الصمت الدولي يدفع أردوغان لتنفيذ عدوانه

يحاول أردوغان  استغلال تفجير إسطنبول المفبرك من قبل الميت التركي لاتهام قوات سوريا الديمقراطية بارتكاب المجزرة، في محاولة منه للحصول على تأييد دولي لتنفيذ اجتياحه العسكري السافر لمناطق الإدارة الذاتية، فالقصف التركي العنيف على البنى التحتية والمدنيين والعسكريين  والمناطق القريبة من القواعد الأمريكية والروسية في مناطق الإدارة الذاتية يأتي للضغط على الولايات المتحدة وروسيا لمنحها الضوء الأخضر لعدوان أوسع على المنطقة.

أردوغان الذي بات يخشى الهزيمة في الانتخابات الرئاسية العام القادم وفشله في كسب الأحزاب المعارضة له وبالأخص حزب الشعوب الديمقراطي HDP إلى صفه، وهو يدرك أهمية الصوت الكردي في الانتخابات كان لا بدّ  له من القيام بخطوات عدوانية تجاه خصومه، فالعملية التي يتوعّد بتنفيذها في مناطق الإدارة الذاتية تهدف إلى:

– كسب صوت القوميين الأتراك في الانتخابات المقبلة، خاصة أن حزب العدالة والتنمية AKP والحركة القومية MHP “تحالف الشعب” سيخوضان الانتخابات بشكلٍ منفصل، فتحالف أردوغان مع الحركة القومية بات يشكل نقطة ضعف له في هذه المرحلة، لذا كان من الضروري في هذه المرحلة فكّ ارتباطهما مؤقتاً و ذلك لجذب الأصوات الكردية والمعتدلة في الانتخابات.

– إن عدم رضوخ أو رفض حزب الشعوب الديمقراطي لإملاءات حزب العدالة والتنمية ولأهمية هذا الحزب في جذب وتحويل الأصوات لمرشّح المعارضة “فوز المعارضة ببلدية إسطنبول بسبب دعم حزب الشعوب الديمقراطي لهم” سيدفع أردوغان لاتّخاذ خطوات عدائية تجاه هذا الحزب، كونه يعلم بأن الحزب لن يقف مكتوف اليدين أمام العدوان التركي على روج آفا ومناطق الإدارة الذاتية وباشور كردستان، لذا سيعمل على استغلال تصريحات الحزب المناهضة للعدوان التركي على المنطقة وخلق الذرائع لحظره أو تصنيفه كحزب داعم للإرهاب، وهذا ما سيشكل ضربة قوية ضد الكرد والأحزاب المعارضة قبيل موعد الانتخابات.

– استكمال مخططه العثماني الاستعماري “الميثاق الملّي” باحتلال أجزاء جديدة من روج آفا” تل رفعت، كوباني، منبج” لربط منطقتي كري سبي وسري كانيه المحتلّتين بمنطقة ما تسمّى بدرع الفرات كمرحلة رابعة من مخططه الاستعماري ” الأولى ما تسمى بمنطقة درع الفرات والثانية عفرين والثالثة كري سبي وسري كانيه” وبالتزامن مع مخططه في باشور كردستان، وبعد ذلك التوجه نحو غرب قامشلو.

– إعادة اللاجئين السوريين وبشكلٍ قسري بعد تفجير إسطنبول وتوطينهم في عفرين والشمال السوري المحتل، لفصل شمال كردستان عن جنوب وغرب كردستان.

إلا أن أطماع أردوغان كانت تصطدم بالرفض الأمريكي والروسي في كل مرة، لكن جاءت الحرب الروسية في أوكرانيا والصراع الغربي الروسي وحاجة كِلا الطرفين إلى تركيا في هذا الصراع؛ فكِلا الطرفين لا يريدان خلق خلافات مع تركيا أو الوقوف في وجهها أمام أي عدوان تقوم (بها)  به دولة الاحتلال التركي على مناطق الإدارة الذاتية أو مناطق كردية أخرى، لذا نرى صمتاً دولياً للعدوان التركي الحالي وإن استمرار هذا الصمت سيعطي لأردوغان دفعاً قوياً لتنفيذ عدوانه البرّي.

المواقف الدولية تجاه العدوان التركي

على الرغم من عدم رغبة الأطراف المعنية بخلق خلافات مع دولة الاحتلال التركي، إلا أنها في نفس الوقت ترفض أي اجتياح برّي للمنطقة،  وهذا ما قد يزيد من تعقيد الأزمة السورية والإضرار بمصالحها وأيضاً سبباً في عودة تنظيم داعش الإرهابي.

– الموقف الروسي: إن الانتكاسات التي لحقت بالجيش الروسي والضغوط الاقتصادية عليها في الفترة الأخيرة تدفع بوتين لاستقطاب بعض الدول إلى صفه، أو على الأقل تحييد الدول في دعم السياسة الغربية تجاهه وبالأخص دولة الاحتلال التركي، وقد جاء اجتماع آستانا كفرصة لكسب تركيا من خلال زيادة التضامن بين الدول التي تسمّى بالضامنة “روسيا وإيران وتركيا” خاصة إن هذه الدول تعاني من أزمات داخلية تجعلها أكثر تضامناً بما يخدم مصالحها في هذه الفترة، فهذه الدول أكّدت  على رفضها لأي إدارة ذاتية في سوريا، ما يعني إن هذه الدول متفقة على محاربة الإدارة الذاتية، وتمنح روسيا الضوء الأخضر لتركيا لقصف مناطق  الإدارة الذاتية وباشور كردستان، دون السماح لها بتنفيذ عدوانها البري حتى يتم الوصول إلى اتفاق معها “مقايضة” تسليم شمال طريق M4 سراقب – أريحا – جسر الشغور للنظام أو للقوات الروسية مقابل الضوء الأخضر في كوباني وتل رفعت، وإلا فإن روسيا لن تسمح لتركيا بالقيام بأي عدوان برّي على المنطقة وتمارس الضغط على قوات سوريا الديمقراطية لتقديم تنازلات للنظام.

– الموقف الأمريكي: إن الولايات المتحدة والتي هي شريكة قوات سوريا الديمقراطية في محاربة الإرهاب وحليفة تركيا في الناتو ترفض أي عدوان بري على المنطقة، إلا أنها تغض النظر عن القصف التركي العنيف على مناطق الإدارة الذاتية، وإن الصمت الأمريكي يأتي بهدف عدم التصادم مع تركيا في هذه المرحلة والذي يخدم أهداف روسيا، وقد تبقى صامته أمام أي عدوان برّي إن كان سيصطدم بالقوات الروسية أو يحدث خلافًا كبيرًا مع روسيا، أما في حال وجود صفقة “مقايضة” تركية روسية فلن تسمح لتركيا بتنفيذ عدوانها على المنطقة كونها ستكون الخاسر الأكبر في سوريا.

– الموقف الإيراني: إيران التي كانت في الأمس القريب ترفض وبقوة أي عدوان تركي برّي، جاءت الاحتجاجات في إيران لتخدم الأطماع التركية؛ فتأزّم الوضع الداخلي في إيران وفي نفس الوقت في تركيا سيزيد من تضامن كِلا الطرفين من أجل الحفاظ على نظام كلّ منهما من السقوط، لذا قد تمنح إيران الضوء الأخضر لتركيا في كوباني، إلا أن إيران تحاول إيجاد حلّ سياسي بدلاً من العدوان البرّي من خلال زيادة الضغط على قوات سوريا الديمقراطية لإدخال قوات النظام إلى كامل المناطق الحدودية مع تركيا “تسليم قوات سوريا الديمقراطية المنطقة الحدودية بالكامل لقوات النظام”.

من هنا إنّ إصرار أردوغان على تنفيذ عدوانه البرّي على المنطقة وعدم اكتفائه بالقصف وقتل المدنيين وتدمير البنى التحتية يأتي نتيجة ملاءمة الأوضاع الإقليمية والدولية “الصراع الغربي الروسي- الاحتجاجات في إيران- أزمة الطاقة في أوروبا- العقوبات الغربية على موسكو ” وحاجة جميع الأطراف لتركيا في هذه المرحلة، وعلى الرغم من الرفض الدولي سابقاً لأي عدوان تركي برّي إلا أن الصمت الدولي دون اتخاذ أي خطوات جادّة من قبل روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجاه التهديدات التركية سيدفع أردوغان إلى تنفيذ عدوانه أمام مرأى العالم دون أن تحرك ساكنًا، بالرغم من سلبيات هذه العدوان على المنطقة والتي ستؤدي إلى عودة التنظيمات الإرهابية “تنظيم داعش” وبشكل قويّ إلى المنطقة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى