الأزمة الأوكرانية.. والحالة السورية

ضمن ما تعتبره موسكو المجال الحيوي لأمنها القومي، باتت الأزمة الأوكرانية تشكل جانباً أساسياً من المشهد السياسي العالمي، فواشنطن تتعاطى مع هذا الملف باعتباره فيصلاً في سعيها لمحاصَرة روسيا والصين، فيما تسعى موسكو إلى استعادة إرث الاتحاد السوفييتي بعد أن انضمت غالبية دول أوروبا الشرقية لحلف الناتو. فكيف ستنعكس نتائج المواجهة بين القوى المتدخلة في الأزمة الأوكرانية على الحالة السورية؟

نشر موقع “المونيتور” الأمريكي مؤخراً، تقريراً أكد فيه إلى أن الكرملين يأمل أن تكون قاعدة حميميم شوكة روسيا المستقبلية في خاصرة “الناتو”. وما جرى في سوريا من توسعٍ وتحديث لمطار “حميميم” العسكري غربي سوريا وتعزيز المركز اللوجستي للبحرية الروسية في طرطوس بسفن إنزال، مرتبط بالتوترات في أوكرانيا، حيث تنشر موسكو قواتها على طول الحدود الأوكرانية مدعومة بنشاط بحري روسي في شمال المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط وذلك تجنباً للصراع في أوكرانيا، وإشارة إلى الأمريكيين بأن روسيا قادرة على نقل الصراع إلى سوريا.

وحملت المناورات العسكرية الجوّية الروسية المشتركة مع قوات الحكومة السورية، قبالة خط وقف إطلاق النار في مرتفعات الجولان، رسائل مبطنة لإسرائيل. فالتحرك الروسي هذا بالنسبة لتل أبيب سببه التطلّع الروسي إلى مساحة نفوذ في ميناء اللاذقية ورسالة لتل أبيب لتتدخل لدى واشنطن وتضغط على الأميركيين بملف أوكرانيا. فضلاً عن التجاذب مع الولايات المتحدة والغرب على خلفية هذه الأزمة. كما تسعى روسيا بانضمام ست سفن إنزال وصلت إلى ميناء طرطوس، لمواجهة توسع حلف “الناتو” على حدودها في أوروبا. وتحقيقاً لهذه الغاية، تريد روسيا إنشاء تهديد عسكري على الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي في البحر الأبيض المتوسط ​​من الساحل السوري، حيث يتمركز أعضاء “الناتو” تركيا واليونان وإيطاليا في الجزء الشرقي من البحر.

ونتيجة لارتباط سوريا بالأزمة الأوكرانية، من حيث تشابه اللاعبين، قد تكون تركيا العضو الخاسر في حلف الناتو إذا ما وقع غزو روسي لأوكرانيا، فهي تقيم علاقات مع كلا الطرفين، وفي حالة غزو روسي محتمل لأوكرانيا، ستكون تركيا أمام اختيار صعب. فمساندة تركيا لروسيا ستزيد من خلافاتها مع “الناتو” وخاصةً أن علاقاتها تأثرت كثيراً بعد شراء أنقرة أنظمة دفاع جوي روسية رغم الانتقادات الموجهة لها من أعضاء الحلف والولايات المتحدة. وأما إذا اختارت تركيا أو أرغمت على تولي إدارة الحرب ضد روسيا، فهذا سيفقدها الكثير مما حققته من روسيا في الملف السوري، بالإضافة لعواقب اقتصادية تضعف موقف رئيس النظام التركي في مواجهة خصومه في الداخل التركي، وربما سقوطه في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2023.

مسك العصا من المنتصف، السياسة التي يتبعها رئيس النظام التركي رجب أردوغان تجاه روسيا وأوكرانيا قد تجعله يخسر كل الأطراف، الأمر الذي دفع أردوغان، إلى محاولات التوسط غير المرغوب بها روسياً بين كييف وموسكو لنزع فتيل الحرب، خشية الاستدارة الروسية عليه بسبب تسليح أوكرانيا بطائرات مسيرة هجومية من طراز بيرقدار TB2. وما استهداف الطيران الحربي الروسي في شمال غربي سوريا بالقرب من تمركز نقاط جيش الاحتلال التركي، إلا رسالة لأنقرة بأن موسكو لن تتردد في تحريك الجبهة السورية ضد تركيا، إنْ لم تنأى بنفسها عن الحرب الأوكرانية إذا اندلعت.

وأمام تصاعد حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا، تتكثّف الجهود الدبلوماسية من أجل تجنّب “خيار الحرب”. فروسيا التي تنفي نيتها لغزو أوكرانيا، تجدد تمسكها في المقابل، بضرورة تنفيذ اتفاقيات “مينسك” لحل الأزمة المتواصلة في شرقي أوكرانيا منذ ربيع 2014م.

زر الذهاب إلى الأعلى