تركيا والمستنقع الأفغاني

لا يخفى أن لتركيا علاقات مع الحركات الجهادية “حركة طالبان، تنظيم القاعدة ، تنظيم داعش، تنظيم الإخوان “إلى جانب تنظيم “الحزب الإسلامي التركستاني” الذي يضم مقاتلين من مسلمي الإيغور الذي ينشط في إدلب. ومع دولة قطر التي لها علاقات قوية مع حركة طالبان وترعى المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة والداعم الأكبر لبعض التنظيمات الإرهابية، كما تتمتع تركيا بعلاقات إيجابية مع باكستان وإيران المتاخمتين لأفغانستان، بالإضافة إلى العلاقات التركية القوية مع الدول الناطقة باللغة التركية، وكان المجلس التركي “منظمة دولية تضم الدول الناطقة باللغة التركية”، وهو وكالةٌ حكومية دولية أُسِّسَت في 2009 ومقرها إسطنبول، بمثابة مظلة دبلوماسية مهمة لزيادة التضامن والتعاون بين دول آسيا الوسطى وتركيا. حيث تهدف تركيا إلى إنشاء اتحادٍ اقتصادي بين الدول الأعضاء في المجلس التركي بحلول العام 2040. كما تتمتَّع تركيا بعلاقاتٍ قوية في الوقت الحالي مع موسكو، وتسعى وراء مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. هذا وقد اشترط وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أن يلتزم الحلفاء بتأمين الدعم السياسي والمالي واللوجستي اللازم لها، كما اقترح أردوغان بأن يتم إشراك كل من باكستان والمجر مع أنقرة في هذه المهمّة.

فالعلاقات التركية مع الولايات المتحدة وروسيا والصين يمكن تحديدها بسياستها المستقبلية في أفغانستان وبما يجري وسيجري في سوريا بحكم انخراط هذه الدول في الأزمة السورية ووجود مسلحي الإيغور في إدلب “حيث يقيم نحو 50 ألفا من الإيغور في تركيا، مما يشكل أكبر تجمع للاجئين من الإيغور في العالم” والتنظيمات الجهادية في أفغانستان. فتركيا من خلال نظامها الحالي تستطيع أن تتابع سياستها في التعامل مع الدول الثلاث “الولايات المتحدة وروسيا والصين” إلى حدّ ما ولكنها في نهاية المطاف قد تكون أمام خيارين إما انهيار العلاقات التركية الروسية والصينية أو انهيار العلاقات التركية الأمريكية.

  • الصين وروسيا: فتركيا كما هي معروفة عنها تعتمد بشكل كبير على مرتزقتها في تدخلاتها الخارجية، وإعلان وزير خارجية الولايات المتحدة بلينكن: إن القوات الأجنبية سترحل قريبا من ليبيا وعملية الانسحاب ستستغرق بعض الوقت. فمن المتوقع أن تقوم تركيا بنقل مرتزقتها في ليبيا إلى أفغانستان، وبما أن تركيا ترعى تنظيم الإيغور “الحزب الإسلامي التركستاني” في إدلب وأفغانستان على الحدود الصينية وبالأخص في جهة إقليم شينجيانغ “تركستان الشرقية” فقد يؤدي ذلك إلى حدوث خلافات كبيرة بين الصين وتركيا، فتركيا تروِّج لنفسها بأنها زعيمة أمم آسيا الوسطى ويمكن ربط تقديم الصين ولأول مرة اسلحة ومعدات عسكرية متطورة للنظام في سوريا لشنِّ حملة عسكرية ضد مقاتلي “الإيغور” الذين يتخذون قرى سهل الغاب وجبال إدلب وريف اللاذقية مقرات لهم باستلام تركيا ملف أفغانستان. والجدير بالذكر أن واشنطن قد أزالت اسم “الحزب التركستاني” عن قائمة الإرهاب، وذلك ضمن سلسلة إجراءات اتخذتها إدارة “ترامب” لمحاسبة الصين على انتهاكاتها في إقليم (شينجيانغ).

أما روسيا فتخشى من تغلغل خلايا التنظيمات الجهادية إلى أراضيها كون أفغانستان تشكل معقل التنظيمات الجهادية ” طالبان والقاعدة وانتشار تنظيم داعش فيها” إلى جانب وجود مسلحي الشيشان في إدلب وإن أي أزمة تحدث بين روسيا وتركيا في سوريا سينعكس سلباً عليها وستكون روسيا أمام خطر تلك التنظيمات.

لذا فإن العلاقة التي تربط تركيا بالتنظيمات الجهادية ستخلق خلافات تركية صينية وتركية روسية.

  • أما الولايات المتحدة من الطبيعي أن ينتابها القلق بشأن تركيا كجهةٍ تنفِّذ مصالح الولايات المتحدة في هذا المنعطف، نظراً لخلافاتهما القوية حول عددٍ من القضايا الرئيسية “S400، وعلاقتها مع دول تعتبرها الولايات المتحدة عدوة لها “إيران وروسيا والصين”. فتوقيع تركيا اتفاقية مع الصين “تسليم المجرمين” خاصة الإيغور للصين، حيث تناقل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تغيير الموقف التركي تجاه الإيغور المُسلمين، مُشيرين إلى أن السلطات التركيّة تعتقل مئات الأشخاص منهم، وتنسق لعمليات الترحيل مع بكين، وذلك منذ عدة أشهر. وهو ما يعني تمتين العلاقات مع الصين التي لديها مشروع طريق واحد حزام واحد وأفغانستان وتركيا جزء مهم من هذا المشروع وبالتالي تعميق الخلافات التركية الأمريكية. لذا فإن العلاقات التي تربط بينهما تتوقف على حجم التنازلات التي سيتم تقديمها من كِلا الجانبين سواء في سوريا أو صفقة S400 أو تقييد علاقة تركيا بروسيا والصين بما يخدم مصالح الغرب.

بالرغم من السياسة البراغماتية التي يتبعها النظام التركي في علاقاته الدولية واللعب على أوراق كعلاقتها بالتنظيمات الإرهابية وصفقة S400 وإرسال مرتزقتها  إلى بعض الدول الإقليمية كلها بهدف تمرير سياساتها والحصول على مكاسب إلا أنها في نهاية المطاف ستجر على تركيا مشاكل كثيرة لا يمكن لها الخروج منها سوى بتقديم تنازلات كبيرة للدول العظمى. ومن الصعب أن تلعب تركيا وهي تعاني من مشاكل اقتصادية وبتدخلها في أفغانستان ستزيد من أعباءها الاقتصادية، دوراً وسطياً فلكل دولة مصالح وأهداف استراتيجية لا يمكن التفريط بها كون أفغانستان تقع في قلب منطقة آسيا الوسطى على تخوم غرب آسيا وشبه القارة الهندية وشرق آسيا، وبالتالي هي منطقة مهمة جداً للقوى العظمى كالولايات المتّحدة والصين وروسيا. كما أن انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان في هذه المرحلة سيشجّع بعض الدول الإقليمية المنافسة لتركيا وباكستان على محاولة مِلء الفراغ بطرق متعددة، ومن بين الدول المهتمة بذلك إيران والهند وروسيا والصين، إلى جانب مدى قدرة تركيا على ضبط حركة طالبان التي تهدف في السيطرة على كامل أفغانستان وترفض الوجود التركي تحت مظلة حلف الناتو. وفي هذا السياق فقد تتحول أفغانستان إلى مستنقع كبير لتركيا لا يمكن الخروج منه.

زر الذهاب إلى الأعلى