتية داخلياً في أوساط القاعدة الشعبية وخارجياً، حيث أنّ هناك العديد من الدول بدأت تؤمن بالإدارة الذاتية وبمشروعها كحلّ مُستدام للأزمة السورية، وصمود الإدارة الذاتية أمام الهجمات العدوانية التي تشنّها “دولة الاحتلال التركي” على البنى التحتية، وتستهدف المدنيين والعسكريين على حدّ سواء، كلّ ذلك جعل تركيا تتوجّه نحو النظام من أجل التطبيع؛ وذلك بهدف محاربة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، فتركيا تخشى من تحوّل المناطق الجنوبية من سوريا “السويداء ودرعا” إلى إدارات ذاتية شبيهة بالإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا، حتى أنّ الشمال السوري المحتل بدأ يؤمن “القاعدة الشعبية” بضرورة بناء إدارة ذاتية في مناطقه، وإنهاء حكم الفصائل الإرهابية المرتبطة بدولة الاحتلال التركي والتي تسيطر وتتحكّم بمقدّرات المنطقة. فتركيا مستعدّة لتسليم المنطقة للنظام، لكن بشرط الحفاظ على تواجدها العسكري والتطبيع معها، وشريطة محاربة الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا، أمّا إيران وروسيا وعلى الرغم من رفضهما فكرة إنشاء نظام لامركزي في سوريا، إلّا أنّها لا ترى في الإدارة الذاتية خطرًا يهدّد وحدة الأراضي السورية.

مستقبل الأزمة السورية

تصريحات المبعوث الخاص للأمم المتحدة “غير بيدرسون” لم يأتِ بشيء جديد، حتى أنّه لم يلعب الدور المناط به في حلحلة الأمور وتقريب وجهات النظر بين الأطراف الداخلية.

كما أنّ الدول المنخرطة في الأزمة السورية لا تعمل على حلّ الأزمة السورية، فمؤتمرات آستانا وقمم سوتشي واجتماعات اللجنة الدستورية كلّها تصبّ في إطار الحفاظ على مصالح تلك الدول والإضرار بمصالح الأطراف الأخرى، ولا تهدف إلى إيجاد حلّ للأزمة السورية.

كما أنّ المجتمع الدولي عاجز تماماً عن لعب دور أكبر في الأزمة السورية على الرغم من وجود قرار دولي 2254 لحلّها، كما أنّه غير قادر على ممارسة الضغوط على النظام أو على تركيا وإيران، بل جعلت الكرة “حلّ الأزمة السورية” في يد هذه الدول؛ لذا وفي حال بقاء الأمر على ما هو عليه، وعدم وجود رادع دولي تجاه تصرّفات هذه الدول، فإنّ الأزمة السورية متّجهة نحو أزمة أكبر ممّا هي عليه اليوم، طالما بقيت هذه الدول لا تهتم إلّا بمصالحها، حتى أنّ هذه الأزمة ستلقي بظلالها بشكل أكبر على الدول المجاورة؛ لذا يتحتّم على المجتمع الدولي، وبالأخص الولايات المتحدة وروسيا والدول الأوروبية والدول العربية، أن تمارس الضغوط على كلٍّ من تركيا وإيران للانسحاب من سوريا، والضغط على النظام لفتح باب الحوار مع الأطراف الداخلية، للوصول إلى الشكل النهائي لنظام الحكم في سوريا المستقبلية.

وفي هذا السياق تبقى الأزمة السورية مرهونة بالأزمات والمصالح الدولية والإقليمية، وبالنظام السوري الذي ما يزال يحلم بعودة سوريا إلى ما قبل 2011 ووضع يده على كامل الأراضي السورية؛ بمعنى عودة القبضة الأمنية، وتجاهل حقوق الشعب السوري في الحرية والمساواة وإنشاء نظام ديمقراطي في سوريا، ويبقى الأمل الوحيد في سوريا أن تقوم الأطراف الوطنية الداخلية بالتمسّك بالإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا وبمشروعها الديمقراطي نحو سوريا ديمقراطية مستقبلية، والصمود تجاه المؤامرات الدولية والإقليمية وتجاه العدوان التركي الذي يستهدف سوريا أرضاً وشعباً.

زر الذهاب إلى الأعلى