العملية العسكرية التركية وتداعياتها على الداخل التركي من الناحية الاقتصادية والدبلوماسية

محمد جقماقي

إنّ العملية العسكرية التركية المرتقبة يمكن أن تكون سلاحًا ذا حدّين بالنسبة لتركيا على المستوى الاقتصادي والدبلوماسي مع عدة دول في الشرق الأوسط، وأبرزها السعودية وإيران؛ فمن المعروف أنّ هناك صراعاً بين السعودية وتركيا حول قيادة العالم الإسلامي، وبرز هذا الصراع عند مقتل الخاشقجي وتصريح أردوغان بأنّ تركيا هي البلد الوحيد القادر على قيادة العالم الإسلامي، لذا فإنّ نجاح أيّة عملية عسكرية قد تزيد من النفوذ التركي في المنطقة لكن سيقابله اعتراض سعودي، وهذا الاعتراض قد يأتي على المدى الطويل ولكنّ السعودية ستقف أمام تركيا، ومن المرجّح أن يكون ردّ الفعل السعودي دبلوماسيًا وذلك عبر أميركا؛ لأنّ الدولتين حليفتان استراتيجيتان للأخيرة في منطقة شرق الأوسط، وهذا يعني أنّ أمريكا ملزمة لخلق توازن بين حلفائها في المنطقة، أمّا على الصعيد الإيراني فهناك صراع بين تركيا وإيران، والذي تعود أسبابه الى أحداث تاريخية وقومية وجيوسياسية، وتمتلك كلتا الدولتين مشاريع مختلفة عن الأخرى، وبرز هذا الاختلاف تحديدًا في سوريا والعراق بالرغم من مساهمة أستانا منذ 2017 في خفض الصراع وازدياد التنسيق فيما بينهما وخاصة في سوريا، ولكن خفض هذا التوتّر قد يكون تكتيكياً على الجغرافيا السورية، وشنّ أيّة عملية عسكرية تركية في العراق ضدّ حزب العمال الكردستاني قد تواجهها إيران بشكل مباشر لوقف أي امتداد للنفوذ التركي في المنطقة؛ ويُعتبر العراق منفذاً إقليمياً بالنسبة لإيران وخاصة لما تتعرّض له من عزلة بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية عليها؛ لذلك ليس من السهل السماح لتركيا بتمدّد نفوذها في الداخل العراقي.

  • تداعيات العملية العسكرية التركية المرتقبة على الاقتصاد التركي .

إنّ تركيا تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وهبوط قيمة الليرة التركية بشكل بارز ومتسارع يعطي بوادر شبه انهيار للاقتصاد التركي، وهذه الأزمة الاقتصادية تلقي بظلالها على المشهد التركي عامة وخاصة على الجانب العسكري؛ لذلك فإنّ القيام بأيّة عملية عسكرية واسعة النطاق ضدّ حزب العمال الكردستاني سيكلّف تركيا زيادة في الأزمة الاقتصادية، وأردوغان على دراية تامة بذلك، لذا فقد التجأ الى إعادة العلاقات مع حكومة بغداد ليس فقط في إطار الأمور اللوجستية والعسكرية، بل لتقاسم تكاليف ما ستؤدّي إليه أيّة عملية عسكرية؛ كون تركيا على دراية تامة بأنّها غير قادرة على تحمّل العبء الاقتصادي الذي ستؤدّي إليه العملية العسكرية، ولأنّ حلفاء تركيا المشاركين في هذه العملية المرتقبة يعانون من أزمات اقتصادية خانقة، سواء بغداد أو أربيل، ستكون هذه العملية العسكرية محدودة النطاق ولن تتكلّل بالنجاح وخاصة بعد إعلان حزب العمال الكردستاني امتلاكه أسلحة نوعية خاصة بالدفاع الجوي، والتي استطاعت أن تسقط عدداً هائلاً من الطائرات التي تستخدمها تركيا في عملياتها العسكرية، ومجرّد امتلاك حزب العمال الكردستاني لهذه الأسلحة النوعية يدلّ على أنّ هناك قراراً دوليًا لإفشال أيّة عملية عسكرية تقوم بها تركيا؛ لأنّ هذه الأسلحة النوعية لا يمكن الحصول عليها إلّا بقرار دولي.

بالإضافة لكلّ ذلك؛ فإنّ هذه العلمية ستكون لها تداعيات سياسية على الداخل التركي، وخاصة بعد تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية التي تعتبر فشل الحكومة في إدارة الأزمة الاقتصادية والتضخّم من أبرز الأسباب التي أدّت الى تراجع نفوذ حزب العدالة والتنمية، بالإضافة لأسباب سياسية على المستوى الداخلي والخارجي، وبسبب فشل حكومة العدالة والتنمية في تدارك الأزمة الاقتصادية وإيجاد حلول مستعجلة لها التجأ الى إعادة إبراز مشروع “طريق التنمية” الذي تم طرحه من قبل حكومة بغداد في 27 أيار 2023 وهو ليس إلّا حلًّا بديلًا لدعم الاقتصاد التركي الذي سيكلّف تركيا مزيدًا من الانهيار الاقتصادي؛ كون مشروع التنمية يحتاج إلى وقت طويل لإنجازه وأيضًا ربّما قد يواجه هذا المشروع عُقداً سياسية ولوجستية تُضاف إلى سجل الأمد الطويل الذي يحتاجه المشروع، من خلال المشاريع والخطط التي تتبنّاها حكومة العدالة والتنمية وعلى رأسها أردوغان، يمكننا أن نلاحظ التخبّط السياسي والفوضى السياسية التي تمرّ بها تركيا نتيجة سياساتها الفاشلة، وأبرز صورة لهذا التخبّط يمكن ملاحظته من خلال التشتّت التركي بين حلف ناتو – وعلى رأسها الولايات المتحدة- من جهة، وروسيا من جهة أخرى؛ فتركيا إلى الآن لم تستطع تحديد استراتيجيتها فيما يخصّ علاقاتها الدولية والإقليمية.

  • يمكن القول أنّ العجرفة السياسي لحزب العدالة والتنمية لن يجلب سوى مزيد من الفوضى على المستوى الداخلي والخارجي ومزيد من الانهيار الاقتصادي التركي، وتعتبر العسكرة وسيلة بارزة تستخدمها تركيا لدعم عجرفتها السياسية، وهذا بالضبط ما شهدناه من دور التركي في الملف السوري، تحديدًا الملفّ الكردي؛ فتركيا تستخدم العسكرة للوصول إلى مفاوضات لفرض شروطها على شمال وشرق سوريا.

  العملية العسكرية التركية تمهيد لاتفاقية سلام مع حزب العمال الكردستاني: 

  • إنّ تاريخ الصراع التركي مع حزب العمال الكردستاني يمتدّ إلى نشأة الأخير عام 1978 وتطوّر هذا الصراع حتى وصل إلى عمليات عسكرية تحت مسمّيات عديدة ومختلفة، وجميع هذه العمليات لم تعطِ أي إنجاز على الصعيد العسكري بالنسبة لتركيا؛ لذلك جرت عدة محاولات للوصول إلى اتفاقيات سلام بين الطرفين، ولكنّ تركيا لم تلتزم بأيّة واحدة منها ودائما كان الخيار العسكري هو الحل بالنسبة لها، لذلك فإنّ العملية العسكرية المرتقبة ضد حزب العمال الكردستاني ستكون بادرة مفاوضات بين الطرفين للوصول إلى حلّ دائم؛ لأنّ تركيا على دراية تامة بأنّها لن تسطيع الوصول إلى أي إنجاز عسكري ولكنّها تحاول شنّ هذه العملية العسكرية لإضعاف حزب العمال الكردستاني لفرض شروطها على الأخير في أيّة مفاوضات قد تحدث، ولكن من جهة أخرى حزب العمال الكردستاني من الصعب إضعافه وفرض الشروط عليه، لذا فإنّ الجلوس على طاولة المفاوضات يجب أن يكون دون أيّة شروط مسبقة من كِلا الطرفين، وفي النهاية إنّ البروباغاندا التي تقوم بها تركيا لهذه العملية المرتقبة ليست إلّا لإشغال الداخل التركي عن الوضع الداخلي التركي المتدهور و خاصة الوضع الاقتصادي.
  • كل ما يدور في فلك العملية العسكرية المرتقبة ضد حزب العمال الكردستاني ليس إلّا بوادر للحلّ، وإن كان نسبيا بالنسبة للقضية الكردية في سوريا وتركيا، ولكن أردوغان يسعى لأن يكون مقبض الحلّ بيده وبشروطه التي يحاول فرضها على حزب العمال الكردستاني بشكل خاص وعلى الكرد بشكل عام، ولكنّ المناخ السياسي والتطوّرات التي طرأت على منطقة الشرق الأوسط تنذر بتطوّر قوى وحركات شعبية قادرة على الوقوف في وجه أي استغلال تتعرّض له، لذلك فإنّ المفاوضات بين الطرفين قريبة أكثر من أي وقت مضى وإن سبقتها عملية عسكرية، وجميع الأطراف المتحالفة مع تركيا على معرفة تامة بعجزهم عن تحقيق أي إنجاز عسكري ضد العمال الكردستاني، لذا فإنّ التحالفات مع تركيا هي لأهداف دبلوماسية وسياسية ليس أكثر، سواء من قبل

حكومة بغداد أو أربيل، والأمر ليس متعلقًا بمشروع طريق التنمية بالدرجة الأولى، كونه مشروعاً يحتاج إلى فترة زمنية طويلة للاستفادة من وارداته، أي؛ هو مشروع استراتيجي محض، لذلك يُعتبر هذا المشروع خطًّاً عريضًا يحوي في طياته قضايا تتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط وحلحلة كثير من الأمور العالقة، وخاصة الملف الكردي -التركي .

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى