الزيارة الثانية لبشار الأسد إلى الإمارات الخفايا   

  د. أحمد سينو

                                         

بعد عودة الرئيس السوري بشار الأسد من موسكو، ولقائه الرئيس الروسي بوتين ومقابلاته التلفزيونية ورفضه مقابلة الرئيس التركي إلّا بشرط الانسحاب من كامل الأراضي السورية، وتعثّر الاجتماع الرباعي الذي يضمّ إيران برعاية روسية أو تمّ تأجيله لافتقاده لجدول عمل حسب الرئيس السوري مبيّنا أنّه لا فائدة منه، سارع للقيام بزيارة رسمية إلى دولة الامارات العربية المتّحدة رافقته طائرة عسكرية في الأجواء الإماراتية، وحين وصوله أطلقت دولة الامارات العربية /21/  طلقة ترحيبا به واستقبلته استقبالًا حافلًا له دلالاته لدى المتابعين، لأنّ هذه المظاهر كانت قد اختفت منذ 2011م أثناء تصاعد الأزمة السورية، والملفت في الزيارة أنّ بشار الأسد كان  برفقة زوجته أسماء الأسد وهذا أيضًا له دلالاته الأسرية لما لذلك علاقة بوجود أخت الرئيس بشرى الأسد ومقتل زوجها آصف شوكت ووجود أرصدتهم وهداياهم الثمينة وأملاك رامي مخلوف ابن خال الاسد الذي هو على خلاف مع الرئيس وأسماء الأسد ومصادرة أملاكه، وربما خفايا الزيارة تتعلّق بتصفية بعض الحسابات داخل أسرة الأسد، فدولة الامارات العربية المتّحدة ربما تمثل الحديقة الخلفية لأمن الاسرة وأملاكها من الأبراج والأرصدة.

أما الزيارة بحدّ ذاتها فتدخل في سياق المتغيّرات الدولية والإقليمية بعد الحرب الروسية الاوكرانية وعودة العلاقات بين السعودية وإيران إقليمياً، والتي سعت إليها من قبل كلّ من سلطنة عُمان والجمهورية العراقية التي لا تنفصل عن المؤثّرات والمشهد الايراني في المنطقة، واللتين ترتبطان مع الامارات بأفضل العلاقات على الصعيد العربي والإقليمي.

لقد كان رئيس دولة الامارات محمد بن زايد في مقدّمة مستقبلي بشار الأسد في مطار أبوظبي، والتي أعادت فتح سفارتها مع دمشق منذ 2018م والتي عُرِفت بأنّها ضدّ الربيع العربي الذي امتطى الاسلام السياسي وحركات الإخوان المسلمين صهوته في كلّ مكان في الوطن العربي، وسعت الإمارات بشكل حثيث لتعويم النظام السوري وإعادته إلى الصف العربي ولجامعة الدول العربية، وانفتحت الأمور أكثر أمام الإمارات بعد كارثة الزلزال الذي ضرب كلًّا من تركيا وسوريا وقدّمت مساعدات انسانية وإغاثية هائلة لمتضرّري الزلازل وللحكومة السورية، لاسيّما عندما رفعت الأمم المتّحدة العقوبات عن سوريا مدّة ستّة أشهر. وفي ظلّ هذا الحراك الأخير لبشار الأسد من موسكو وفي مقابلاته أعلن أنّ بعض الأطراف العربية طرحت عليه أفكاراً للحلّ في سوريا شرط ابتعاد نظامه عن إيران ليقبل عليه معظم العرب، والغالب أنّ هذا الشرط بات في ثلاجة باردة ولم يعد مقبولًا ولا ممكناً بالنسبة لسوريا؛ بسبب توغّل النفوذ الإيراني في جميع مفاصل الحكومة السورية حتى بلغ العظم؛ أي لا يمكن فصله بأيّ حال من الاحوال كما لم يعد مقبولاً من قبل النظام فصله عن إيران باعتبار أنّ ذلك قرار سيادي منوط فقط بالرغبة السورية، وهذا لا يتعارض مع الرغبات الروسية والصينية على الصعيد الدولي، كما لم يعد شرطاً من الأطراف العربية لاسيّما العربية السعودية خاصة بعد عودة العلاقات السعودية مع إيران والذي سوف يلقي  بآثاره وظلاله على معظم الدول العربية في القسم الآسيوي مثل اليمن والعراق ولبنان وسوريا وسوف تميل إلى التوازن والتهدئة إن لم نقل تميل إلى الحلّ. وفي حينه صرّح وزير خارجية العربية السعودية أنّه لا يمكن عزل سوريا عن محيطها إلى الأبد. وكان ذلك إيذاناً وتذكرة لسعي الكثير من الدول العربية لإعادة علاقاتها مع سوريا، وبدأت الزيارات تتّجه إلى دمشق من قبل مصر ووزير خارجيتها سامح شكري الذي لم يخرج عن السياق الدولي معلناً انّ زيارته لأسباب إنسانية خاصة بعد كارثة الزلزال.

 إذاً الزيارة لدولة الامارات لا تتعارض مع المملكة العربية السعودية ولا دول مجلس التعاون الخليجي ولا حتى إيران، بل ربّما هي رسالة إماراتية لإيران لتوثيق العلاقات معها أكثر رغم بعض الخلافات على خلفية احتلال إيران لبعض الجزر الاماراتية، والمتوقّع أنّ دول المغرب العربي لا تمانع عودة سوريا إلى محيطها العربي ولا حتى إلى الجامعة العربية، خصوصًا الجزائر والتي سعت بكلّ جهد لتحقيق هذا الهدف عندما استضافت القمة العربية.

 ويبقى الموقف الأمريكي الذي يرفض التطبيع مع النظام السوري على خلفية المخدّرات والبراميل المتفجّرة والغازات الكيماوية والتهجير القسري والإبادة التي طالت مناطق واسعة في سوريا، وإعاقة النظام لعمل اللجنة الدستورية ورفض التنسيق مع الادارة الذاتية على أساس اللامركزية ومبدأ الامة الديمقراطية، ويبقى السؤال: أين ممثّلو الادارة الذاتية في كلّ من الامارات والسعودية وفي سلطنة عمان وفي مصر وغيرها؟؟ يجب تفعيل الدبلوماسية الديمقراطية في كل الدول المذكورة عبر الإعلام والمواقع الإلكترونية لإظهار وبيان مواقف الإدارة الذاتية عربيًا وديمقراطياً، لدحض الدسائس والتشويه وبيان الحقائق المجرّدة على أرض الواقع. أين ندواتهم ومؤتمراتهم الصحفية في البلدان المذكورة؟؟!

زر الذهاب إلى الأعلى