السيسي وأردوغان، أولوية المصالح وتبدّل المواقف والتغييرات القادمة
استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بحفاوة بالغة، متجاوزاً بروتوكولات القصر الجمهوري؛ حيث استقبله أردوغان في المطار وكذلك الأمر أثناء المغادرة؛ ليترك أثراً إيجابياً في نفس الضيف، وهذا يدلّ على أهمية الملفات العالقة بين الدولتَين الإقليميتَين، خاصةً أنّ الطرفَين يدركان أنّ المنطقة مقبِلة على تغيّرات إقليمية هامّة، بعد حرب غزة والصراع الإسرائيلي – الإيراني، والتهدئة أو الاتفاق القادم بين حماس وإسرائيل برعاية أمريكية، والحرب الروسية الأوكرانية وتقدّم القوات الأوكرانية في إقليم كورسك الروسي.
نبذة عن علاقات الجانبين تاريخياً:
بدأت العلاقة بين الدولتَين عندما قام السلطان سليم باحتلال بلاد الشام 1516م بعد معركة (مرج دابق) وخضعت بلاد الشام للحكم العثماني، ثم توجّه السلطان سليم إلى مصر واحتلّها عام 1517م بعد معركة (الريدانية) وقضى على حكم المماليك في بلاد الشام ثم مصر؛ وبذلك باتت مصر تابعة للدولة العثمانية، خلال فترة قوّة وتوسّع الدولة العثمانية، كما انتقلت الخلافة الإسلامية إليها وحملت لواء الدين الإسلامي السنّي، في مواجهة المذهب الديني الإسلامي الشيعي الصفوي في إيران، حيث كان الشرق الأوسط ميدان التنافس بين الدولتَين آنذاك، وظلّت مصر تابعة للدولة العثمانية حتى القرن التاسع عشر بعد أن تولّى الحكم فيها محمد علي باشا بعد 1805م، وأسّس دولة مصر الحديثة التابعة – اسمياً – للدولة العثمانية، وتحوّلت مصر إلى دولة إقليمية قوية يُحسَب لها ألف حساب، وتقدِّم خدمات جليلة للدولة العثمانية مقابل توسّع في نفوذها الذي كان يتعارض أحياناً مع نفوذ السلطان العثماني نفسه، فيدخل الجانبان في صراع وحرب تميل الكفّة فيها صالح مصر ومحمد علي باشا، إلّا إذا تدخّلت الدول الأوربية لصالح السلطان العثماني، ومن الخدمات التي قدّمتها مصر للدولة العثمانية القضاء على الدولة السعودية الأولى والثانية؛ لأنّ الحركة الوهابية فيها قطعت طريق الحُجّاج إلى الحجاز، و كانت حماية الطريق مسؤولية الدولة العثمانية، فقاد طوسون (نجل محمد علي باشا) حملة إلى السعودية قُتِل فيها، وقاد محمد علي نفسه حملة إلى الحجاز لم تأتِ بثمارها، إلى أن جاء ابنه القائد إبراهيم باشا وقضى على الدولة السعودية آنذاك؛ بمعنى أنّ مصر كانت دولة إقليمية قوية ضاربة تلجأ إليها الدولة العثمانية في الملمّات، خاصة أثناء قيام الثورة اليونانية 1821م ومحاولة مصر القضاء عليها لولا تدخّل الدول الأوربية، كما توسّع محمد على باشا في السودان ومدّ نفوذه إلى منابع النيل، وتوسّع في بلاد الشام وضمّها إلى دولته في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن بقيادة ابنه إبراهيم باشا، وعندما رفض السلطان العثماني هذا التوسّع والنفوذ واستعدّ لمحاربة مصر، تقدّم الجيش المصري إلى مدينة نصيبين وهزم الجيش العثماني، ثم انتصر إبراهيم باشا على الجيش العثماني في معركة (نزب) وصار الطريق إلى إسطنبول مفتوحًا أمام محمد علي باشا وابنه إبراهيم باشا لولا تدخّل الدول الاوربية مرة أخرى ضدّ مصر؛ بسبب خوفها من قيام دولة مصرية قوية تقضي على نفوذها في المضائق والممرّات المائية، خاصة بريطانيا وفرنسا وروسيا ونمسا وغيرها، والتي فرضت معاهدة (كوتاهية) 1833م التي قلّمت أظافر الدولة المصرية في عهد السلطان محمود الثاني، وتوّج هذا التحجيم في معاهدة (لندن) 1840م من قبل الدول الاوربية المذكورة، حيث حدّدت حدود الدولة المصرية فقط في مصر، وجعلتها وراثية في أسرة محمد على باشا.
الزيارة المصرية وسبل حلّ الملفّات العالقة:
لن نتحدّث عن زيارة أردوغان إلى القاهرة، ولا عن اللقاءات المنصرمة بين الرئيسَين في مناسبات دولية خلال العامين المنصرمَين، ولا عن الدعوة التي تلقّاها السيسي واستجاب لها في زيارته إلى أنقرة قبل أسبوع والتي مثّلت انعطافًا هامًّا في علاقات الجانبَين، فالدولتان تتمتّعان بموقع استراتيجي هام ولهما نفوذ هام في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، وتتحكّمان في الممرّات المائية والطرق التجارية البحرية، وتشرفان على منابع النفط والطاقة في الشرق الأوسط، وتتشاركان في الثقافة الدينية والعادات والتقاليد.
لكنّ الدولتَين تختلفان في الأيديولوجيا السياسية والإدارية والعسكرية؛ فالجيش المصري يمثّل السلطة الفعلية، وهو الذي يهيمن على مؤسسات الدولة والمصانع العسكرية والاقتصادية؛ فالرئيس السيسي نفسه هو قائد الجيش وبرتبة “مشير”، وهو رئيس الدولة والسلطة التنفيذية والتشريعية بوكلاء تابعين للجيش أو ضباط متقاعدين وبلباس مدني، وحتى الذين يتولّون سلطة المحافظات هم إمّا ضباط سابقون أو متقاعدون، ولا يخفى أنّ الجيش المصري مناهض للإسلام السياسي وحركة الإخوان المسلمين التي تمكّنت من إيصال الشعبوي الإخواني (المدعو محمد مرسي) إلى السلطة، والذي أطاح به السيسي وأودعه السجن حتى مات، ما أثار نقمة أردوغان وسبّب القطيعة أكثر من عقد من الزمن بين مصر وتركيا، كما سبّب في دعم قطر للفصائل المرتزقة من تنظيم داعش وجبهة النصرة وتحرير الشام وفصائل الشرقية والسلطان مراد والجيش الوطني المدعوم من تركيا وجماعة الائتلاف وغيرها، الذين يتشابهون في عقيدتهم مع حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان، ودول مجلس التعاون الخليجي تساند مصر في تحالفها ضدّ الإخوان المسلمين (مثل المملكة العربية السعودية والإمارات وسلطنة عمان والبحرين والكويت، وهذا الاختلاف بين الدولتَين مع محوريهما قد ترك آثاره في ليبيا والسودان، وكذلك أثّر على قضايا التنمية والتعاون بين الجانبَين، وأثّر أيضًا في إبعاد تركيا من الانضمام إلى “منتدى الغاز في شرق المتوسط”، الذي تشكّل من الدول التالية: مصر واليونان وقبرص وإسرائيل، ما يعني أنّه كان اتّفاقاً غير مُعلَن ضدّ تركيا، ويعود ذلك إلى الطموحات غير المحدودة لتركيا في البحر المتوسط، من ترسيم الحدود البحرية بينها وبين جاراتها في المياه الإقليمية (مع اليونان وقبرص ومع مصر وليبيا)، ثم التخلّص من أزماتها المالية؛ عبر العثور على الغاز والنفط في مياه البحر الأبيض المتوسط، ولعلّ ملف غزة التي طال أمد الحرب فيها ودُمِّرت بُنيتها التحتية، يُعدّ من أهم الملفات العالقة بين الدولتَين (مصر وتركيا).
ملف غزة والتغيير المتوقّع:
من المعروف أنّ الحرب في غزة لازالت مستمرّة منذ عام تقريباً بين حماس وإسرائيل، ولايزال التوقّف أو التهدئة غائبَين؛ ويعود ذلك إلى تعنّت الجانبَين وتمسّك كلّ منهما بموقفه إزاء محور فيلادلفيا وتسليم الرهائن، ولاتزال المساعي مستمرّة لوقف الحرب عن طريق قطر والولايات المتحدة الامريكية، وكذلك مصر التي هي بدورها على خلاف مع إسرائيل حول محور فيلادلفيا، هذه الحرب تقف خلفها إيران وأذرعها المعروفة، من حزب الله والحوثي والنظام السوري والحشد الشعبي، للضغط على إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي؛ لتمرير الاتفاق النووي الإيراني ورفع العقوبات المالية والاقتصادية عن إيران وتحرير الأرصدة الإيرانية المجمّدة في البنوك الأمريكية والأوربية، تريد تركيا، كدولة إقليمية فاعلة، أن تلعب دوراً في هذا الملف، ولا تريد الخروج من هذه الحرب خالية الوِفاض، وهي التي تقدّم مساعدات لإسرائيل ولديها علاقة دبلوماسية معها، وفي الوقت عينه تقدّم المساعدات للفلسطينيين في غزة، وقد أشار أردوغان في خطابه عند استقبال السيسي إلى أنّ تركيا وحدها قدّمت ما نسبته 32% من المساعدات لحرب غزة. من المرجّح أنّ هناك تحوّلًا في الموقف التركي تجاه حماس، وهذا الموقف غير ثابت ويتغيّر من حين لآخر، وفق ما تقتضيه المصالح التركية؛ بدليل أنّ تركيا هي في ذات الوقت تنسّق مع روسيا وإيران والنظام السوري لتحقيق وتقوية اقتصادها وتجارتها عبر الطرق البرية مع سوريا والعراق وفي كل المشاريع التنموية القادمة حتى إلى مياه الخليج العربي وإيران؛ لذلك تتوافق مع مصر بضرورة وقف الحرب في غزة وإدخال المساعدات إليها، وترغب مع مصر بوضع حلّ نهائي للقضية الفلسطينية على أساس من “حل الدولتَين”؛ وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة وعاصمتها القدس، ومن ثم المساهمة في إعادة إعمار غزة، لكن من المتوقّع أنّ الرئيس المصري (السيسي) قد طلب من رجب طيب أردوغان ممارسة المزيد من الضغوط على حماس لتكون أكثر مرونة في التسوية الحالية مع إسرائيل ونتنياهو في موضوع وقف الحرب وتبادل الرهائن والأسرى المحتجزين، لأنّ إسرائيل تسعى لإطالة أمد الحرب والمفاوضات لأسباب تتعلّق بالوضع الداخلي الإسرائيلي واستمرار حكومة نتنياهو في السلطة.
التوافق بين تركيا ومصر يعزّز موقف تركيا في الخليج من الناحية السياسية والاقتصادية، خاصة مع السعودية والامارات، ويحفظ ماء الوجه لروسيا التي بدورها تريد تعزيز مواقفها مع الدول العربية الخليجية، وقد حضر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اجتماع مجلس التعاون الخليجي، ولا يخفى على أحد التنسيق الروسي – التركي – الإيراني في سوريا والعراق والخليج العربي، وبعد تعزيز تركيا علاقاتها مع مصر سوف يكون الطريق ممهّدًا لها للاشتراك في قمم جامعة الدول العربية. ومن المتوقّع أن تمرّر الولايات المتحدة الامريكية هذه العلاقات بين الجانبين؛ لعدّة أسباب منها: أنّ الولايات المتحدة في الأشهر القادمة ستنشغل بالانتخابات الرئاسية القادمة، وكذلك لأنّ تركيا حليفة في حلف الشمال الأطلسي، وكذلك مصر تعدّ دولة صديقة لها، فهي التي وقّعت اتفاقيات (كامب ديفيد) مع إسرائيل، كما أنّ العلاقات التركية – المصرية الحالية سوف تمنحها الوقت الكافي لمراقبة الوضع في غزة، لتراقب ردود الفعل الروسية والإيرانية في الشرق الأوسط.
أمل السيسي في ورقة سدّ النهضة:
الرئيس المصري يعلم مدى العلاقات الوثيقة بين إثيوبيا وتركيا، وكذلك الدور التركي في ترسيخ سلطة رئيس إثيوبيا (آبي أحمد) في مواجهة تمرّد (تيغراي) أو جبهة تحرير تيغراي، عندما زوّدته بطائرات من دون طيّار؛ الأمر الذي ساعد الجيش الإثيوبي على إعادة السيطرة على الأمور، ويأمل الرئيس المصري أن تلعب تركيا، لما لها من نفوذ، دورًا فعّالًا في الوساطة بين مصر وإثيوبيا لحل الخلاف حول ملء سدّ النهضة بالمياه؛ ما يؤثّر على احتياجات مصر المائية والاستراتيجية، وهذا ما ترفضه مصر، وهو ما سبّب قلقًا مصرياً مُستدامًا ما لم يتمّ التفاهم حوله وبموجب اتفاقية دولية بين الجانبَين، وهناك شكاوٍ مصرية في الأمم المتحدة حول هذه القضية، وقد نُقِل عن الأمم المتحدة أنّ إثيوبيا تتفهّم حاجة مصر لحلّ الخلاف حول سدّ النهضة، وأنّ إثيوبيا مستعدّة للتفاوض بهذا الشأن.
سوف تعمل مصر مع تركيا وتجعلها تفهم المصالح الحيوية لمصر في البحر الأحمر ليكون ممرّاً بحريًا عالميًا، ويمنع تموضع نفوذ أية دولة فيه باعتباره ممريا ً بحريًا دوليًا، وتعمل على إخراج القوات أو منع أي نفوذ أجنبي فيه، خاصة أنّ قناة السويس المصرية تمثّل المدخل الهام والاستراتيجي فيه، وهذا قد يمثّل ضغطًا إضافيًا على إثيوبيا؛ لأنّها أصبحت دولة معزولة عن مياه البحر الأحمر، وتسعى ليكون لها منفذ على البحر، وقد أرسلت مصر قوات عسكرية إلى القرن الأفريقي لحماية مصالحها، ومن هنا يكون لتركيا دور إيجابي؛ لما لها من وزن لحل الخلاف المصري – الاثيوبي، خاصة أنّها تملك أكبر قاعدة عسكرية في الصومال، ووقّعت اتفاقية عسكرية مع جيبوتي عام 2023م، ومن المتوقّع أن تتفهّم تركيا حاجة مصر الاستراتيجية من المياه في سدّ النهضة، وتتفّهّم دورها وأهمية قناة السويس في البحر الأحمر، وأن يكون البحر الأحمر ممرّاً بحريًا دوليًا للتجارة العالمية دون نفوذ الدول الأخرى المنافسة، كالصين وبعض الدول الغربية؛ كون مصر وتركيا من الدول الإقليمية الهامّة في المنطقة، ولا ضير من وجود المملكة العربية السعودية بسبب العلاقات الودّية مع الجانبَين (المصري والتركي)، وقد يثير “الحُدَيدة” بعض القلاقل البحرية التي تقمعها الأساطيل البريطانية والأمريكية، لسلامة التجارة الدولية العالمية، وتتفهّم إيران هذه الحاجة الدولية مُرغَمة.
خلاف على النفوذ في ليبيا، والحلّ في تفاهم الجانبين:
مصر حريصة على أمنها القومي من جهة الشرق وحدودها الطويلة مع ليبيا، لذا؛ باتت تدعم قوات “حفتر” في الجيش الليبي والتي كانت تحاول التقدّم إلى جهة طرابلس، حيث نفوذ الحكومة الشرعية بقيادة “الوفاق الوطني” بقيادة “السرّاج”، ومن بعده حكومة “الوحدة الوطنية” بقيادة “عبدالحميد الدبيبة” المنتهية ولايته، وقد رأت القاهرة أنّ “خليفة حفتر” يمثّل الاستقرار في مواجهة الفصائل الليبية المسلّحة، في حين رأت أنقرة أنّ الحكومة “الشرعية” هي التي تمثّل الاستقرار لأنّها مُعترَفة دوليًا؛ ويبدو أنّ زيارة السيسي قد ساهمت بشكل فعّال في حل هذا الخلاف، وقد جرى هذا التفاهم بين الجانبَين على إنهاء الفصائل الليبية المسلّحة وإخراجها من ليبيا، ومنع دخول المسلّحين إلى ليبيا، واتّفق الجانبان على إعادة الاستقرار إلى ليبيا؛ عبر إجراء انتخابات برعاية أممية، وإعادة الأمور إلى نصابها، والمُرجّح أنّ يلقى هذا التوافق ترحيبًا دوليًا من كافة الأطراف، بما فيها الأطراف الدولية والإقليمية.
حل الخلاف حول غاز شرقي المتوسط:
ذكرنا سابقًا أنّ مصر قد أسّست “منتدى الغاز في شرقي المتوسط” وانضمّت إليه أهم الدول، وهي: مصر واليونان وقبرص وإسرائيل، ولم تنضمّ إليه تركيا؛ وهو ما أثار لديها الحنق والغضب، لأنّها كانت ترغب بترسيم الحدود البحرية مع دول الجوار، لتسارع بدورها إلى البحث والتنقيب عن الغاز والنفط وتتخلّص من مسألة استيراد الغاز من روسيا وغيرها من الدول، وأخيرًا؛ فإنّ الحاجة المزدوجة (المصرية والتركية) قد دفعتهما للتقارب والتفاهم لحلّ أزمة الحاجة الاستراتيجية الملحّة للدولتين، وتتخلّص مصر بدورها من استيراد الغاز الإسرائيلي المُسال، وبدأ الجانبان (التركي والمصري) مفاوضات على إعادة ترسيم الحدود البحرية بينهما، كما عملت مصر على دخول تركيا إلى “منتدى غاز شرقي المتوسط” مع الدول الأخرى، بهدف تعزيز التعاون بين دول المنطقة للاستفادة من الطاقة المتاحة، كلٌّ ضمن حدوده. كما تسعى كلٌّ من تركيا ومصر على الاتفاق والتفاهم حول المسألة السودانية؛ لأنّ الجانبين يدعمان قائد الجيش السوداني (البرهان) ويتم التوافق على حل المسألة السودانية بالطرق الدبلوماسية لتحقيق الاستقرار في المنطقة، ودعم المساعي الدولية لحلّ النزاع.
كما تطمح مصر في الحصول على الطائرات التركية من دون طيار من نوع (بيرقدار) بأنواعها، والتي زوّدت تركيا روسيا بها في حرب روسيا مع أوكرانيا، كما أنّ التعاون الاقتصادي من أهم ما يشغل البلدَين؛ وذلك لعجز ميزانيتهما وتدهور العملة الوطنية والمحلية، وانخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، والأمر ذاته ينطبق على الليرة التركية التي سبقت الإشارة إليها.
ويطمح الجانبان (المصري والتركي) للتغلّب على العجز الاقتصادي والتضخّم وتدهور العملة الوطنية، كما يطمحان لرفع مستوى التبادل التجاري ليصل إلى 15مليار دولار، علماً أنّه في السنوات السابقة لم يتجاوز 4 مليار دولار، وهو طموح يمكن أن يتحقّق إذا ما تخلّت تركيا عن أيديولوجيتها السياسية في دعم حركات الإسلام السياسي (كجبهة النصرة وحماس والجيش الوطني ومرتزقته).
مصر والتقارب السوري – التركي، وتأثيره على الإدارة الذاتية:
وهذا يدخل في إطار التكهّنات والتوقّعات، وقد سبقت لنا الكتابة حول هذا الموضوع؛ وأشرنا إلى أنّه أمر غير قابل للنجاح، وإن نجح فسيكون نجاحاً جزئياً؛ لأنّ الملفّ مُعقّد ولأنّ أطراف النزاع كثيرة، فهناك تركيا التي تحتل الشمال السوري، وهناك إيران التي تمتلك قواعد عسكرية ومخازن أسلحة ومزارات خاصة بالشيعة ولها ديون على سوريا بالمليارات وتسيطر على الطرق البرية؛ طرق الإمداد إلى العراق ومنها إلى دير الزور والبادية ودمشق وحمص إلى لبنان حيث معاقل حزب الله (ذراع إيران في حرب غزة وإسرائيل)، وهناك روسيا ذات النفوذ القوي والرسمي (بإذن النظام السوري)، وكذلك هناك وجود للولايات المتحدة الأمريكية في شرقي الفرات، والمتحالفة مع قوات سوريا الديمقراطية ضدّ تنظيم داعش الذي لايزال يشكّل خطراً في كل من سوريا والعراق، والمرجّح ألّا ينجح التقارب بين كل من سوريا وتركيا، ولكن المتوقّع أن تمارس تركيا التضييق على الإدارة الذاتية الديمقراطية؛ فتطالب بإخراج ممثّلي الإدارة الذاتية من مصر، ومن المتوقّع أيضًا ألّا تستجيب القاهرة لمطلبها؛ بحجّة عدم وجود تمثيل رسمي أو علني لممثّلي الإدارة الذاتية في مصر، علمًا أنّ لمصر تاريخًا طويلًا من الصداقة مع الشعب الكردي منذ خمسينات القرن الماضي؛ منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر، حيث كانت هناك إذاعة كردية تبثّ من القاهرة، وكانت القاهرة دائمًا ملجأً للنخب الكردية من الوطنيين والمناضلين الملاحَقين.ّ