الدول الضامنة ضمانة لاستمرار الأزمة السورية

لم تكن الدول الضامنة “روسيا وتركيا وإيران إلى جانب النظام” حتى اليوم ضامنة لأي وقف اطلاق النار في جميع عموم الأراضي السوري ولم تكن ضامنة لأي حوار أو مبادرة تهدف لحل الأزمة السورية. بل اتخذت هذه الدول منحاً مغايراً لما هو، فزادت من تعاونها من خلال اللقاءات التي كانت تتم بشكل ثنائي أو بشكل جماعي  سواء في آستانا أو سوتشي او في عواصم هذه الدول ضد أي خطوات من شأنها التأثير على نفوذها في سوريا . وأصبحت هذه الأطراف معنية بشكل كبير في تأزيم الأزمة السورية ودفعها نحو منحاً خطيراً خاصة أن هذه الدول تستغل الأزمة الإقليمية وخاصة أزمة قطاع غزة لتحقيق مكاسب لها في سوريا.

لذا فإن الأزمة السورية لم تشهد منذ اندلاعها حتى مع فترة ظهور تنظيم داعش وانتشار الجماعات الإرهابية في عموم سوريا منحاً خطيراً أكثر مما هو عليه اليوم. فمنذ 2020 اتخذت الأزمة السورية منحاً خطيراً سواء من خلال استهداف البنى التحتية واستهداف المدنيين أو التدهور الاقتصادي الذي رافق مع انهيار الليرة السورية والتي بدأت تتهاوى بشكل سريع منذ 2020 وبدأت معها معاناة الشعب السوري بشكل كبير، والفاعل ما يسمى بالدول الضامنة.

الدول الضامنة خطر على الشعب السوري

روسيا

بغض النظر عن الأطماع الروسية الجيوسياسية في سوريا إلا أن تعاملها مع كل من دولة الاحتلال التركي وإيران تجعل الأزمة السورية بعيدة عن الحل. فروسيا تغض النظر عن الهجمات الإرهابية لدولة الاحتلال التركي على مناطق الإدارة الذاتية ولا تضغط عليها لمنع الطائرات المسيرة التركية من التحليق فوق الأجواء السورية لتنفذ هجماتها الإرهابية على المنطقة، بالرغم من التواجد العسكري الروسي على الشريط الحدودي بين مناطق الإدارة الذاتية ودولة الاحتلال التركي وسيطرته على مطار قامشلو المدني الذي حولته إلى مطار عسكري بما يخدم مصالحه في المنطقة. كما ان تحالفها مع إيران في سوريا والسماح للميليشيات الإيرانية من التمدد أكثر في سوريا تجعل المجتمع الدولي أكثر تمسكاً بالعقوبات الأمريكية على سوريا وتمنع من إعادة إعمار سوريا وتجعل من سوريا عرضة للهجمات الإسرائيلية التي تستهدف القواعد الإيرانية. فروسيا التي كانت ترغب بإنهاء الأزمة السورية وفق مقاسها إلا أنه بعد حربها في أوكرانيا وصراعها مع الغرب فإن إستمرار الأزمة السورية تخدم مصالحها كمنطقة لتصفية الحسابات ضد الدول المعادية لها. فتعامل روسيا مع دولة الاحتلال التركي وإيران وعدم إتخاذ أي إجراءات تحد من تدخلهم في الأزمة السورية والتي تصب في خدمة مصالحها الجيوسياسية وعلى حساب الشعب السوري ومعاناته، تضع روسيا في خانة الدول المعادية للشعب السوري.

تركيا

بعد فشل دولة الاحتلال التركي بأخذ الضوء الأخضر من الولايات المتحدة للقيام بشن اجتياح بري بربري على غرار عفرين وكري سبي وسري كانيه، بدأت تركيا باتخاذ منحاً جديدة أكثر خطورة في سياستها العدوانية بحق مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا من خلال القصف المدفعي واستخدام الطائرات المسيرة والممنهج  باستهداف البنى التحتية والمدنيين وقوات سوريا الديمقراطية وأجهزة الأمن، ومع استغلال دولة الاحتلال التركي الأزمات الدولية والإقليمية لخدمة سياسته الاستعمارية ومع الصمت الدولي اتجاه الإرهاب التركي، تجعل مناطق الإدارة الذاتية تحت ضغط كبير اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً وتحد من قدرتها على محاربة الإرهاب وفي تنفيذ المشاريع التنموية. كما أن تنسيق دولة الاحتلال التركي مع كل من روسيا وإيران والنظام في شرقي الفرات وبالتحديد في ريف دير الزور تجعل مناطق الإدارة الذاتية معرضة باستمرار للهجمات الإرهابية وللفتن. فالأطماع التركية تكمن باحتلال الشمال سوري بشكل كامل حتى مدينة حلب من ضمن المشروع التركي العثماني وضم هذه المناطق للأراضي التركية تحت ذريعة الميثاق الملّي. لذا فإن إطالة الأزمة السورية تخدم المطامع التركية في الاستمرار بعمليات التغيير الديموغرافي في الشمال السوري المحتل ومواجهة المشروع الديمقراطي المتنامي في سوريا، إلى جانب مراقبة المشروع الإيراني في سوريا والعراق “بحكم الصراع التاريخي بين الإمبراطورية العثمانية والفارسية على المنطقة”.

إيران

منذ اندلاع النزاع المسلح في سوريا وقفت إيران إلى جانب النظام السوري، إلا ان هذه التعاون بدأ يأخذ منحاً جديداً من خلال سيطرته على القرار السياسي في دمشق و السماح له بالتمدد ثقافياً “التشييع” في عموم سوريا إلى جانب سيطرته مع روسيا على مقدرات البلاد الاقتصادية والعسكرية. فإسرائيل ترى في التمدد الإيراني خطر يهدد أمنها القومي ولن تقبل بوجود قواعد ومراكز تخزين الأسلحة الإيرانية على الأراضي السورية لذا فالأراضي السورية مستهدفة من قبل الطيران الإسرائيلي. كما أن هذا التمدد يشكل خطراً على الدول العربية وبالأخص الأردن والدول الخليجية وهو ما يمنع الدول العربية من التدخل لإعادة إعمار سوريا خاصة مع رفض النظام تطبيق المبادرة العربية خطوة مقابل خطوة والتي تهدف للحد من النفوذ الإيراني في سوريا وتضع حداً لتجارة الكبتاغون. حيث أصبحت سوريا منبع الكبتاغون في العالم وبالأخص نحو الأردن ودول الخليج، كما أن التمدد الإيراني يمنع  أي حل ينهي الأزمة السورية ويمنع من إعادة إعمار سوريا إلى جانب استمرار العقوبات الدولية على سوريا. وبالتالي فأن التواجد الإيراني في سوريا وإطالة الأزمة السورية يخدم مشروعها التوسعي ويمنع من التمدد العثماني الجديد في سوريا.

النظام السوري

لم يكن النظام السوري يوماً نظاماً يعمل على تحقيق المساواة والحرية ويطبق الديمقراطية بل كان نظام قمع ضد دعاة الديمقراطية والحرية. فالنظام السوري الذي عان من التدخل الإرهابي لدولة الاحتلال التركي ودعمه للتنظيمات الإرهابية ودمر البنى التحتية لسوريا وشرد الملايين،  نجده اليوم  حتى وهو يرفض التطبيع معها يضع يده في يد دولة الاحتلال التركي في الملفات التي تلتقي فيها مصالح الطرفين ” ضرب الإدارة الذاتية ومشروعها الديمقراطي” ويجري تنسيق بينهما في أعلى المستويات الأمنية والعسكرية لتحقيق أهدافهم وهو ما يبرر صمت النظام أمام الهجمات البربرية ضد مناطق الإدارة الذاتية وتدمير بنيتها التحتية وعدم استخدام الوسائل العسكرية والسياسية لوقف تلك الهجمات وهي معنية في الأساس كنظام في حماية أمن وسيادة الأراضي السورية، كما أن هناك تنسيق كبير بينهما إلى جانب روسيا وإيران من خلال دعم بعض العشائر أو بعض شيوخ العشائر العربية القاطنين في مناطق النظام أو في الأراضي التركية ولهم امتدادات في شرقي الفرات لتحريك اتباعهم وخلاياهم الإرهابية في الريف الشرقي لدير الزور لخلق فتنة عربية كردية وإضعاف حالة الأمن والاستقرار في المنطقة تمهيداً لإعادة إحياء تنظيم داعش إلى جانب دفع الولايات المتحدة للانسحاب من سوريا، هذا إلى جانب العلاقة العضوية التي تربطها مع إيران وعدم قدرته على اتخاذ قرارات سياسية تتعلق بالتواجد الإيراني في سوريا، بالإضافة إلى الدور الروسي وتحكمه أيضاً بالقرار السياسي في دمشق.

فالنظام السوري الذي أصبح كعبد للسياسة الروسية والإيرانية ومع تقاطع بعض مصالحه مع دولة الاحتلال التركي يجعل من هذا النظام وباء على الشعب السوري وعلى الديمقراطية الناشئة في شمال وشرق سوريا وبعض المناطق الراغبة في أن تحذو حذو مشروع الأمة الديمقراطية. فإصرار هذا النظام على سياسته الحالية ورفضه للمبادرات الوطنية أو العربية يطيل من عمر الأزمة ومن معاناة الشعب السوري.

مستقبل سوريا في ظل ما يسمى بالدول الضامنة

إن هذه الدول “روسيا وتركيا وإيران إلى جانب النظام” على الرغم من اختلاف أيديولوجياتهم وأطماعهم إلا أن الأزمات الدولية والإقليمية وتشاركهم في بعض الملفات تزيد من التنسيق فيما بينهم ضد أي خطوة من شأنها التأثير على مصالحهم الدولية والإقليمية. كما أن تواجد القوات الأمريكية والتحالف الدولي في سوريا وشراكته مع قوات سوريا الديمقراطية في محاربة الإرهاب والانفتاح الدولي على الإدارة الذاتية ومشروعها الديمقراطية كحل للأزمة السورية وتمدد فكرها الديمقراطي في الداخل السوري كل ذلك يشكل خطراً على مصالح هذه الدول وبالتالي تحاول هذه الدول وبالتعاون مع النظام بشتى الوسائل إجبار الولايات المتحدة بالانسحاب من شرقي الفرات وضرب مشروع الأمة الديمقراطية من خلال التدخل في حالة الوفاق بين مكونات الشعب السوري في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وخلق فتنة عربية كردية في ريف دير الزور الشرقي وفتح المجال للإرهابيين تحت مسمى العشائر من اجتياز نهر الفرات للقيام بعمليات عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية. لذا فأن الأزمة السورية في ظل هذه الدول ستأخذ منحاً جديداً أكثر خطورة اتجاه الشعب السوري بجميع أطيافه وفي عموم سوريا وتدفع سوريا نحو

  • تقسيم سوريا إلى مناطق عديدة وبحسب المصالح الدولية والإقليمية ومع استمرار الأزمة السورية واختلاف أيديولوجيات هذه المناطق وارتباطات أغلب هذه المناطق بالأجندة الخارجية المعادية للشعب السوري لذا فإن هذه المناطق وبغض النظر عن الأزمة السورية بمنظورها الدولي ستكون على خلافات نزاعات داخلية فيما بينها وفقاً لما تمليه الإملاءات الخارجية.
  • استمرار ضرب البنى التحتية واستهداف المدنيين في عموم سوريا فالنظام السوري إلى جانب إيران وروسيا ستعمل على قصف المناطق الخاضعة للتنظيمات الإرهابية في الشمال السوري الواقعة تحت الاحتلال التركي وبضوء أخضر تركي إلى جانب استهداف المناطق الخارجة عن سيطرتها بشكل غير مباشر كالمناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والضحية الشعب السوري في الشمال السوري المحتل. كما ستكون المناطق الداخلية والساحلية معرضة للقصف الإسرائيلي بسبب التمدد الإيراني في مناطق سيطرة النظام والضحية أيضاً الشعب السوري. أما مناطق الإدارة الذاتية ستكون مستهدفة من قبل جميع الأطراف نتيجة مشروعها الديمقراطي.
  • استمرار العقوبات الأمريكية نتيجة للوجود الإيراني في سوريا وعلاقته العضوية بالنظام، وعدم قدرة النظام على اتخاذ خطوات جادة لحل الأزمة السورية سواء للمبادرات الخارجية “كالعربية خطوة مقابل خطوة” أو الوطنية كمبادرة الإدارة الذاتية نتيجة خضوعها الكامل للسياسة الروسية والإيرانية. وقد تزداد العقوبات الأمريكية في المستقبل بالتوازي مع التوازنات والأزمات الدولية والإقليمية وبالتالي فأن إعادة إعمار سوريا ستكون طي النسيان إلى أجل غير مسمى.
  • استمرار معانا
  • ة الشعب السوري فمع استمرار الأزمة السورية داخلياً وخارجياً واستمرار انهيار الليرة السورية وعدم وجود خطط مستقبلية لتحسين الاقتصاد أو على الأقل وقف تدهور الليرة السورية، ومع استمرار القصف الهمجي للبنى التحتية والمدنيين ومع استمرار العقوبات الأمريكية على سوريا وإصرار النظام على سياسته الدوغمائية في إنكار جميع الأطراف ورفضه لكل المبادرات الوطنية والعربية الهادفة لحل الأزمة السورية وإنهاء معاناة الشعب السوري وإصراره على أن يكون الحل وفق رؤيته فقط، لذا فأن معاناة الشعب السوري ستزداد وبشكل كبير وقد يصل بهم الأمر على عدم قدرتهم على تأمين أبسط مقومات الحياة وهو ما يعني انتشار المجاعات بشكل كبير في أوساط الشعب السوري.

حل الأزمة السورية ووقف معاناة الشعب السوري

إن تحكم الدول الضامنة بالأزمة السورية وعدم رغبة أي طرف الانسحاب من سوريا، ومع غياب الدور الأمريكي في إجبار تركيا بالانسحاب من الشمال السوري المحتل ووعدم قدرة روسيا على تقليص النفوذ الإيراني في سوريا ومع وجود نظام متهالك لا يملك أي قرار سياسي وطني اتجاه سوريا شعباً وأرضاً، ومع استمرار التدخلات الإقليمية والدولية، فإن الحل خارجياً سيكون شبه مستحيلاً إن لم مستحيلاً. فالحل يبقى بيد السوريين في إقامة إدارات ذاتية في ظل نظام لا مركزي وبمشروع ديمقراطي موحد يتفق عليه جميع الإدارات الذاتية لمنع حدوث أي خلافات أو نزاعات مستقبلية. فالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بمشروعها الديمقراطي والتي أخذت تتبلور كحل للأزمة السورية وبدأت تؤثر على بقية المناطق السورية قد يكون بداية حل الأزمة السورية داخلياً  فنجاح منطقة السويداء بتشكيل إدارة ذاتية وإنهاء معاناة شعوبهم قد يعطي دافعاً قوياً لبقية المناطق لحذو الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والإدارة الذاتية الناشئة في السويداء وبالتالي تحول سوريا إلى نظام لا مركزي تتمكن فيها الإدارات الذاتية من إدارة مناطقهم وفق نظام ودستور ديمقراطي موحد.

زر الذهاب إلى الأعلى